خبر : ايران تعيد النساء الى البيت/بقلم: تسفي برئيل/هآرتس 27/8/2012

الإثنين 27 أغسطس 2012 02:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
ايران تعيد النساء الى البيت/بقلم: تسفي برئيل/هآرتس  27/8/2012



التصدي للميول الديمغرافية والتطلع الى زيادة عدد السكان الايرانيين وحبس نسائهم في البيوت، لا بد أنه يعظم قوة الشباب بعد جيل. فمنذ الان يعد أكثر من نصف مواطني ايران ابناء أقل من 35، ومشكلتهم الأساس هي العمل والافق الاقتصادي المسدود بسبب سياسة النووي التي تسببت بالعقوبات الدولية. هذا جيل لا يقف ضد حكومته في كل ما يتعلق بسياستها النووية، ولكنه غير مستعد لان يغفر لها عجزها في المجالات المدنية. أحد الامثلة الاخيرة على ذلك كان الانتقاد اللاذع الذي وجهه شبان ايرانيون ضد النظام على شكل معالجته للهزة الارضية التي المت باقليم اذربيجان في 11 آب. كارثة طبيعية قتلت 306 أشخاص، حسب الرواية الحكومية وأكثر من 16 ألف شخص، حسب رواية المنظمات المدنية. وأحدث النذر صدمة. فالجامعات في ايران أعلنت بانه ابتداء من السنة الدراسية القادمة لن تتمكن الطالبات من تعلم 77 مهنة تعتبر مخصصة للرجال فقط. أكثر من نصف مليون مرشحة للقبول في الجامعات بشرن بانه "توجد مجالات ليست ملائمة للنساء، كالزراعة، الهندسة الميكانيكية أو العمل في المناجم، بسبب الجهد الجسدي الذي تنطوي عليه"، كما شرح المسؤول عن نشر التعليم في وزارة العلوم الايرانية. ولكن لماذا لا يمكن للنساء ان يتعلمن مهنا كتخطيط المدن، هندسة المناجم، ولماذا في قسم من الجامعات لا يمكن للنساء ان يتعلمن تدقيق الحسابات، ترميم المباني القديمة، الكيمياء، أو هندسة النفط، المهنة التي حتى قبل التعليمات الجديدة محظورة على النساء؟ ظاهرا، هذه مبادرة من الجامعات التي شرح الناطقون بلسانها بأن "كل جامعة تدرس احتياجاتها وتقرر شكل التعليم فيها". ولكن غياب رد فعل رسمي من جانب النظام وحقيقة أن تخطيط منظومة التعليم للمدى البعيد يتم بالتنسيق مع سياسة النظام، يبدو أن القرار هو جزء لا يتجزأ من ميل جديد يبعث على القلق في ايران. وتتطلع هذه السياسة الى تقليص تواجد النساء في دائرة العمل و "اعادتهن الى مكانهن الطبيعي" – في البيت، الى جانب الاطفال وفي المطبخ. التخوف المؤكد لمعارضي التعليمات الجديدة هو أنه من الان فصاعدا سيقل عدد النساء اللواتي سيتعلمن في الجامعات، بعد أن كان حتى الان عدد اكبر من النساء يفوق الرجال يتعلمن في الجامعات الايرانية. حتى العام 2010 تراوح معدل النساء بين 60 و 65 في المائة مقابل 35 – 40 في المائة من الرجال – وفقط في العام 2010 توازنت النسبة. وتدل هذه المعطيات على مكانة ايران كدولة معدل الامية فيها هو الادنى في المنطقة – 82 في المائة مقابل 62 في المائة في الشرق الاوسط، وتعد النساء الايرانيات الاكثر تعليمات في العالم، حسب تقرير اليونسكو. في هذا المجال بالذات سجلت الثورة الاسلامية نجاحا هائلا. فمقارنة مع عهد الشاه، أمر زعماء الجمهورية الاسلامية بالفصل بين النساء والرجال، طالبوا بالنساء بلبس الحجاب وأمروا بتعليم الدين الى جانب التعليم العلماني. وأتاحت هذه التوجيهات للعائلات التقليدية والدينية الكثيرة ارسال بناتهن لاول مرة الى 36 جامعة تعمل في ايران. وتهدد التعليمات الجديدة بتغيير الميل. وهي تنسجم مع الاعلان الاخير للزعيم الاعلى علي خمينئي والرئيس محمود احمدي نجاد اللذين بدآ بتشجيع المواطنين الايرانيين على زيادة عائلاتهم، وانجاب المزيد من الاطفال وزيادة عدد السكان في ايران. "ويقضي العلماء والخبراء باننا سنواجه انكماشا كبيرا في حجم السكان، اذا استمرت سياسة الرقابة على الانجاب"، هكذا شرح خمينئي الشهر الماضي. قبل ثلاث سنوات من ذلك كان اقترح احمدي نجاد الدفع لكل عائلة بـ 950 دولار على كل طفل تنجبه و 95 دولار في السنة على كل طفل الى أن يصبح ابن 18.45 مليون واقي رجال وكانت سياسة الرقابة على عدد السكان دخلت حيز التنفيذ في التسعينيات بعد أن هددت نسبة الزيادة الطبيعية، 3.9 في المائة، بزيادة عدد السكان الايرانيين الى نحو 120 مليون نسمة في غضون جيل. والتقدير المتشدد الذي أجري في الوزارات الحكومية الايرانية بيّن بان وتيرة نمو كهذه من شأنها أن تمس بقدرة ايران ليس فقط على توفير العمل للجميع. فانتاج البضائع الاساس وتقديم الخدمات الاساس كالمياه والكهرباء لن تدرك هذه الوتيرة.  