"في الحرب مثلما في الحرب"، يقولون، كل شيء مسموح. وهم على ما يبدو محقون. ولكن الموضوع هو أن أحدا في "معاريف" ليس له حرب مع "ذي ماركر". لا مواجهة، لا مشادة ولا حتى نزاع طفيف. صحيفة نحن، شركة فيها 2.000 عامل تقريبا، أصحاب عائلات، وشيء واحد نطلبه: ان نعود الى البيت بسلام في هذه اللحظة الصعبة على سوق الصحف وعلينا أنفسنا. مشكلتنا هي مشكلة كل الصحف في اسرائيل جميعها. جميعها تخسر، جميعها ترفع عيونها الى جداول الاكسل في محاولة لفهم كيف بحق الجحيم يمكن أن ننجو من هذا الوضع. عندما نقرأ عن موجة تقليصات في صحيفة "هآرتس" وملحق "ذي ماركر"، فان قلوبنا تقف مع اخواننا هناك، إذ بعد كل شيء، في الحرب مثلما في الحرب: كلنا في نفس القارب. لا أخيار ولا أشرار، ليس هناك من له مبرر وحق وجود وصلاحية وشرعية وليس هناك من بالمقابل مصابون بالجدري. كلنا نعمل في مهنة الصحافة، كلنا نكافح في هذا البحر العاصف، في محاولة لمكافحة الامواج المتصاعدة وانقاذ معظم البحارة الذين يمكن انقاذهم من خطر الغرق. هذا ليس سرا. هذا ليس كشفا صحفيا – كلنا، بما في ذلك عاملو "ذي ماركر" نقاتل ضد ذات الجبار المتقلب ونبعث بذات رسالة النجدة لكل سفينة توجد على مقربة من المكان على أمل أن تنقذ أرواحنا. وها هو، بالمقابل، في الوقت الذي يتقلب فيه 2.000 شخص في أسرتهم في الليل، يجدون صعوبة في اغماض عيونهم، تنزل عليهم كوابيس القلق على مصيرهم، تقف صحيفة واحدة (والاصح ملحق واحد، وذلك لان "هآرتس" تتصرف بنزاهة في هذه اللحظة) واسمها "ذي ماركر" وتدعو دون هوادة باغلاق مكان عملنا، وارسالنا جميعا الى الشارع والى مكتب العمل. اللغة، بالطبع، وكأنها موضوعية، وكأنها صحفية ولكنها بعيدة عن الصحافة بعد توقيع اسرائيل على اتفاق سلام مع كل جيرانها في أثناء الشهر القريب القادم. وهم يدعون بان ليس لـ "معاريف" حق وجود تجاري في الوقت الذي وضعهم المالي سيء بقدر لا يقل، وربما أكثر، من وضع الصحيفة. وهم يدعون بان على "معاريف" أن تغلق. يمكن ذلك. ولكني أعتقد أن لا. أنا النموذج العاطفي لا أومن بالارقام او بالكلمات، أومن بالناس. شيء واحد يخفونه عن ناظر قرائهم: النفور الذي يكنوه لصاحب السيطرة في هذه الصحيفة؛ العنف الصحفي المنهاجي الذي جعلهم من صحيفة اقتصادية هامة ومقبولة الى بوق للكراهية، المطاردة المنهاجية، الثابتة، المهووسة، التي خرجت منذ زمن بعيد عن حدود الصحفية المقبولة، لاصحاب السيطرة في صحيفة "معاريف". الفرضية الاساس لمن يقف على رأس "ذي ماركر" هي أن اغلاق "معاريف" سينقذ "هآرتس". صفر لانه يفهم في الاقتصاد أقل مما يعتقد – وضع "هآرتس" سيء جدا، واغلاق "معاريف" حتى لو كان صباح غد، لن ينقذها. ربما فقط يمنحها بضحة أشهر من الرحمة الموهومة. ليس أكثر. الوضع في سوق الاعلام سيء لدرجة لا يمكن فيها أن نتصور بان ينجح أحد ما في تسلق جثة زميله لانقاذ نفسه. في هذه الازمة كلنا معا. باستثناء واحدة، كما أسلفنا: "ذي ماركر". ولكن الحقيقة يجب أن تقال وهي ان حرية الصحافة وكثرة الاراء وتنوع التحليلات والاصوات والنزاهة في التغطية بارزة بلا قياس في "معاريف" مقابل ما هو متبع في "ذي ماركر" في السنتين الاخيرتين. حرب الابادة، ان لم نقل الزعرنة الشخصية التي يديرها هذا الملحق الاقتصادي الفاخر – الذي شرفني في الماضي أن أكتب فيه عامودا – ضد أصحاب هذه الصحيفة، انزلقت نحو الهوامش البائسة للمهنة حتى المناطق التي باتت فيها الصحافة تفرغ من المضمون. صحيح أن هذه ليست الساعة الجميلة للصحافة في اسرائيل. الشماتة، التي يسارع بها شخص الى تأبين زميله، دفن أخيه والفرح بسقوط رفيقه في المهنة يعلم كل المشاهدين درسا مهما عن طبيعة الانسان وعن طبيعة الصحفي. حروب الصحف، الخصومة التجارية والمنافسة بين الناشرين هي جزء من هذا المجال الكثيف، ولكن يخيل، انه حتى وقت أخير مضى توجد لهذه الحروب قواعد: نزاهة انسانية أساسية ما، مغمسة ببعض من الرحمة والاعتراف باننا جميعنا مصنوعون من ذات النسيج الانساني الحي، وان كنا نلبس بزات مجموعات مختلفة. في الاشهر الاخيرة وأمس بالذات، اخرجت "ذي ماركر" نفسها من مجتمع الصحف الشرعية حين تآمرت على هاخرى. جسد حي ويتنفس وفخور يعيل 2.000 عائلة في اسرائيل. لقد كان هذا عملا ليس فقط غير مناسب لصحيفة، بل ليس مناسبا للانسان. وأعدكم بانه في الوقت الذي سيسير فيه عشرات عديدة من رفاقي في المهنة من بيت "هآرتس" و "ذي ماركر" كالعميان الفزعين، حتى كسرة الخبز، سأؤيدهم بالفم المليء. بالكلمة وبالصوت وبالجسد وبالمظاهرة. ليس لاني وليا عظيما، بل ببساطة لانه حتى في الحرب، سأجتهد لان أبقى انسانا.