خبر : يصنعون سلاما على طحينة/بقلم: عكيفا نوفيك/يديعوت 16/9/2012

الأحد 16 سبتمبر 2012 03:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
يصنعون سلاما على طحينة/بقلم: عكيفا نوفيك/يديعوت  16/9/2012



 فُتحت على مائدة المقهى علبة طحينة كبيرة ذات رائحة. صُنعت في نابلس. وقد أعلن الشريط الازرق بالعربية: "طحينة الكروان"، ويقول بالعبرية ان الطحينة يحل لليهود أكلها. وهذا غريب. ينظر مُحادثاي الى السائل الرمادي بعيون براقة وكأنهما مُدمنا سُمسم ويُبينان بجدية مطلقة ان السلام سيأتي من هذه العلبة. "ذُق وستفهم"، ويُذيقانني لكن من الواضح أن ليس الطعم هو الذي يُحمسهما. هذا هو المنتوج الاول لحركة "ايرتس شلوم" (ارض سلام) – وهم مستوطنون وفلسطينيون يحاولون صنع سلام بقواهم الذاتية. ستُنقل هذه العلبة الى ما وراء البحر وسيكون المستهلك اليهودي هناك ايضا مشاركا في مسيرة السلام الشعبية التي تبدأ في المنطقة الصناعية في نابلس. وتُباع الطحينة الطلائعية في اسرائيل ايضا في شبكات مثل "عيدن تيفع ماركت" و"حتسي حينام" (نصف مجاني). ان مشروع الطحينة ينشيء أماكن عمل في المصنع الفلسطيني الذي يتوقع ان يزيد انتاجه أضعافا، لكنه يفعل ذلك ايضا في الجانب الاسرائيلي – على هيئة مراقبي حلال من سكان المستوطنات. وهم لا يزورون المصنع لكنهم يراقبونه بآلات تصوير في دائرة مغلقة. ويعمل الآن ناس "ايرتس شلوم" في الحصول على حِل دولي وتسويق منتوجات فلسطينية متنوعة بكميات تجارية. وعندهم كما يقولون قائمة انتظار لعشرات المصانع في أنحاء يهودا والسامرة. "إن هدفنا هو ان نمنح كل مصنع يمكن فيه ذلك الاحلال"، يقول تسوريال كريسبال الذي كان في الماضي رئيس بلدية العاد وهو اليوم المدير العام لـ "ايرتس شلوم". نبي السلام من تقوع يحدث في يهودا والسامرة شيء ما تحت السطح. ان سبع سني هدوء نسبي تفعل فعلها وأصبح مستوطنون وفلسطينيون يلتقون أكثر وأكثر ويعملون معا ويحاولون في الأساس إحداث علاقات جوار واحترام متبادل في الارض المختلف فيها. وتنشأ مجموعات تعلم عبرية وعربية في كل شهر تقريبا، وتتم لقاءات حاخامين وشيوخ في اوقات متقاربة. بدأ ذلك رسميا قبل ثلاث سنين مع انشاء حركتين أصبح فيهما مئات البشر، لكن ذلك بدأ قبل سنين كثيرة. فقد بدأ الحاخام مناحيم فرومان (67)، وهو مفكر ذو سحنة نبوية وهو حاخام مستوطنة تقوع، بدأ يلتقي مع رجال دين مسلمين عن تصور ان الصراع هو في الأصل صراع بين الديانتين يجب ان يحله الحاخامون والشيوخ. وسار فرومان مسافة بعيدة جدا والتقى مع قتلة كبار كأحمد ياسين وطار له بين المستوطنين صيت أنه مجنون. ووجد من دعوا الى مقاطعته وعامله آخرون برحمة. وقد أصبح اليوم في شيخوخته قائد تيار حقيقي. أصبحت تتم لقاءات أكثر فأكثر في السنين الاخيرة وفي زيارات فرومان الاخيرة لأبو مازن أو لحاكم بيت لحم جاء على رأس حاشية. "هذه حركة تنمو من أسفل"، يُبين ناحوم بتشنيك أحد المؤسسين، وهو من سكان البؤرة الاستيطانية سديه بوعز في غوش عصيون. "أدرك