وبدأت ايران عندها في حملة مثيرة للانطباع لتقليص نسبة الولادة وجندت اليها حملات الاعلام والارشاد التي اطلقتها الوزارات الحكومية في التلفزيون، نشر اليافطات التي تقول "العائلة الصغيرة هي عائلة جيدة"، وتقلصت المساعدات للعائلات ابتداء من الطفل الثالث، وشجعت النساء على استخدام وسائل منع الحمل بل وفتح مصنع خاص لانتاج واقيات الرجال بتمويل من ميزانية الدولة في معظمه.  وفصل تقرير نشرته البي.بي.سي في العام 2002 بانه حتى في مصنع واقيات الرجال "كيهان بود"، "ينتج 45 مليون واقي رجال في 30 شكل، لون وطعم مختلف". "نحو 80 في المائة من انتاجنا هو واقيات رجال عادية مخصصة لوزارة الصحة"، شرح في حينه مدير المصنع، كمران هاشمي. "واقيات الرجال التي على الموضة تذهب الى القطاع الخاص، واللون المفضل هو الوردي بينما الطعم هو النعنع". في اطار خطة تقليص عدد السكان طلب من الازواج الشابة الاثبات قبل الزواج بانهم اجتازوا دورة خاصة على استخدام وسائل منع الحمل وتنظيم الاسرة. كل هذه الخطوات حققت نجاحا كبيرا عندما انخفض معدل ارتفاع عدد السكان الى 1.3 في المائة ولا يصل عدد المواطنين الان الا الى نحو 73 مليون نسمة "فقط". ولكن "ما كان صحيحا قبل عشرين سنة لم يعد ساري المفعول"، يشرح خمينئي الحاجة الى تغيير سياسة تنظيم الاسرة. من هنا ايضا الضرورة ليس فقط لتشجيع الولادة والغاء تعليم استخدام وسائل منع الحمل بل وايضا الحرص على احياء العصر الذي كانت فيه النساء ترعى الاطفال وتعدن الى دورهن المناسب. وأخذ بعض المحللين الايرانيين التعليمات الجديدة الى بعض خطوات الى الامام وهم يقدرون بان هذه الخطوات ترمي الى الاثبات للغرب بان ايران لا تخشى العقوبات وان في وسعها اعالة ملايين عديدة اخرى من المواطنين.  المستقبل يعود للشباب يبدو أن هذه المرة الايديولوجيا الدينية – الاجتماعية هي بالذات التي خلقت التحول. إذ الى جانب حصر مهن التعليم للنساء وتشجيع الولادة فقد أمرت وزارة الصحة بتقليص سقف الرجال الذين يسعون لان يكونوا ممرضين. في ايران، التي تعاني من نقص حاد في الممرضين والممرضات، فان هذه تعليمات غريبة، ولكن عندما يخيل لقيادتها بان "القيود الاخلاقية" آخذة في الوهن، كما يقدر خمينئي فليتفضل الرجال للانصراف عن المهن المخصصة بشكل تقليدي للنساء. في هذه الاثناء قررت وزارة الصحة العمل بالتدريج وبدلا من سقف 20 في المائة رجال وافقت على ان تزيد السقف الى 40 في المائة ولكن السيف لا يزال مهددا.  مواجهة الميول الديمغرافية والتطلع الى زيادة عدد السكان الايرانيين وحبس النساء في بيوتهن لا بد ستعظم قوة الشباب بعد جيل. فمنذ الان اكثر من نصف مواطني ايران هم ابناء اقل من 35 ومشكلتهم الاساس هي العمل والافق الاقتصادي الذي سد بسبب سياسة النووي التي تسببت بالعقوبات الدولية. هذا جيل لا يقف ضد حكومته في كل ما يتعلق بسياستها النووية، ولكنه غير مستعد لان يغفر لها عجزها في المجالات المدنية.  المعلومات الاساس عن الحدث المأساوي للكارثة الطبيعية في اذربيجان وفرتها الشبكات الاجتماعية بينما اجتهد الحكم على الاثبات بانه فعل كل ما يلزم وانه في غضون "يومين" انتهت اعمال النجدة ولا توجد اي حاجة للاستعانة بمصادر أجنبية". ليس هكذا كتبت مجموعات الشباب ممن وصلوا الى اذربيجان ووثقوا الحدث، الاضرار ودعوات النجدة من مواطني الاقليم. وفي نفس الوقت كانت القيادة الايرانية مشغولة في شؤون اخرى: الازمة في سوريا، الاستعدادات لمؤتمر دول عدم الانحياز ورحلة احمدي نجاد الى السعودية. وعلى مدى يومين لم يسمع مواطنو الدولة شيئا من خمينئي، وفقط بعد ايام عديدة سافر لزيارة المنطقة المنكوبة بعد أن بات من غير الممكن منع النقد. وهكذا، مثلا، كتب الشاعر الايراني محمد رضا علي فيام في مدونته "من قال لكم اننا حكومة كسولة؟ نحن ننشغل في كل المواضيع العربية حتى الرقبة. كفوا عن الالحاح علينا في موضوع الهزة الارضية، فلدينا دمشق وحلب على الرأس". ومع أن هذا النقد لا ي سقط أنظمة ولكنه يعرض النظام بشكل محرج. وذلك لانه اذا كانت معالجة الهزة الارضية صعبة، فكيف سيعالج النظام هجوما على المدن الايرانية؟ هذا جيل من الشباب ولد بعد الثورة، الجيل الجديد الذي تشجع ولادته الان القيادة من شأنه أن يكون أكثر تمردا بكثير.