خبر : رسالة مفتوحة إلى الإخوة في حركة حماس..عصام يونس

السبت 22 سبتمبر 2012 07:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
رسالة مفتوحة إلى الإخوة في حركة حماس..عصام يونس



كنت وسأبقى مدافعاً عن حق حركة حماس بأن تحكم في ظل ظروف طبيعية رافضاً وبشكل مطلق إزدواجية المعايير التي يتبناها المجتمع الدولي تجاه الحركة وما يفرضه من حصار مالي وسياسي جائر، عقابا لها، وهي التي حصدت الأغلبية في انتخابات حرة ونزيهة مشهود لها.  إن حركة حماس جزء أصيل من النظام السياسي، وهي ضرورة وطنية بما قدمته ولم تزل وبما لها من قبول وحضور فاعل في أوساط شعبها، ويبقى وجودها معافاة مصلحة لنا جميعاً. من هذا المنطلق فإن قول كلمة الحق هو فرض علينا وواجب أخلاقي وضرورة سياسية ولها منا أن نقول رأينا ولها أن تأخذ به، وهو ما نأمله، أو تخالفه.  ان حركة حماس والحكومة في غزة ليستا شأن من ينتمي اليهما فقط بل هما ملك لنا أيضا، نحن المواطنون، ولنا الحق في الحرص عليها وانتقادها وتوجيهها ضاق صدر أعضائها أو بعضهم أم اتسع. لست بصدد الحديث عن الإنجازات أو الإخفاقات للحكومة في غزة فهي لها مالها وعليها ما عليها. أقول وأنا مرتاح العقل والوجدان بأن صمود الحركة وأهل غزة في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة والاستهداف المنظم طوال هذه السنوات، يستحق التقدير، مدركاً في الوقت نفسه الأثمان الباهظة التي دفعها الجميع وليس الحركة فقط كماً ونوعاً، شهداء ودمار هائل ، لممتلكات عامة وخاصة، وحصار ومعاناة. تربطني صداقات وعلاقات طيبة قائمة على احترام متبادل بيني وبين كثيرين في الحركة وفي الحكومة، وما هو وارد في المقال قد سمعوه مني مرارا ليس من موقع الخصم السياسي بل من واقع المواطن المسكون بالهم الوطني وبهموم أفراد مجتمعه، وبأمل يحذوني في تقديم نموذج، تستحق الحركة أن تقدمه، في الحكم الصالح واحترام الحقوق والحريات. هذا العام أتيحت لي الفرصة مرتان أن التقي الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مع عدد من المثقفين، في القاهرة. وقد سعدت جدا بلقاء الرجل وما أسمعنا من حديث في السياسة. وأشهد بأن الرجل هو من فئة القادة الوطنيين لا الفصائليين. وقد سمع الرجل منا ما هو واجب علينا قوله، وأعيد ما قلته ظناً مني أنه مهم ويشكل عناوين مفتاحية لتناول واقع الحال على الأقل في الجزء المتعلق بإدارة غزة. منذ أن فازت حركة حماس بالأغلبية في الانتخابات العامة وشكلت الحكومة العاشرة عوقبت ومعها سكان غزة، على ذنب لم تقترفه، ألا وهو أن نتائج الانتخابات لم تكن على مقاس من أعطى الضوء الأخضر لها وسهل إجرائها. وفرض الاحتلال ومن خلفه المجتمع الدولي حصاراً جائراً وغير مسبوق على القطاع، طال بتأثيراته ودينامياته الكارثية مختلف مناحي حياة الفلسطينيين.  ومنذ أن سيطرت حركة حماس على القطاع في العام 2007، إزدادت وطأة الحصار واستطاعت الحكومة ومن قبلها وبعدها حركة حماس أن تدير غزة في ظل ظروف بالغة التعقيد والصعوبة خصوصاً في ظل امتناع جزء مهم من العاملين في الخدمة المدنية والأجهزة الأمنية عن العمل أو إقصاء آخرين منهم من قبل الحكومة نفسها. النتيجة "المشكلة" لحصاد سنوات من الحكم في غزة، هي أن حركة حماس لم تستطع حتى اللحظة انجاز متطلبات مغادرة مربع الحركة باتجاه الدولة، وبقيت الحكومة تدار إلى حد كبير بعقلية الحركة إن لم تكن تدار من قبل الحركة نفسها وليس فقط بعقليتها. وإدارة حركة وقيادة تنظيم تختلف في الجوهر والأدوات عن إدارة مجتمع، فما هو صالح في حركة تعمل في ظروف من العمل السري أو شبه العلني وتخضع لآليات من