تصل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى إسرائيل مزهوّة بنجاحاتها التي حققتها قبل أيام بعد اجتماعها مع الرئيس المصري محمد مرسي، فقد حققت ما كان متوقعاً من استمرار الجانب المصري، في ظل المتغيرات الجديدة الهائلة، في التزامه بكافة المعاهدات والاتفاقيات التي عقدتها مصر، والواضح بلا جدال أن الأمر يعود إلى اتفاقية السلام المعقودة بين مصر وإسرائيل، كانت تعهدات جماعة الإخوان، ثم الرئيس المصري قبل وبعد الانتخابات الرئاسية، حاسمة وقاطعة، إلاّ أن العبرة في الالتزام بهذه التعهدات، ومن الواضح أن السيدة كلينتون، بعد اجتماعها بمرسي، أصبحت واثقة تماماً. من "حسن نوايا" الرئاسة المصرية، وإصرار هذه الأخيرة، على أن تقدم كل ما من شأنه التأكيد على أن الالتزام باتفاقية "كامب ديفيد"، سيكون أفضل بما لا يقاس بما كان الأمر عليه في عهدي السادات ومبارك، انطلاقاً من أن رئيس مصر، معني بنجاح تجربة قيادة جماعة الإخوان، لأكبر دولة عربية من حيث التأثير على الأمن الإقليمي والدولي، ولقناعة الجماعة، من أن ثبات هذا الحكم يعود بدرجة رئيسية إلى مدى قدرته على التعاطي الإيجابي مع الرؤية الأميركية للمنطقة، انطلاقاً من "المصالح المشتركة". فمصلحة أميركا، في أن تحتوي أي تفاعلات جدية للربيع العربي، تهدد هذه المصالح المترابطة إقليمياً ودولياً مع المصالح الإسرائيلية، وضمان أن أية متغيرات يجب أن تخدم هذه المصالح، وهي ترتبط وتدعم أي نظام وفقاً لهذه الرؤية، وتغيب في هذه الحالة، كل الشعارات الكلامية حول حقوق الإنسان، أو العدالة والمساواة، وعندما طالبت كلينتون، أكثر من مرة قبل وصولها للقاهرة، المجلس العسكري، وبلغة واضحة وعلنية بضرورة تسليمه السلطات إلى الرئيس المنتخب، فإنها مارست دوراً جديداً لم يكن مسبوقاً في التدخل الأميركي لدى الدول الأخرى، فقد كان ذلك يتم في الكواليس و"تحت الطاولة" وعندما كانت تتسرب بعض المعلومات عن مثل هذه الضغوط، كانت الإدارة، والدولة المعنية، تتكفل بنفي هذه الضغوط، لكن ما تشهده هذه الأيام، أن الولايات المتحدة علاقتها مع الرئاسة المصرية، استخدمت ضغوطها بشكل معلن ووقح وسافر، ولم ترغب لأسباب عديدة، في أن يظل هذا الضغط كي الكتمان والأسرار، لأن واشنطن تريد إبلاغ كل الأطراف، بأنها معنية تماماً بنجاح تجربة جماعة الإخوان، وان مصالحها باتت مرتبطة بهذا النجاح، وهي لن تتوانى عن الإفصاح علناً عن ذلك، كي تصل رسالتها بكل وضوح، لأي طرف يحاول إثارة أية مشاكل للحليف الجديد! إن مصلحة الرئاسة المصرية في إغناء هذه العلاقة مع الجانب الأميركي تتمثل كما أشرنا، بضرورة إنجاح تجربة الإخوان المسلمين في الحكم، وهذا يتطلب الكثير الكثير على ضوء الوضع الاقتصادي المتدهور، والتجربة الفاشلة في أداء مجلس الشعب الإخواني، ما أدى إلى نجاح مرسي بأصوات محددة على عكس الانتخابات البرلمانية، ناهيك عن تزايد تأثير الشارع المصري في الحياة السياسية وتبلور قوى معارضة جديدة، الولايات المتحدة التي سارعت إلى الإسهام بإسناد الوضع الاقتصادي من خلال "منحة" هائلة تقضي بشطب كل ديون أميركا على مصر، والتأكيد على جملة كبيرة وواسعة من قائمة