ناس من الشعبين أنه لا ينبغي انتظار الساسة بل يجب مساعدتهم. ويجري على الفلسطينيين ايضا مسار اعتراف بأن المستوطنات حقيقة تامة وان الواقع لا يمكن ان ينعكس". يبدو ان بيتشنيك هو الشخص المناسب لهذه الحركة. فعيناه الزرقاوان براقتان، ولحيته نمت بلا ترتيب وحديثه تناخي شيئا ما ويظهر ويُسمع مثل نبي من عصر الهيكل الثاني. "نتحدث عن معرفة الفلسطينيين لأننا نحن الذين نحيا على الارض. ان كلمة سلام هي في أساسها كلمة عميقة ذات معنى لكنها أصبحت بغيضة ومبتذلة ومقتسرة، فأنا أفضل الحديث عن جوار طيب واحترام متبادل". ان بتشنيك ورفاقه مثل الأب الروحي فرومان يراهم أكثر الجمهور المتدين مثل طُرفة أو ناس يبدو أنهم دخنوا الكثير جدا من العشب. وبخاصة عند جمهور المستوطنين الذين يعيشون في كل يوم الاحتكاك مع الفلسطينيين ويصعب عليهم ان يهضموا حقيقة ان يجتمع حول نبي السلام من تقوع عدد يزداد من المؤيدين. بدأ ذلك حركة باسم "يروشاليم" (القدس). وظهرت اختلافات في الرأي بين الاعضاء في مرحلة المخاض كما هي العادة بين اليهود، واعتزل بتشنيك كي يرأس حركة "ارض سلام". والآن تعمل الحركتان على التوازي في وقت يرأس فيه "يروشاليم" الشاعر المستوطن اليعاز كوهين. عملوا في البدء سرا. وحددوا لقاءات ببريد الكتروني داخلي وجعلوا موقع اللقاءات سرا. وامتنعوا عن التبرعات تقريبا كي لا يُنسبوا الى هذا الجسم السياسي أو ذاك، وهم الآن يخرجون من الخزانة ويطمحون الى توسيع الصفوف. وفي الاسابيع القريبة سيُطرح في الشبكة العنكبوتية موقع تشغيل بالعبرية والعربية يتوسط بين عمال ومقدمي خدمات اسرائيليين وفلسطينيين وبين أرباب عمل وزبائن محتملين. "الهدف هو انتاج أكبر عدد من اماكن العمل تتعلق بالسلام"، يقول تسوريال. "قال لنا رئيس مجلس الدراسات العليا الفلسطيني منذ وقت غير بعيد انه يوجد 16 ألف مهندس برمجة فلسطيني عاطل عن العمل وإن من يعمل يؤجر ألفي شيكل كل شهر". هناك مشروع آخر يسمى "كل البلد لغة واحدة"، ويشتمل على دروس عبرية وعربية في الوسطين. وتُعطى الدروس في الأساس في مكاتب الحركة القريبة من باب يافا في القدس، ومعلم العربية هو اليسع، وهو خريج وحدة منتقاة في الجيش الاسرائيلي وهو من سكان مستوطنة بات عاين. ويحاول ناس "ايرتس شلوم" كما يحسن بحركة سلام متفائلة ان ينظموا مسابقة غناء تحاول التعرف على مواهب شابة من الجانبين في مجال الغناء الشرقي. وفي الجانب العملي ستُزرع في الاسابيع القريبة خضراوات اولى في مزرعة عضوية جديدة في جبال يهودا. وسيعمل اليهود والعرب فيها معا ويوزعون الانتاج الزراعي على المحتاجين من الجانبين. "يقول لي الناس ان ما نفعله هو تعريض النفس للخطر"، يقول بتشنيك. "وأُجيبهم أنه حينما انشأ والدي كريات اربع كان ذلك ايضا تعريض النفوس للخطر. ان نشاطنا يغير اشياء على الارض. ومن بين 250 عربيا تلقوا منا حلويات على مفترقات الطرق في عيد الفطر الاخير، لم يرفض سوى واحد فقط". في المساء الذي وزعت فيه تلك الحلويات بالمناسبة رُميت سيارة أجرة فلسطينية بزجاجة حارقة غير بعيد عن مفترض غوش عصيون حيث كان يقف النشطاء. ويقول تسوريال: "نحن نعارض اولئك المجانين خاصة".  