خبر : على الفلسطيني أن يحدد ثمن دمه...طلال عوكل

الإثنين 06 أغسطس 2012 10:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
على الفلسطيني أن يحدد ثمن دمه...طلال عوكل



بين ادعاءات النظام الرسمي بأن المعارضة متمركزة في حي التضامن الملاصق للمخيم الفلسطيني وادعاءات المعارضة بأن النظام هو من قام بإطلاق قذائف الهاون، دفع الفلسطينيون في مخيم اليرموك جزءًا من الثمن الذي يترتب عليهم أن لا يدفعوه هكذا بغير حساب ولصالح المجهول. هي ليست المرة الأولى منذ اندلاع الأزمة في سورية، التي يقدم فيها فلسطينيو المخيم المنحوس، ضحايا، بدون ثمن وأحياناً لحساب جهة فلسطينية لا يذكر اسمها إلا ويقال إنها من جماعة سورية، وضعت كل ثقلها المعنوي والمادي لصالح الدفاع عن النظام.  وحتى لا تظل المسألة خاضعة للتساؤلات والتكهنات فإن الجبهة الشعبية - القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل، قد انفردت بمثل هذا الموقف من البداية، وتسببت في كثير من الحرج للفصائل الفلسطينية الأخرى، التي تفضل اتخاذ موقف حيادي. وكذلك الحال بالنسبة للجماهير الفلسطينية التي آثرت بصفة عامة أن لا تتدخل في الشأن الداخلي السوري. الجبهة الشعبية - القيادة العامة سبقت في موقفها وسلوكها، منظمة الصاعقة، التي تعتبر الفرع الفلسطيني في حزب البعث العربي السوري، ولذلك فإنها تراهن على وضعها كله، باعتبار أن وجودها الأساسي هو في سورية، وبعد ذلك في لبنان، الذي لن ينجو هو الآخر من تداعيات الصراع الجاري ومآلاته في سورية. وإذا كانت مواقف الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير عموماً، قد آثرت عدم التدخل المباشر أو غير المباشر في فصول الأزمة السورية، وذلك لأسباب سياسية ولوجستية، وحتى لا يكون الفلسطيني أداة في أيدي من هم أكثر حرصاً على سورية من السوريين، فإن الجماهير الفلسطينية لم تكن لترغب في أن تكون وقوداً لصراع ملتبس عموماً، بين نظام قومي يصنف على أنه مركز الممانعة العربية وعامل الفلسطيني كما يعامل السوري مع استثناءات محدودة، وبين معارضة حتى الآن ممزقة، وهويتها مجهولة. مع ذلك الفلسطيني لا ينجو من دفع ثمن الاضطرابات والأزمات التي تقع في أي بلد يستضيفهم، فهم حتى في الكثير من الدول التي تشهد استقراراً، أو استقراراً نسبياً، متهمون كل الوقت، وكل الوقت هم تحت الرقابة الشديدة، ولا يزالون يخضعون لإجراءات قاسية تحد من قدرتهم على التنقل بحرية، أو الحصول على إقامات أو على عمل، أو حتى الدراسة والعلاج. ربما يجد الإنسان عذراً لبعض الدول التي تتخذ إجراءات معينة ضد مواطن الدول العربية التي شهدت أو تشهد فصول ربيعها، لكن رغم غياب المنطق عن هذه الإجراءات، إلا أنها تصبح نوعاً من العقاب التاريخي للفلسطيني، الذي لا يزال يعيش صيفاً أو خريفاً مستمراً، ولا يبدو في الأفق القريب أنه قريب من فصل ربيعه. في الواقع فإن ما يجري في سورية تجاه الفلسطينيين تحديداً هو شكل من أشكال الجنون، إذ ليس من مصلحة أي طرف أن يخرج الفلسطيني عن حكمته وصبره، لأنه يملك القدرة على أن يكون رقماً مهماً في الأحداث الداخلية إذا ما قرر أكثر من ستمائة ألف فلسطيني الدفاع عن أنفسهم. تاريخياً كان الفلسطينيون في سورية يعرفون أن أي تحرك ملموس لهم في إطار الوضع الداخلي السوري، كان سيكلفهم الكثير الكثير، فإذا كان النظام في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، قد قصف حماة عام 1981 بالطيران، وضحى بعشرات آلاف السوريين لأنهم حاولوا التمرد على النظام، فإنه سيكون من الأسهل عليه أن ينكل بكل الفلسطينيين المقيمين ضيوفاً على أرض سورية، وحتى المارين منه، لو أنهم حاولوا أو فكروا بمحاولة اللعب على التناقضات الداخلية.  