خبر : أنبوبان للشعبين/بقلم: عميره هاس/هآرتس 23/9/2012

الإثنين 24 سبتمبر 2012 10:38 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أنبوبان للشعبين/بقلم: عميره هاس/هآرتس 23/9/2012



بدأ الخريف يعيد الحُمرة الى وجنات موظفي مصلحة المياه الفلسطينية. كلما قصرت الايام وبردت هكذا سيشعر الناس بقدر أقل بالنقص العضال بالمياه في المناطق المختلفة من الضفة. لا مزيد من المكالمات من المواطنين الغاضبين الى الاذاعة وفروع المصلحة. لا مزيد من المظاهرات، اغلاق الطرقات، اشعال اطارات السيارات واتهام رجال مصلحة المياه بالاهمال والتقصير، مثلما كان هذا الصيف، ولا سيما في محافظة الخليل. ولكن في مصلحة المياه الفلسطينية يعرفون بانه في الصيف القادم ستكرر مشاهد الغضب نفسها، لانها عاجز عن تنفيذ الخطة التي كان يمكن لها أن تخفف فورا من الضائقة. فالادارة المدنية لا تسمح لها بتمديد مقطع انبوب جديد على هامش طريق 60، بطول أقل من 2كم، من مخرج قرية بيت أمر وحتى مدخل حلحول.  أكثر من 600 ألف فلسطيني يعيشون في محافظة جنوب الضفة الغربية. كمية المياه السنوية التي تزود بها المحافظة هي نحو 20 مليون متر مكعب. في حساب للفرد – نحو 90 لتر لليوم فقط. نحو ربع الكمية يضيع لاسباب سنقف عليها لاحقا، وبالمتوسط يتبقى لكل مقيم نحو 67 لتر، فيما أن منظمة الصحة العالمية تقرر بان الحد الادنى اليومي للفرد يجب أن يكون 100 لتر. وحتى بدون حساب الكمية الضائعة، فان المحافظة تحتاج الى نحو 13 مليون متر مكعب اضافي في السنة لتلبية الطلب على الاستخدام المنزلي (لا يتضمن هذا الزراعة).  من أيار حتى تشرين الاول يخضع  السكان لنظام تقنين المياه، كانت ذروته في الاشهر الاكثر حرارة. وتوفر المجالس الماء على التوالي لاحياء مختلفة من المدن، البلدات والقرى. وتوجد أحياء تصل فيها المياه الى الصنابير في المنازل مرة في الاسبوع، وحتى هذا أيضا لبضع ساعات فقط. في احياء اخرى – مرتين في الشهر، مرة في الشهر واقل. على سطح كل منزل توجد خزانات مياه سوداء: في المرات القليلة التي يسمع فيها صوت تدفق المياه في الانابيب – حتى وإن كان هذا في منتصف الليل – تسارع العائلات الى ملء الاواني. المناسبات العائلية، استضافة الاصدقاء، تنظيف البيت، الغسيل – كل شيء يتقرر حسب يوم تدفق المياه. ولما كان التيار ضعيفا، فان الكثيرين يشترون محركات بيتية كهربائية لرفع المياه الى السطح. الكهرباء التي تستهلكها المحركات تثقل على النفقات الشهرية لكل عائلة. وفاتورة الكهرباء لبلدية حلحول يضاف اليها في الصيف 30 ألف شيكل كل شهر – دفعة على تفعيل المحركات التي ترفع المياه الى الاماكن العالية. أما السكان في الخليل فلا يريدون ان يسمعوا عن انجازات سلطة المياه الفلسطينية (حفر آبار جديدة في الخزان الجوفي الجبلي الشرقي – الذي هو الوحيد الذي يسمح اتفاق اوسلو للفلسطينيين الحفر فيه؛ اقامة خزان مياه كبير في حلحول يمكن أن يحتوي على 25 الف متر مكعب؛ ربط الاحياء السكنية بشبكة المياه وتغيير انبوب قديم ومتعفن). كما أنهم تعبوا من "التفسير بان هذا بسبب الاحتلال"، كما قيل الاسبوع الماضي في اجتماع ضم نحو مائتي مندوب للجمهور مع بعض مديري مصلحة المياه. الناس يطالبون بحلول جذرية، ولا يريدون أن يسمعوا عن التوريد الطارىء الدائم من خلال ناقلات مياه مسموح بها من مصلحة المياه وبرقابتها. وكل يوم، نحو أربعمائة شاحنة تملأ حاوياتها بالماء في نقاط تعبئة مركزية مفتوحة 24 ساعة في اليوم وتورد المياه أولا للمستشفيات، المصانع، المدارس، المباني العامة وغيرها، وفقط بعد ذلك الى المنازل، بتواتر متغير. وبسبب النقل، يرتفع اسعار المياه بضعفين على الاقل. مصلحة المياه الفلسطينية تدعم ماليا نصف الكلفة.  