كم، كم؟ ان حركات السلام الشعبية لمتابعي نهج الحاخام فرومان فيها اليوم بضع عشرات من النشطاء الدائمين ومئات آخرون من مؤيدي المباديء، ومؤيدي الفيس بوك، وفي الجانب الفلسطيني ايضا بضع عشرات من النشطاء مع تأييد معلن أقل كثيرا، وليس هذا عجيبا. فاذا كان المستوطنون الذين يشغلون أنفسهم بهذا يحظون بالسخرية والاحتقار فان الفلسطينيين يعرضون حياتهم للخطر حقا. ويقول لنا محمود من بيت لحم بالهاتف: "ليس حسنا ان تشايع أمورا كهذه". "من قال رسميا انه يؤيد الحديث الى المستوطنين لن يحدث له خير، لكنك اذا سألت حقا فان الاحتمال الوحيد هو السلام بين الناس. يجب ان يتحدث الشيوخ الى الشيوخ والاولاد الى الاولاد والنساء الى النساء. ويوجد أجزاء كبيرة من الجمهور الفلسطيني مستعدون للسلام لكن يجب كي يحدث هذا ان يوجد حوار هنا ولهذا اؤيد هذه الحركة". ان حالة صديقه س. وهو مخرب من حماس أُفرج عنه تجرأ على التعبير عن مشايعة مباديء الحركة تُجسد الخطر جيدا، فقد أُجري لقاء في المدة الاخيرة مع س. مع صحيفة "مكور ريشون" (مصدر أول)، وعلى أثر المقابلة تلقى تهديدات على حياته ولم يعد يتجرأ اليوم على الكلام. "مكثت 12 سنة في السجن الاسرائيلي وكنت من أبرز نشطاء منظمة حماس"، قال للمراسلة يفعات آرليخ وأشار الى انه كان مشاركا في أحداث قتل ايضا. "اخطأت وأنا آسف لأنني أحدثت ضررا. وقد حدث التغيير في السجن. فكرت في نفسي وفيما أفعل والى أين أتجه. وفي ذات يوم دخل سجين اسمه صدقي زرو وحدثني بفخر أنه قتل الطفلة شلهيفت باس في الخليل. وسألته أهو فخور بما فعل فأجاب "اجل ولمَ لا؟". "هذا الجواب أثار قشعريرتي. وفكرت أأنا مثل هذا الغول الذي يفخر بقتل طفلة عمرها بضعة اشهر؟ وخلصت الى استنتاج أنني لا أريد ان أعيش مع هؤلاء الناس، وفكرت في أننا نعيش هنا وأنتم ايضا تعيشون هنا وليس للجميع ارض اخرى. وهكذا بدأ التغيير". ان س. الآن رجل تربية وهو يدرس جيرانه العبرية باعتبار ذلك جزءا من نشاط "ايرتس شلوم" ويحاول ان يجند مؤيدين من الجانب الفلسطيني. ويقول: "يصعب ان نجد، فالناس يخافون. لأن من يلتقي مع اليهود يعرض نفسه لخطر ان يقولوا عنه انه متعاون. وهذا مخيف. وقد رأوا صورتي في واحد من اللقاءات في فيس بوك وقالوا لي: "سنقتلك". وأوضحت أنني مررت هناك بالصدفة. ان شخصا مثلي لا يعمل في السلطة الفلسطينية يفضل ان يفعل هذا سرا لأنه قد يجد نفسه ذات يوم فوق عمود كهرباء، وهذا يحدث كثيرا". بسبب حالات كحالة س.