رفيف أجنحة التاريخ سمع أمس جيدا في أرجاء طهران. فليست قيمة الريال، العملة المحلية، وحدها، واصلت الهبوط، بل لاول مرة إعترف أمس النظام الايراني بان العقوبات الغربية تمس باقتصاد الدولة. الرئيس محمود أحمدي نجاد بالذات هو الذي عرض "عار" ايران على الملأ وشرح بان المداخيل التي شهدتها الدولة من صناعة النفط تضررت نتيجة للعقوبات. لم يكن هدف الرئيس الايراني مواجهة مصاعب النظام، بل اساسا تشجيع الجمهور الذي يصعب عليه رؤية النور في نهاية النفق: في كل يوم يمر تغلق أعمال تجارية أخرى، يرتفع معدل البطالة ويفقد المال القليل الذي في أيدي الجمهور من قيمته بخطوات كبرى. وأمس فقط سجل هبوط بنحو 9 في المائة في قيمة الريال وبلغ سعره 37.500 – 38.000، ريال مقابل الدولار الامريكي الواحد. عمليا، في غضون نحو اسبوع فقد العملة الايرانية قرابة ثلث قيمته. في مثل هذا الواقع، يمكن أن نفهم لماذا هو الفزع في ايران نحو الذهب، بمعنى الكلمة الحرفي، يتعاظم فقط. وبالذات في عصر انعدام المعرفة بالنسبة لمستقبل ايران في السنوات القادمة، حيث خطر الحرب مع اسرائيل يحوم من فوق والعقوبات الدولية تشتد فقط، يجد الجمهور أن أصحاب القرار – النظام وحكومة أحمدي نجاد – يجدون صعوبة في أداء مهامهم وانقاذ الاقتصاد الايراني من وضعه. عمليا، فان الخطوات التي يحاول النظام القيام بها تعمق فقط الازمة الاقتصادية. في الاسبوع الماضي قرر البنك المركزي في ايران تحديد سعر رسمي جديد للريال لمستوردي بعض البضائع، أقل باثنين في المائة فقط من سعره في السوق. ولكن هذه الخطوة بالذات، التي كان يفترض بها أن تدفع قيمة الريال الى الاستقرار بعض الشيء، أضعفته أكثر فأكثر، في ضوء النقص الشديد في الدولار في الاسواق الايرانية. فالجمهور يسعى الى شراء عملة مستقرة – الدولار مثلا، دون أن تكون متوفرة في الاسواق، او كبديل الذهب، الذي قيمته على حالها. هذه بلا ريب ايام عاصفة في شارع فردوسي، في طهران. في الشارع الذي يحم اسم الشاعر الوطني، كاتب "شاها ناما"، ابو القاسم منصور، يمكن ايجاد صرافين كثيرين: من السوق السوداء ولكن من الوكالات الرسمية لصرف الاموال والتي تعمل تحت رقابة البنك المركزي في ايران. "شاها ناما" منصور، التي وصفت تاريخ ملوك فارس، منحت كاتبها ليس فقط لقبه بل وايضا المجد. وبتعابير معينة أعاد فردوسي الى الحياة الفارسية على حساب العربية. كتب هاينرخ هايني قصيدة وصف فيها كيف مات متفطر القلب حين منحه الملك الذي كتب له القصيدة الفاخرة (محمود مجزنة) قطعا نقدية بدلا من قطع ذهبية. وفي ضوء الحالة البائسة للريال في هذا الشاره، يبرز اشتباه معقول في أن مزيدا من الايرانيين يعانون من تفطر القلب. نوافذ العرض في الوكالات الرسمية قدمت صباح أمس أرقاما غير معقولة: 34.700 – 35.000 ريال مقابل الدولار الامريكي الواحد. ومنذ بعد ظهر أمس سجل هبوط آخر. يمكن التقدير انه بعد خطاب احمدي نجاد "التشرتشلي" امس، فان الفزع الجماهيري للدولار سيزداد فقط. في الماضي شهدت ايران تصديا لهبوط ما في قيمة الريال، ولا سيما من خلال الدفع بالعملة الاجنبية الى السوق، من أموال مبيعات النفط. ولكن في السنوات الاخيرة، هبط تدفق الاموال الاجنبية الى الدولة هبط دراماتيكيا، وذلك أيضا بسبب قرار بنوك مركزية في الخليج وقف نشاطه الاقتصادي مع ايران في 2011 وكذا في ضوء انخفاض بنحو 50 في المائة في تصدير النفط منذ فرضت العقوبات من جانب الدول الغربية. ومسؤول عن هذا الوضع قراران مبدئيان لدى الغرب: قرار إدارة اوباما في بداية السنة باتخاذ اجراءات ضد كل دولة، هيئة، شركة أو مؤسسة تخرق العقوبات على الاقتصاد الايراني وقرار الاتحاد الاوروبي في حزيران من هذا العام وقف استيراد النفط من ايران. وطالما نجحت في تصدير 2.3 – 2.5 مليون برميل نفط في اليوم (قبل نحو سنة وشهرين)، بقيت قيمة الريال على حالها الى هذا الحد أو ذاك (رغم أن القيمة بقيت على حالها قبل ذلك ايضا). ولكن منذ أن بلغ التصدير نحو 1.2 مليون برميل في اليوم – في الصناعة التي تشكل مصدر الدخل المركزي والهام في الدولة، انخفض ايضا عرض الدولارات وهبطت قيمة الريال. في غضون نحو سنة فقدت العملة المحلية نحو 80 في المائة من قيمتها. ورافقت ذلك ظواهر اخرى: تضخم مالي مفزع وغلاء للمنتجات الغذائية الاساسية (الدجاج، اللحوم وغيرها). وادعى خبراء دوليون في الاقتصاد الايراني أمس في مقابلات مع وسائل الاعلام الدولية بان عائلة ايرانية متوسطة لا يمكنها أن تسمح لنفسها بتناول اللحوم أكثر من مرة واحدة في الاسبوع – وليس المقصود العائلات الفقيرة بل الطبقة الوسطى. وينطبق الامر على الطيور ايضا. وتحولت منتجات الحليب هي الاخرى الى ترف والجمهور يفقد ثقته بالحكومة. وادعى ذات الخبراء بان عدد الافلاسات للاعمال التجارية ازداد ثلاثة اضعاف مقارنة مع الوضع قبل نحو سنتين – ولهذا المعطى مغزى فوري على حياة معظم السكان: 40 في المائة من الرجال في المدن الكبرى فقدوا منذئذ مكان عملهم. هذه أنباء سيئة للمواطن الايراني العادي، ولكن ليس أقل من ذلك للنظام نفسه، وحاليا يبدو أن ليس لدى المسؤولين اي حل. استمرار تدفق المليارات نحو المشروع النووي من جهة ولنظام بشار الاسد من الجهة الاخرى، لا بد لا يساعد في حل الازمة الاقتصادية والمتضررون المركزيون من ضعف الاقتصاد الايراني هم عمليا الحرس الثوري أنفسهم بسبب استثماراتهم الهائلة في كل مجال في الاقتصاد. وقد أجاد في صياغة ذلك موقع الاخبار في قناة العربية أمس الذي ادعى بان صاروخا جديدا يهدد بصابة نظام آيات الله في ايران: ليس الزلزال أو بدر أو شهاب، بل الريال، الذي يخلق اضطرابا في بلاد وفيرة الثورات.