نحو نصف كمية المياه الموردة الى محافظة الخليل مصدرها ينابيع وآبار جديدة وقديمة بسيطرة السلطة الفلسطينية. النصف الثاني تشتريه من الشركة الاسرائيلية "مكوروت". اكثر من ثلث الكمية التي تشترى من "مكوروت" – نحو 10 متر مكعب في اليوم – يضخ من محطة النهل دير الشاعر (مفترق عصيون) في انبوب طوله نحو 11كم.  نحو نصف المياه التي تمر في هذا الانبوب يضع، هكذا تكشف الفواتير الشهرية من "مكوروت". ويدفع الفلسطينيون عن الكمية التي سجلها جهاز القياس في المحطة الاصلية، تحسم منها كمية المياه التي تورد بذات الانبوب الى مستوطنة كرميه تسور (نحو مائة متر مكعب في اليوم). ولكن التسجيل المتراكم لاجهزة قياس المياه الداخلية في الاحياء الفلسطينية يبين أن الكمية التي تباع عمليا الى السكان الفلسطينيين اقل بكثير.  اسباب الفارق وضياع المياه تتعلق مباشرة بالانبوب. في مصلحة المياه خططوا لاستبداله في 2008، ووافقت وكالة المساعدات الامريكية الحكومية يو.اس.ايد على توفير التمويل لذلك. شركة هندسية امريكية MWH كتبت في وصف المشروع فقالت: "انبوب المياه الرئيس القائم بقطر 12 انش، مدد في 1972 (من قبل السلطات الاسرائيلية ع. هـ) وهو يعاني من نسبة عالية من ضياع المياه – بين 45 في المائة و 50 في المائة، وذلك بسبب تدهور وضعه، الروابط الكثيرة غير القانونية، بناء سيء وتمديد مخلول. الانبوب ممدد قريبا جدا من سطح الارض. بعض المقاطع تمر تحت احياء سكنية وأرض زراعية. هذا الوضع يشجع سرقة المياه (للري الزراعي أساسا)، يجعل الصيانة صعبة، يرفع كلفتها ويعقدها. جودة المياه بدأت تكون غير مؤكدة".  وقرر مهندسو مصلحة المياه والشركة الامريكية بان الخط الجديد – الذي لن يدفن بين الكروم والحقول بل سيمر على هامش الطريق – سيجعل من الصعب الارتباط به بشكل غير قانوني. انبوب جديد وواسع أكثر سيقلص التسريب ويضمن جودة المياه. ووافقت "مكوروت" على أن تزيد في اشهر الصيف بنحو 5 الاف متر مكعب في اليوم كمية المياه التي تبيعها الى المصلحة في منطقة الخليل.  الادارة المدنية تعارض يقضي اتفاق اوسلو بان مشاريع التنمية في مجال المياه والمجاري تحتاج الى موافقة "لجنة المياه المشتركة" الاسرائيلية – الفلسطينية. وبالفعل، في آب 2010 صادقت اللجنة على المشروع. ولان الانبوب يوجد في المنطقة ج، نقل مشروع الخط الى اقرار الادارة المدنية. ورفعت رسائل، تفصيلات، وكانت لقاءات وجولات في المكان في ساعات الصباح المبكر مع ضباط مختلفين من الادارة المدنية. وحسب انطباع الفلسطينيين، فان بعضا من الضباط وافقوا على اجزاء معينة من الخط المقترح، وآخرون عارضوا. وتنازل الفلسطينيون لهم ووافقوا على تغيير نحو 9كم من الخط وتمديد الانبوب على طول طريق زراعي قائم. وشرح أحد المهندسين فقال: "مهم لنا ألا يلحق تمديد الانبوب الضرر بالكروم والاشجار". ولكن يبقى 1.9كم من الانبوب – بدءً من بيت أمر حتى مدخل حلحول الشمالي – واذا لم يرغبوا في أن يُهدم منزلين وتخرب كروم تخريبا شاملا، فيجب تمديده في قناة (يتم تغطيتها) على هامش طريق 60. في الادارة المدنية لم يوافقوا.  