سورية منذ أن وقع الانفجار الكبير في مبنى الأمن القومي، دخلت مرحلة من الجنون، والعنف المنفلت، الذي يقضي على كل محاولة للعودة بالأوضاع إلى الوراء، أو أي حوار، أو حتى إصلاح، فلقد تراجعت مظاهر الاحتجاجات السلمية، لصالح ارتفاع معدلات العنف المسلح، ومعه ارتفاع معدلات القتل والتدمير والتهجير القسري.  لقد أدرك الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والمكلف بمتابعة المبادرة الدولية والعربية كوفي أنان اللحظة، فآثر أن يقدم استقالته، حتى لا يشكل غطاءً لحمام الدم، ولمبادرة فاشلة، لم يكن لها من غرض سوى إتاحة المزيد من الوقت لمواصلة عملية التدمير الذاتي لهذا البلد المجاور لإسرائيل، والمحتلة منه أرض الجولان، بما يخدم في البداية والنهاية الأمن الإسرائيلي لدولة الاحتلال. أنان أدرك أنه لا فائدة من مواصلة اللعبة، فلقد تمترست القوى الدولية المؤيدة والمناهضة للنظام عند مواقفها، ولم يعد ثمة من سبيل للمبادرات، والحلول الوسطية، وبالتالي فإنه يدرك أيضاً أن استقالته تعني فتح الأبواب على غاربها أمام التدخلات من قبل كل من يرغب أو يرى له مصلحة في التدخل في الشؤون الداخلية السورية.  خلال الأشهر الأربعة التي استغرقت مبادرة أنان، واصل النظام تمسكه بالحل الأمني، واتبع خطة توقع أن تكون محكمة وأن تأتي بثمار، حيث قام بتمشيط الأحياء، حياً حياً في دمشق العاصمة، ثم في المدن الأخرى تباعاً، إلى أن تعثرت خطته في حلب، ليكشف بعدها أن قوى المعارضة قادرة على معاودة العمل في الكثير من الأحياء التي اعتقد النظام أنه قام بتنظيفها. المعارضة هي الأخرى تمكنت خلال الأشهر الأربعة، من الحصول على أسلحة، ودعم مالي ولوجستي قدمته بعض الدول العربية، والإقليمية المناهضة للنظام، وبالتالي أصبحت أكثر قدرة على خوض الصراع بالوسائل ذاتها التي اختارها النظام.  غير أن المعارضة لم تنجح خلال المرحلة التي نتحدث عنها، في توحيد صفوفها، وقياداتها، وبرامجها، الأمر الذي يدعو للاعتقاد بأن سورية تدخل عملياً السيناريو الذي دخلته ليبيا من قبل، من حيث تشتت القوى، وتوقع أن تنشأ صراعات مريرة بين قوى المعارضة في حال تمكنت من حسم معركتها مع النظام الرسمي.  مآل النظام قد أصبح واضحاً، لكن من غير الواضح حتى الآن، التداعيات السياسية الكبرى التي ستنجم عن شعوره بقرب لحظة سقوطه، وفي كل الحالات من غير المتوقع أن يختار النظام الرحيل بسلام ولو على الطريقة اليمنية، والمؤكد أن انفجار الوضع في سورية، سيؤدي إلى انفجارات أوسع في المنطقة، ولذلك كان على الفلسطينيين أن يتوخوا الحذر الشديد إزاء ما عليهم أن يفعلوه. غير أن هذا الحذر المطلوب، لا يعفي القيادة الفلسطينية من اتخاذ المواقف والإجراءات التي تخفف على الأقل من حجم الثمن الذي على الفلسطينيين أن يدفعوه باعتبارهم حلقة ضعيفة في سورية. وإذا كانت الجبهة الشعبية القيادة العامة، أو سواها، مستعدة لخوض معركة انتحارية مع النظام، فإنه لا يحق لها بأي حال أن تغامر بالوجود الفلسطيني المدني والسياسي في سورية، وفي هذه الحال يتطلب رفع الحصانة عنها، أو إخراجها من دائرة الشرعية الفلسطينية.  على أن الجاري بالنسبة للوضع الفلسطيني في سورية، ينبغي أن يخضع للدراسة المتأنية من قبل القيادة الفلسطينية، فليس دائماً من المفيد اللجوء إلى خيار سلامة الرأس، وتوخي الاستضعاف أو الحيادية، وعلى القيادة أن تتوخى الحذر إزاء ما يمكن أن يواجه التجمعات الفلسطينية الكبيرة في دول أخرى مرشحة لأن تدخل مرحلة الربيع، أو الخريف، فنحن كفلسطينيين أصحاب ثورة وقضية، ولا يمكن أن نكون إلا مع الثورة، والانتصار للشعوب المقهورة.