خبر : الوضع الراهن الاقتصادي لعباقرة اوسلو/بقلم: عميره هاس/هآرتس 9/9/2012

الأحد 09 سبتمبر 2012 02:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
الوضع الراهن الاقتصادي لعباقرة اوسلو/بقلم: عميره هاس/هآرتس  9/9/2012



 قُلت في نفسي انهم "عباقرة" حينما سدت عشرات الشاحنات وسيارات الأجرة الحركة في قلب الخليل في يوم الاربعاء الماضي احتجاجا على ارتفاع الأسعار. وتابعت القول انهم "عباقرة" حينما مررت بعد أربع ساعات في المكان نفسه وسمعت ان متظاهرين آخرين أحرقوا دمية هناك على صورة سلام فياض. وقوي استنتاجي أنهم "عباقرة" حينما استدرنا أنا وسائر السائقين في شارع القدس في البيرة راجعين الى الخلف في يوم الجمعة قُبيل منتصف الليل لأن لهبا سد الشارع عند مدخل مخيم اللاجئين الأمعري. ومرة اخرى حينما أفادت صحف يوم السبت عن احراق حاويات قمامة وموجة سطو وسرقة تحت غطاء مظاهرات يوم الجمعة في بيت لحم وبناتها، لم أستطع ألا أكرر قولي ان الاسرائيليين الذين صاغوا اتفاقات اوسلو قبل عشرين سنة تقريبا هم عباقرة بحيث ضمنوا ان يتهم الفلسطينيون قيادتهم بالمسؤولية عن الازمة الاقتصادية ويتظاهرون آلافا عليها. أخذ ذعر قيادة السلطة الفلسطينية يزداد، ففي كل يوم خطب كانت ذروتها أمس في مؤتمر صحفي لمحمود عباس أعلن به "صوت فلسطين" في مطلع كل نشرة أخبار؛ ولجان وزارية جديدة تنشأ صبح مساء تعِد بأن توجد بدع تخفض الأسعار؛ ووعد آخر بلقاءات ومباحثات مع ممثلي الاحزاب والمنظمات غير الحكومية؛ وبرامج مذياع يتفهم فيها مُجرو اللقاءات ومن تُجرى معهم اللقاءات بلغة مستكبرة أبوية، يتفهمون المتظاهرين لكنهم يوبخونهم على هياجهم وتخريبهم. وحديث مع طباخ مطعم "زيت وزعتر"، يُبين فيه كيف ستساعد العودة الى وجبة الجدة التقليدية التي هي أرخص وأكثر صحة، على مواجهة الاسعار المرتفعة. يعلم كل متظاهر لم يُنه الدراسة الثانوية لأنه خرج ليساعد في الانفاق على عائلته، يعلم جيدا ان الازمة العالمية قد أصابت فلسطين ايضا التي "ليست هي دولة". وكل موالٍ لفتح يدعو فياض بصوت مبحوح قائلا: "إرحل" ويشتمه، يعلم حقيقة ان رئيس الوزراء ما كان يستطيع ان يُقدم سياسة لا يقبلها رئيس السلطة الفلسطينية الذي عينه لمنصبه. وتشعر كل معلمة أجرتها ألفا شيكل على جلدها وجلود أبناء عائلتها بالاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل وببروتوكول باريس الذي وقع عليه مسؤول فتح الكبير احمد قريع (أبو علاء). ان اتفاق الغلاف الجمركي هذا وهو مؤقت كاتفاق اوسلو والمنطقة ج، يقيد الاقتصاد الفلسطيني الى السياسة الاسرائيلية في فرض الضرائب غير المباشرة. واذا كانت هذه السياسة تثقل علينا نحن الاسرائيليين ممن لسنا في العشرية العليا، كثيرا فكيف لا تثقل أكثر من ذلك على الفلسطينيين الذين لا تقترب رواتبهم من الحد الأدنى الاسرائيلي؟. استطاعوا في اوسلو ان يكتبوا عقدا يترك لاسرائيل الموارد والسيطرة عليها وسلطات السيد ويمنحوا السلطة الفلسطينية المشكلات والمسؤولية عن حلها، بلا سلطات وبلا موارد، وهكذا جعلوا السلطة الفلسطينية سورا واقيا لحكومة اسرائيل من غضب الجمهور. فما العجب أن يتجه المتظاهرون الى العنوان الحاضر وان يتهموا السلطة بارتفاع أسعار لم تقرره هي؟ وماذا عن الاسرائيليين؟ انهم يستمتعون لاعتقادهم انه لا توجد أي صلة بين الازمة عند الفلسطينيين والاحتلال. ان الاقتصاد الفلسطيني حتى بغير الازمة العالمية وبغير فرض الضرائب غير المباشرة العالية التي يحبها نتنياهو، هو مُعوق وضعيف بسبب السيطرة الاسرائيلية. وتعالوا نذكر عددا من الحقائق لا كلها لأننا سنضطر الى الاستيلاء على الصفحة كلها من اجلها جميعا: 1- تمنع اسرائيل غزة من تصدير الانتاج الزراعي والصناعي. 2- تستغل اسرائيل قدر استطاعتها الموارد الطبيعية للضفة الغربية: الماء والمقالع والمناجم في البحر الميت والارض الزراعية والمناطق الصناعية ومواقع السياحة والتنزه. فكل زيادة اسرائيلية في الضفة الغربية هي نقصان من الفلسطينيين. 3- تسيطر اسرائيل على المجال الالكترومغناطيسي وتقيد بذلك جدوى وربحية شركات الهواتف المحمولة الفلسطينية وصناعة الهاي تيك الفلسطينية. 4- تمنع اسرائيل صيادي الأسماك في غزة من الابحار أكثر من ثلاثة أميال بحرية. 5- تنافس اسرائيل الانتاج الفلسطيني منافسة غير عادلة: فهي تدعم الماء للمزارعين الاسرائيليين ومن هم في المستوطنات منهم، بازاء تخصيص أقل قدر من ماء الشرب للفلسطينيين. وحينما تزود البيوت في الخليل وبيت لحم بماء الشرب مرة كل شهر فلا عجب من خراب حقول الخضراوات ("أتعلمين كم سعر كيلو البندورة؟ ثمانية شواقل"، قال لي متظاهرون في الخليل وكأنهم تحدثوا عن اللحم. "أتعلمين أننا كففنا عن زرع القرنبيط"، قال مزارع في حلحول وذكر في غضب القرنبيط الاسرائيلي على البسطة). 6- بسبب رفض اسرائيل ربط مجموعات فلسطينية في المنطقة ج بشبكة الماء، يتوجب على عشرات آلاف البشر ان يشتروا الماء من حاويات طوال السنة كلها. ويتوجب في الصيف على مئات الآلاف ممن تجف صنابيرهم ان يشتروا ماءا من الحاويات والنقل يجعل سعر الماء أغلى بثمانية أضعاف وأكثر من سعره على "جيرانهم" المستوطنين. فكم من حلقات الانجليزية والرياضيات تستطيع هذه العائلات الانفاق عليها لأبنائها؟ وكم تستطيع ان ترسل من البنات والبنين للدراسة في الجامعات؟. 7- تفرض اسرائيل على الفلسطينيين ان يسافروا في طرق التفافية معوجة من جيب الى جيب أو من كل مدينة الى قرى وبلدات في المحافظة. وتعالوا نفترض ان تطول المسافة الى كل غاية عشرة كيلومترات في المتوسط. فيجب ان يُضرب هذا بستة ايام في الاسبوع مرتين كل يوم على الأقل، في ثلاثين ألف سيارة (من غير ان نشمل نحوا من 100 ألف سيارة خاصة). وتُقسم الزيادة التي لا داعي لها على الكلفة بين سائقي النقل العام وبين الركاب، وبين سائقي الشاحنات وبين التجار والمشترين. فكم من العيادات تستطيع هذه الزيادة ان تنفق عليها؟ وكم تكلف دافع الضرائب الاوروبي من ملايين اليوروات؟. بحسب مكتب الاقتصاد الفلسطيني في 2010 فقط سببت السيطرة الاسرائيلية للاقتصاد الفلسطيني خسارة نحو من 6.8 مليار دولار. لكن هذا ليس سببا يدعو الى عدم الخروج للتظاهر. فالمتظاهرون الفلسطينيون يقولون ان لقيادتهم مجال عمل سياسيا واقتصاديا ما حتى في الظروف الخانقة. وهي لا تستغله لاسبابها الخاصة لكسر الوضع الراهن الذي انشأه عباقرة اوسلو.