وفهم الفريق الفلسطيني بان مسؤولين كبار في الادارة المدنية غير مستعدين لتشويش حركة المسافرين اليهود في فترة العمل. اما السكان الفلسطينيون فمستعدون لان يعانوا لبضعة اشهر من الانزعاج، على أن يتحسن توريد المياه لهم. ووعد المهندسون الفلسطينيون بان يتم العمل في الليل أيضا، في ايام السبت والاعياد، واشاروا الى أنه توجد خطة مقبولة لترتيب حركة السير في مثل هذه الحالات. ولكن "ماذا سيحصل عند تجديد التزفيت للطرق؟ أفلا تتشوش الحركة؟" هكذا سألوا في الادارة المدنية، التي بقيت مصرة على رفضها. انبوب في منتصف الشارع مثل كل الاحياء في الخليل، تورد المياه لحارة جابر في المدينة، حيث يعيش بضع مئات من السكان، مرة واحدة فقط كل بضعة أسابيع. الحارة، هي جزء من المنطقة تحت السيطرة الاسرائيلية اتش 2. في بعض المنازل اغلقت أبواب رئيسة ونوافذ، وكذا أزقة بمكعبات الاسمنت. وفقط للسيارات الاسرائيلية مسموح السير في الحارة. اما الفلسطينيين فمحظور عليهم ذلك. النساء الحوامل والشيوخ الذين يجدون صعوبة في السير يفكرون مرتين قبل أن يخرجوا من بيوتهم، ولا سيما في ايام الحر. وبسبب المنع لا تظهر في الحارة شاحنات النجدة، التي تنقل المياه الى المنازل التي نفدت من خزاناتها المياه. ولحسن الحظ توجد آبار لجمع مياه المطر في العديد من المنازل القديمة. وعند الحاجة فان من لديه بئر يوزع الماء على جيرانه. في صباح 26 آب لم يفهم سكان الحارة معنى مقاطع الانابيب ومكعبات الاسمنت التي وضعت قرب منازلهم في الزقاق الذي يهبط نحو استحكام الحراسة للشرطة وحرس الحدود.  وفي الغداة جاءت الى المكان جرافة اسرائيلية بمرافقة عسكرية وبدأت تعمل على الحفر في الزقاق الضيق. ولم يبلغ احد من سكان الحارة او بلدية الخليل مسبقا بهدف هذه الاشغال. فتجمع السكان ومنعوا الجرافة من مواصلة العمل التي كان سائقها عربيا فدعوه الى عدم التعاون مع اليهود. وفي اليوم الثالث جاءت جرافة مع سائق يهودي. فعاد السكان للتظاهر ومنعوه من التقدم.  وروى احد السكان لـ "هآرتس" بان مندوب الادارة المدنية قال للمتظاهرين بان الهدف هو تغيير الانبوب التحت ارضي الذي يزود بالمياه مستوطني الخليل القديمة. رجل الادارة قال ان الانبوب سيمدد فوق الارض كي يمنع الناس من سرقة المياه بالربط بالانبوب القديم بشكل غير قانوني. واجزاء منه مددت في هامش الطريق الضيق، على مقربة من منازل الحارة الفلسطينية – التي بعضها مهجور وبعضها مسكون.  وجاء من مكتب منسق شؤون المناطق بان "قرار تغيير الانبوب التحت ارضي بانبوب فوق أرضي يوجد الان قيد الدراسة لدى محكمة العدل العليا التي لم تتخذ قرارها بعد. وتتجه النية الى تغيير الانبوب الذي يورد المياه للسكان اليهود في الخليل وذلك تحسبا لسرقة المياه من قبل الفلسطينيين. وجاء تخطيط تمديد الانبوب على سطح الارض في معظمه ولكن في كل مكان يمر فيه الانبوب عند مداخل البيوت سيدفن تحت الارض بحيث لا يسبب ازعاجا لنسيج حياة الفلسطينيين. لا حاجة الى إذن اللجنة المشتركة لان الخط الفوقي يمر في مسار الانبوب التحت ارضي وبالتالي لا تغيير للمسار القائمة".