دراما رمضانية في الليل كالسيل "الماسخ" أو "الدِلِع"، لا حلاوة فيها ولا ملوحة ولا حموضة ولا مرارة، تُعيدك إلى القنوات الإخبارية، فإذا بالأخيرة أكثر رتابة ومدعاة للملل، فالحدث الرئيس سوري، يتخلل تطوراته الحدث المصري، وبعض الليبي والتونسي والإيراني، وأخيرا اللبناني، أما الحدث الفلسطيني فعليك كي تجده أن تضغط على إحدى القناتين "فلسطين" و"الأقصى"، لتلفي نفسك مراوحا بين رؤيتين متباعدتين حول كل شيء، تتمنى بعد قليل أن ينقطع التيار الكهربائي لتخلص منهما ومن سواهما من الفضائيات.. ويُطل التساؤل فظا في تأملك المضاء بنجوم بعيدة: "متى نعود إلى واجهة الأحداث، بعد أن صرنا على هامش الهامش"! وفي النهار الطويل الحار تحارُ بين المكوث حبيسَ جحيمِ الأسمنت المسلح المسمى بيتا والخروج إلى الشارع الناري، وفي بالك أن من يخرج من داره "يقِلُّ" مقداره، من ضربة شمس أو بصقة صائم حانق أو شجار على أولوية المرور، لكن للضرورة أحكاما، كشراء ربطة خبز أو كيلو قطايف أو دواء القلب، وكلها توجب الخروج. يتعرقل السير بسبب تعطل مفاجئ لسيارة عتيقة، يُطلق مَن وراءها أبواق سياراتهم لاستعجال سائقها، الذي يرتبك ثم يستفز فلا يبالي. تتحرك السيارة التي تقف خلفه لتجاوزه فلا يكترث، وحين تلحقها السيارة التالية يثور السائق الشاب مطلقا شتيمة من العيار الثقيل على سائقها المسن، الذي يرد بشتيمة أقذع ويمضي، وكل منهما يتوعد الآخر بالويل والثبور. لم تنته الحكاية، كان هناك شرطة وشجار وإشهار أسلحة بيضاء ومطاردة، وكان ثمة شهود انشغلوا وآخرون من "رَبْع" السائِقَيْن الغاضبين إلى ما قبل آذان المغرب بلحظات لإنهاء حالة الغضب بتنازلات متبادلة، استهلكت ما تبقى من ماء في أجسادهم عرقا ولعابا، بعد وضع ما حدث في خانة نهار رمضاني لاهب، بينما كل منهم يردد "اللهم إني صائم"!