، جاءت قبل نحو من شهر مجموعة نشطاء الى مكتب أبو مازن في المقاطعة في قلب رام الله. وطلبوا اليه ان يخفف الضغط عن فلسطينيين يخشون تأييدهم، لكنهم لم يتلقوا أجوبة واضحة. "لنا صديق من الخليل مكث 6 سنوات في السجن الاسرائيلي وهو الآن يؤيدنا"، يقول بتشنيك. "كشف شخص ما عن هذا ومكث بضعة ايام في سجن السلطة في زنزانة السجناء الخطيرين". تحت سلطة فلسطينية "ان فتيانا عربا يفعلون بي هذا"، يعلن الشاعر اليعاز كوهين (40) في واحدة من قصائده. يبدو ان العرب على نحو عام يفعلون هذا بالشاعر المتحرش من سكان كفار عصيون وعضو اجتماع مجلس "يشع" الذي يرأس حركة السلام الأصلية "يروشاليم". وكوهين بعكس "ايرتس شالوم" يفضل العمل في هدوء مع 15 من رفاق دربه. "تقول الفكرة انه يوجد هنا تفكير من جديد"، يقول. "لسنا أصحاب الارض ولا العرب ايضا بل الله. ونحن جميعا ننتمي اليها". يشتغل كوهين ورفاقه بالحصول على رخص دخول الى اسرائيل من اجل فلسطينيين يحتاجون الى ذلك ويلتقون مع مدنيين عربا ويحضرون مآتم للجانبين ويساعدون الآن أقرباء المصابين من نحالين (عملية الزجاجة الحارقة) على الوصول الى القدس لزيارة الجرحى في المستشفيات. "هذا عمل مهم لا مثيل له"، يُبين. "ان واحدا من اخوة الجرحى مثلا يمنعه "الشباك" ولا يستطيع الدخول لزيارة أخيه".هل يمنعه "الشباك"، اذا هو مخرب؟ "من السهل ان تصم الناس. فقد يكون شخصا رمى حجرا في الانتفاضة الاولى أو شخصا غضب عليه أحد المتعاونين في قريته وقرر ان يُحرقه. نحن اعضاء في حلقات يجلس فيها يساريون ويمينيون وعرب ونحاول ان نصوغ خطط سلام عملية. وكل من نلتقيهم يحتقرون ببساطة فكرة الدولتين والفصل الذي يصاحبها. فلا يوجد لهذا أي أساس على الارض. ما الذي تقترحه اذا؟ "نحن نؤيد الاشتراك في الارض لا تقسيمها. يجب ان توجد الارض بلا حدود فيحدث نقض تدريجي لجدار الفصل وحرية تنقل مطلقة وعملة واحدة للجميع، ويوجد بيننا ايضا من يطمحون الى نموذج ضم – تجنيس لعرب الضفة". ألا يوجد هنا تهديد للأكثرية اليهودية في الدولة؟ "أنا أقول ان جميع نظريات الفصل هي كارثة. ولا ينبغي رفع الظلم بظلم. ولا يمكن ان يُقتلع انسان ممن ارضه كي يُرفع ظلم بذلك. ستقوم فلسطين الى جانب دولة اسرائيل، ويستطيع كل من يريد السكن فيها ان يفعل ذلك بحسب قوانين هجرة. ويختار كل واحد لأيهما يخضع. أنا مثلا باعتباري من سكان كفار عصيون سأكون خاضعا من جهة بلدية لقوانين فلسطين. يجب انشاء خطاب آخر وألا يوجد وضع المفارقة حيث يشتري شيخ سعودي مرج ابن عامر ويشتري في المقابل رب مقامرة بيوتا في البلدة القديمة في القدس. ليس هذا وضعا جيدا. يجب علينا ان نكف عن الخوف بعضنا من بعض". يزعم أبناء الجيل الثاني من المستوطنات ويأملون ان يكون من الصعب وقف هذا اللحن. ويصعب ان نعلم هل تنجح جملة المحاولات هذه، لكن القدماء من غوش عصيون يحبون الحديث عن واحد من اللقاءات الاولى بين مستوطنين وفلسطينيين، وهو أمر يثبت لهم ان مجرد محاولات السلام فيه نجاح ما: ذات يوم أخذوا اولاد تقوع وقرية تقوع الى يوم استمتاع مشترك اشتمل على استحمام في بركة وألعاب رياضية مشتركة وغير ذلك، وحينما ركب جميع الفتيان الحافلة أمرهم المرشد الذي صاحبهم صدورا عن العادة بأن يغلقوا النوافذ "كي لا نصاب بالحجارة". وابتسم الفتيان العرب وسكنوا جأشه قائلين: "لا تقلق أيها المرشد. ان كل من يرمون الحجارة أصبحوا في هذه الحافلة".