صنع القرار يقبلها اعضائها، وهو حق لها ولهم، في إدارة شؤون حركتهم ومؤسساتها هو بالضرورة لايصلح لإدارة الشأن العام ومتطلبات الحكم. إن أساس العلاقة بين الدولة (الحكومة) ومواطنيها يقوم على العقد الاجتماعي وأختصر جوهره بأن ولي الأمر له السمع والطاعة وعليه واجب حماية حقوق مواطنيه وأعراضهم واموالهم. هذا هو جوهر العلاقة قديمها وحتى معاصرها التي وضع أسسها هوبز ولوك وروسو، وهو التوافق على قواعد يتنازل فيها الفرد عن حربته المطلقة مقابل الأمن والاستقرار والعدالة والنصفة وهو ما ينطوي على التمايز بين الدولة والمجتمع كمتعاقدين أحرار بإقرار الحقوق الأساسية للمواطنين وتحقيق العدالة، باعتبار قيام السلطة (الحكومة) هو نتاج لهذا العقد وهو تنازل (توافق) متبادل بين السلطة والفرد وهو ما ينطوي على خضوع الإرادة الحرة إلي الإرادة العامة. خضعت إدارة الشان العام في غزة من الناحية الموضوعية: إلى ديناميات الشروط والظروف الظالمة التي تم فرضها لإغراق حركة حماس في حكم غزة على طريق رفع الرايات البيضاء تأـكيداً على فشل متوقع في إدارة غزة. ومن الناحية الذاتية: إلى خطاب تمثل في الإصرار على لعب دور الضحية وعلى التوظيف النفعي السياسي لحقيقة ما لحق بالحركة من حرمان، أفراداً وجماعة، من حق أصيل لهم في الحكم وتولي الوظائف العامة في مرحلة ماقبل سيطرتها على غزة، مضافاً إليه خطاب استحضار الأعداء، وهم كثر، عند الفشل في تقديم النموذج، فالنجاح لنا والفشل لغيرنا.  كل ذلك، ودون الخوض في تفاصيله، أسس وهو في طريقه إلى استكمال حالة من "دولة الحزب" أو "حزب الدولة" والتي تتماهي فيها الحركة مع الدولة والدولة مع الحركة، وهو ما يؤسس البنى التحتية والقواعد الأساسية "للنظام الشمولي" الذي يعظّم من شأن الجماعة أو بعض الجماعة أو بعض بعض الجماعة على حساب المواطنين. المشكلة أن ديناميات الحكم بهذه الطريقة تدفع الأمور في غير اتجاه النوايا والرغبات، لأن تراكم القوة واستحواذ السلطة مضافاً إليه الشرعية الحقيقية أحياناً والشرعية المزعومة في أحيان أخرى يدفع من الناحية الموضوعية نحو ذلك الاتجاه الخطير ليس على المجتمع فقط بل على الحركة نفسها، وهو نوع من تدمير الذات الذي يحتاج إلى وقفة جادة وحقيقية من قبل الحركة. عندما قررت كتابة هذا المقال تذكرت مقالاً هاماً وقديماً سبق لي الاطلاع عليه للأستاذ فهمي هويدي وبقي عالقا في ذاكرتي نشرته جريدة الشروق المصرية في 4 فبراير، 2009، بعنوان "مشكلة حماس" حيث يقول: "المشكلة الكبرى التي تواجه حماس في مسيرتها السياسية أنها رغم أنها طورت أفكارها وأصبحت أكثر التصاقا بالعمل الوطنى، فلم تتخلص بعد من إطار وثقافة الفصيل". وكان يشير إلى عدم نجاح الحركة في تحالفاتها مع القوى الوطنية الفلسطينية لتتبنى مشروع الدولة. وما ينطبق على السياسة وإدارة التحالفات يمكن أن ينسحب على تجربة الحكم وإدارة الشأن العام في غزة. إن أساس العقد الاجتماعي هو المسئولية العامة للدولة تجاه مواطنيها باعتبارهم مواطنين أصيلين لا رعايا، مهما كان اختلافهم لوناً أو رأياً سياسياً أو مكانة اجتماعية أو اعتقاداً، فالحزب المنتصر بأغلبية أصوات المواطنين وحكومته التي يشكلها هي مسئولة عن الجميع، من صوت لها ومن لم يصوت، وأولهم خصومها السياسيين والمخالفين لها في الاعتقاد أو الدين أو السلوك، في تأمين متطلبات عيشهم وأمنهم الشخصي وخضوعهم لمبدأ سيادة القانون وتوليهم الوظائف العامة والتنافس عليها وحفظ كراماتهم وحقوقهم وحرياتهم الأساسية. فهي ليست حكومة لأعضاء حزبها أو مناصريهم أو مناصري مناصريهم بل حكومة الجميع خصوماً