الجلبة التي ألمت بالعلاقات الاسرائيلية – الامريكية من شأنها أن تضلل. ظاهرا، الازمة هي بين الدولتين، ولكن التعمق في جوهر العلاقات سيؤدي الى استنتاج مختلف تماما: الازمة هي بين رئيس الوزراء نتنياهو وبين الرئيس أوباما. وعلى نحو مفعم بالمفارقة، فان العلاقات بين الدولتين جيدة جدا، بل وممتازة. بالمقابل، فان العلاقات بين الزعيمين سيئة جدا. لا يمكن الفصل منذ البداية بين البعد الشخصي وبين البعد السياسي، مع أنه دون فصل من هذا القبيل قد ينشأ انطباع مغلوط ومضلل يمس بأمن اسرائيل شديد المساس. وحتى اذا كان مان داهو يعتقد بأنه في السياسة لا أهمية لـ "الصداقة" الشخصية بين الزعماء، والهدف هو تحقيق المصالح الحيوية لكل واحدة من الدولتين، فانه على ما يبدو لا يعمق الرؤية. ولما كان الزعيمان لا يقدمان الى المحاكمة لايجاد "المذنب" في العلاقات العكرة، فلن ندعي باننا القضاة الذين نقرر "الحكم". سنحاول وصف الواقع كما ينعكس لناظرنا جميعا. فعلاقات نتنياهو مع الادارات المختلفة في الولايات المتحدة، سواء في ولايته الاولى كرئيس للوزراء أم في الولاية الحالية هي علاقات معقدة للغاية. لب الازمة هو عدم الثقة المذهل بين نتنياهو والرئيسين كلينتون واوباما. البروفيسور ابراهام بن تسفي، الخبير في الشؤون الامريكية الذي بحث ونشر كتابا ممتازا عن العلاقات بين الدولتين إدعى أنه في فترة ولاية ادارة كلينتون، تميزت العلاقات الاسرائيلية – الامريكية بالاشتباه والشك في أوساط الادارة الامريكية تجاه رئيس الوزراء. وقد اشتدت هذه الاحاسيس ووصلت حتى الشك الشديد بمصداقية وصدق السيد نتنياهو، ولا سيما في كل ما يتعلق بتقدم المسيرة السلمية. لشدة العجب، في حينه واليوم أيضا، يشتبه بنتنياهو بعقد تحالفات سياسية مع المنافسين السياسيين للادارة الديمقراطية. في نظر الادارات، بما في ذلك ادارة اوباما، يعد نشاط السيد نتنياهو كتدخل في الانتخابات الداخلية في الولايات المتحدة. وكان الغضب عليه، ولا يزال، عنصرا أساس في موقف الرئيس منه. في فترة كلينتون اتخذت "اجراءات عقابية" على انواعها، بلغت ذروتها في رفض الرئيس اللقاء مع نتنياهو. صحيح أنه في سياق الزمن تحسنت العلاقات، ولكن المخاوف بقيت على حالها. كل هذا لم يثقل على التعاون الاستراتيجي المثمر جدا بين الدولتين، ومع ذلك فان اسرائيل لم تتضرر أمنيا واقتصاديا. اختبرت ادارة اوباما تجارب مشابهة. ثمة في اسرائيل ميل للنظر الى اوباما كعدو مرير يحاول المس بالمصالح الامنية والاستراتيجية الحيوية. هذه فكرة تبسيطية لا تنجح في اختبار الواقع. مواقع رئيس الوزراء شرعية تماما، حتى لو لم يكن عليها اجماع واسع في اسرائيل او في الولايات المتحدة. وحتى السفير الامريكي دان شبيرو عاد وادعى في مقابلة في القناة 2 بان اسرائيل من حقها أن تعمل كما ترى مناسبا. ولن يكون تقديرا مدحوضا اذا ادعينا بان غضب ادارة اوباما ليس نتيجة مواقف متعارضة، بل نتيجة تصريحات علنية تحرج الرئيس الذي يوجد في أثناء الانتخابات. أحاسيس مقربي الرئيس تؤدي الى الاستنتاج بانه في نظر اوباما نتنياهو مرة اخرى يبذل جهودا للتدخل في ما يجري في حملة الانتخابات. فزيارة المرشح الجمهوري ميت رومني في اسرائيل، وتصريحاته غير المسؤولة التي نسقت، أغلب الظن مع صديقه نتنياهو، أخرجت ادارة اوباما عن طورها. من يعتقد أن هكذا يمكن تحسين العلاقات والتنسيق في الموضوع الايراني فانه مخطيء. من الشرعي مطالبة اوباما برسم خطوط حمراء بالنسبة لهجوم عسكري في ايران. وستكون مفاجأة كبرى اذا ما استجاب اوباما بهذا الطلب علنا. هذه أمور يجب أن تجري في الغرف المغلقة. في اسرائيل ايضا يعترفون بان المساعدة العسكرية الامريكية في عهد اوباما لا مثيل لها. وادارة معادية لا تفعل ذلك. يوجد للكيمياء الشخصية بين الزعيمين اهمية كبرى، ولا سيما في ضوء المخاطر التي تكمن لنا. اضافة الى ذلك محظور التمسك بالنزعة الشخصية المضخمة. المصالح متماثلة، فليتفضل الزعيمان باللقاء دون ضجيج ورنين ليعقدا صفقة. الخير فقط سيخرج من ذلك.