اعتاد اليهود ان يتمنى بعضهم لبعض سنة طيبة في بدء شهر ايلول (العبري). وهي عادة لطيفة فيها أدب ورؤيا ايضا. وأنا أتمناها في ابتهاج كل سنة وفي السنة الحالية ايضا. بيد أنني في هذه السنة ألاقي مشكلة ثقة شديدة: فأنا أقول سنة طيبة ويرفض الناس التصديق. يكتفي بعضهم بهز الرأس في شك. ويرد آخرون بتذاكي، وحينما اسأل ما الذي يضايقهم أتلقى أجوبة متنوعة، من غلاء اسعار الوقود وفقدان الثقة بمكان العمل، الى الحديث عن حرب مع ايران ثم الى عنف الفتيان وسُكرهم. ويفضي كل ذلك الى نفس الاستنتاج وهو ان الأكثرية على ما يرام في هذه الاثناء وهناك من يقولون ان الحال رائعة لكن المستقبل لا يكمن فيه خير. والشعور هو شعور من يقف على شفا هاوية، فآخر شيء يريد ان يفعله هو ان يخطو خطوة واحدة الى الأمام. وُلد جزء كبير من الصعاب لاسباب موضوعية. فليست حكومة اسرائيل مذنبة في الركود الاقتصادي في العالم أو ضعف قوة الولايات المتحدة؛ وليست الصيرورات الداخلية في داخل المجتمع الاسرائيلي ايضا واقعة تحت سيطرتها دائما. ان أقل قدر مطلوبا منها هو تخفيف الضرر والسلوك بمسؤولية واتساق والايحاء بالاستقرار في فترة عدم يقين. لكن الحكومة تفعل عكس ذلك في واقع الامر. ان النضال العادل للذرة الايرانية الذي بدأ في فترات ولاية حكومات سابقة أدى دورا ايجابيا في تأخير المشروع وفرض عقوبات اقتصادية صعبة على ايران، ويوجد كما هو متوقع فرق في شعور التعجل بين اسرائيل وصديقاتها في الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة والمانيا، لكن لم تكن أية حاجة لجعل الاختلاف في الآراء خصومة شخصية بين القادة وتحويل ذلك الى ازمة دبلوماسية. فهذه الازمة سيئة لاسرائيل سواء أهاجمت ايران أم لم تهاجمها. وهي تُجدي على جهتين: المتبرعين لنتنياهو من الامريكيين الذين يأملون ان يأتي رئيس جمهوري؛ وايران بالطبع. ولم تكن هناك أية حاجة للهياج في بناء المستوطنات. ان نتنياهو ضحى بعلاقاته بحكومات اجنبية من اجل اليمين المتطرف، الامريكي والاسرائيلي. وهذه هي حال الوضع الاقتصادي. ان الركود العالمي يصاحبنا منذ 2008، وبرغم ذلك فضلت الحكومة الاحتفال. واليوم يتهم الوزراء الاحتجاج الاجتماعي بالبئر التي نشأت في الميزانية (يتهمون لكنهم ينتجون بث دعايات ينسبون فيها لأنفسهم انجازات الاحتجاج). ولد الاحتجاج في الطبقة الوسطى التي شعرت وبحق أنها تحمل أكثر العبء في حين ان الألفية العليا والحريديين والمستوطنين يتمتعون بمتع هذا البلد. ان الذي كان يجب على الحكومة ان تفعله هو ان تغير ترتيب الأفضليات وان تضبط ميزانية الدفاع وان توازن المخصصات وان ترفض مطالب اوساط مفضلة، لكنها بدل ذلك ضخمت الميزانية. وكان التلوي الأكبر الذي لا حاجة اليه في الساحة السياسية، فقد اتجه نتنياهو الى الانتخابات (ولهذا لم يعالج الاقتصاد) وندم في آخر لحظة؛ وسار مع كديما وندم؛ وهو الآن يلوح مرة اخرى بتهديد الانتخابات. في كل تلوي منطق وفي كل تعوج ضرورة وهما معا يجعلان المنظومة مجنونة. ان الناس يشكون في الوعد بسنة طيبة لأنهم يعلمون أنه حتى لو كان عندهم انتقاد للحكومة الحالية فان الحكومة التالية لن تكون أفضل منها. ان التوازن الذي نشأ هنا على مر السنين بين اليمين واليسار قد انتقض فلم يعد يوجد يسار. فحزب العمل فكاهة. فليس عنده ما يقوله عن ايران؛ وليس عنده ما يقوله عن الفلسطينيين؛ وليس عنده ما يقوله عن المستوطنات؛ وليس عنده ما يقوله عن الاتجاهات العنصرية والعنف المضاد للديمقراطية. فهو إهانة لناخبيه. ويتحدث كديما ايضا في هذه الموضوعات لكن لا يوجد من يصغي اليه بعد كل الاهانات التي وجهها لناخبيه. بلغ اليمين السلطة آخر الامر بعد 35 سنة فاز فيها اليمين بالانتخابات أول مرة. وهو وحده هناك بلا منافسين، وهو يسيطر على وسائل البث الرسمية. وهو يملك مصير القنوات التجارية. وأرباب المال فيه يخنقون بأموالهم الصحافة الحرة. انه وحده في القمة. ليس من الذكاء كونك ديمقراطيا وأنت في المعارضة بل الذكاء ان تُظهر التسامح وضبط النفس والثقة بالنفس حينما تكون في السلطة. سيُمتحن اليمين في السنة القادمة من جملة ما يُمتحن به بقدرته على ضبط نفسه ولا شك ان هذه ستكون سنة طيبة، لكن السؤال لمن.