ومناصرين، رجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين، علمانيين وإسلاميين. إضافة إلى ما تقدم، فإن الشأن العام لايدار بحسن النوايا ولا بالتطمينات، فمن حق الجميع ان يقول ما يشاء ويدعي ما يريد، ولكن ذلك لايكفي مطلقا لأن يشكل أساساً للحكم أو في استحواذه على الشرعية المطلوبة. إن الشأن العام لايدار الا من خلال التسليم بان المواطنين سواء في تلقي الخدمات وفي الحماية الاجتماعية وإعمال القانون على نحو فاعل كناظم للعلاقات في المجتمع أفراداً ومؤسسات، حكومة ومواطنين، ومن خلال فعل منظم واضح وشفاف وبإعمال حقيقي للرقابة الحقيقية على كل تلك الجهات النوط بها تنفيذ أحكام القانون (الحكومة وأجهزتها البيروقراطية التنفيذية). هذا هو منطق أي حكم قائم على العقد الاجتماعي بما يضمن حكماً صالحاً وإشراكاً للأفراد في دائرة الفعل السياسي والاجتماعي وتجنيب اقصائهم أوتغريبهم (من الغربة) في وطنهم. إن تفعيل ذلك هو تحصين للحكم وأدواته وللحزب السياسي الذي يحكم. والحكومة في غزة ليست خارج منطق التاريخ وأدواته، فحسن النوايا وحدها لاتكفي للحكم ولإدارة شؤون المواطنين ومتطلباتهم. إن المسألة الأهم فيما هو قائم من انقسام كيف يمكن تفعيل أدوات الرقابة وضمان قيام الحكومة بالوفاء بواحباتها تجاه مواطنيها؟ هل يمكن الاستمرار في إبقاء آليات المحاسبة ومرجعياتها محصورة في دوائر الحركة والتي تقيل حكومة وتشكل اخرى، وتسمي وزيرا وتقيل أخراً. فحتى المجلس التشريعي، ودون الخوض في قانونية الجلسات، بتكوينه وقوامه القائم هل يشكل في النهاية أداة حقيقية للرقابة من الناحية الموضوعية ومرة اخرى بعيدا عن حسن النوايا أوكفاءة اعضائه أو تفانيهم في خدمة الصالح العام؟ أحد أهم القضايا هي تلك التي تتعلق بالرقابة والمحاسبة فالسلطة في رام الله، وفي غياب انعقاد المجلس التشريعي وممارسته لمهامه التي انتخب من أجلها، فإنها (أي السلطة) مسائلة أمام من يمولها من أطراف المجتمع الدولي وليس أمام أي جسم آخر، حتى لحركة فتح نفسها صاحبة مشروع السلطة. وفي غزة وفي وجود مجلس تشريعي من الناحية الموضوعية من لون سياسي واحد، ومرة أخرى، بغض النظر عن الجدل حول قانونية جلساته، فإن الحكومة مسائلة فعلياً أمام أجسام الحركة نفسها لا أمام المجتمع. وفي كلا الحالتين هناك خلل خطير يؤدي إلى مزيد من التغول في المجتمع وفي التساهل مع كثير أو قليل من قضايا الفساد وسوء استخدام النفوذ وانتهاكات حقوق الانسان وحرياته الأساسية. اما فيما يتعلق بمباشرة الحكومة لمهامها في الفضاء المدني أو الأمني، فلاشك أن هناك من يقوم بالرقابة وهناك هيئات وأجسام تتولى ذلك رسمياً، ولكن في واقع الأمر فإن من يقوم بالتنفيذ ومن هو مكلف بالرقابة عليه ينتميان للجماعة السياسية نفسها، وهما من يلتقيان في نهاية اليوم كإخوة في الحركة مجتمعين في أحد أجسامها، فكيف تستقيم الرقابة وتؤدي فعلها الحقيقي في ظل عدم الاستقلالية الموضوعية بين التنفيذ والرقابة؟ إن الرقابة لا تعني مطلقاً أو تفترض بأي حال سوء النية عند من هم مكلفين بالتنفيذ، بل هي الآلية التي تضمن عدم الحيدة عن القانون وتعزيز الإجراء السليم بما يصوب الأداء ويضمن شفافيته ويشكل تحصيناً للسلطة التنفيذية وللحزب السياسي من خلفها. إن الموضوع ليس تشكيكاً في النوايا أو تشريحاً للرغبات ولكنه تناول لمآلات الصيرورة الموضوعية لطريقة الحكم في ظروف استثنائية كحالة غزة. إن المطلوب هو الخروج إلى فضاء المجتمع الأرحب والانفتاح نحو المجتمع بمحتلف تكويناته وتعبيراته السياسية والاجتماعية والتي عليها أيضاً واجب الانفتاح نحو الحكومة وهو موضوع مقالنا القادم.