المساعدات المالية والاقتصادية والعسكرية، مع ضمان، عدم تدخل أميركا في الشأن الداخلي المصري، فيما يتعلق بتطبيقات رؤية الجماعة في الحكم، وستغضّ الولايات المتحدة الطرف عن مثل هذه التطبيقات، باعتبارها شأناً داخلياً هذه المرة!! ولا نعتقد أن كلينتون قد ضغطت على مرسي كي لا ينهي الحصار على قطاع غزة لأن ليس أي معنى لذلك، طالما ظل التفسير المصري القطري، للأمن القومي، ينبع من الالتزام باتفاقية "كامب ديفيد"، فالأمر أصبح "تحصيل حاصل" علماً أنه ليس مصر هي التي تحاصر قطاع غزة، بل إسرائيل بالدرجة الأولى، لكن الرئاسة المصرية الجديدة، باتت تدرك أن الالتزام بالتفسير الضيق والقطري للأمن القومي، يعني التعامل مع قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من منطلق ما تشكله هذه المنطقة المتشابكة من مخاطر على الرؤية المصرية للأمن القومي في إطارها الضيق والقطري، هذه المنطقة الهشّة، تشكل ثغرة كبيرة وخطيرة لهذا الأمن، ما يستوجب التعاون مع كافة الأطراف، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، على عدم اتخاذ أية إجراءات من شأنها تهديد أمن هذه الأطراف، وبإمكان مصر في هذا السياق الإقدام على عدة وعود وتصريحات، وربما إجراء بعض التسهيلات، إلاّ أن ذلك سيظل محكوماً بالفهم الضيق والقطري للأمن القومي المصري! كلينتون، حملت معها إلى إسرائيل كل هذه الدلائل والإشارات، لتؤكد لحكومة نتنياهو أن لا داعي لذاك القلق الذي أعربت عنه أوساط إسرائيلية على المستويات السياسية والأمنية من المتغيرات المصرية، وكما فعلت مع مصر مادياً، فعلت ذلك أمنياً مع إسرائيل، وقدمت لها كل ما يطمئنها في هذا السياق، وأن الأمور تحت السيطرة تماماً، ومن لا يصدق، عليه أن يتابع الغزل المستمر والمتواصل بلا انقطاع بين الإدارة الأميركية والرئاسة المصرية الجديدة، وهو ما حملته كلينتون إلى القيادة الفلسطينية، أيضاً، وإن كان الأمر ينطوي على النقيض، إذ إن الرسالة التي حاولت أن توصلها وزيرة الخارجية الأميركية إلى الجانب الفلسطيني هي أن إدارة أوباما، نجحت في احتواء نتائج الربيع العربي، وأحرزت تقدماً بارزاً في احتواء نتائج الثورة المصرية، من خلال إقامة علاقات وطيدة مع "الجماعة" وممثلها في الرئاسة المصرية، وهي ـ الإدارة الأميركية ـ وهي تعمل على ترتيب وتنظيم الخارطة السياسية للمنطقة العربية، لا تقبل بمن يقول "لا" خاصة إذا كان هذا القول معلناً وصريحاً كما تفعل القيادة الفلسطينية التي لا تزال ترهن استئناف العملية التفاوضية بشرط وقف أو تجميد العملية الاستيطانية الإسرائيلية، ما أدى إلى وقف هذه العملية، وظهور الفشل الأميركي في هذا السياق، وهو ما اعترف به الرئيس الأميركي مؤخراً مبرراً هذا الفشل بتعنّت الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإزاء هذه التطورات، على الفلسطينيين التجاوب مع هذه الخارطة الجديدة والانضواء تحت معالمها التي رسمتها إدارة أوباما مع إدارة نتنياهو، وما تشهده الساحة الفلسطينية من استعصاءات، هي ربما البوادر الأولى لما يمكن أن تفعله واشنطن لليّ ذراع القيادة الفلسطينية!! Hanihabib272@hotmail.com www.hanihabib.net