شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحول ملحوظ تجاه الأخوان المسلمين ، وذلك لمسناه فى مواقفها منذ الثورة المصرية ؛ والضغوطات التى تمارسها على المجلس العسكري المصري ، لتسليم السلطة لحكومة منتخبة مدنية ، وكذلك ترحيبها بنتائج الانتخابات التونسية والمغربية التى فازت بها الحركات الإسلامية ، وتجاهلها لنتائج الانتخابات الليبية التى فاجأت الجميع بصعود الليبراليين كثورتهم التى حسمها حلف الناتو بالقضاء على إمبراطورية القذافى . وبالرغم من أن الثورات العربية كانت غير متوقعة ومفاجئة للإدارة الأمريكية ؛ ولكنها احتوتها بطريقة براغماتية ، واستخدمت كافة الوسائل الدبلوماسية والعسكرية لتحقيق الأهداف الأمريكية . وقد راودت الإدارة الأمريكية مخاوف حول توجهات الأخوان المسلمين ؛ فى قضية الأقلية القبطية والمرأة واتفاقية كامب ديفيد ، إلا أن الرئيس المصري مرسى أكد على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة وقد قال ناثان براون أستاذ السياسة بجامعة جورج واشنطن ، إن الإخوان أعطوا من جانبهم إشارات إيجابية لطمأنة واشنطن ورحبوا بالحوار معها ، وكانت أهم الرسائل التى أوصلتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون للرئيس مرسى ، ضرورة الالتزام بحماية حقوق الأقليات مقابل إيفاء واشنطن بتقديم المساعدات الاقتصادية للقاهرة ، وكذلك استخدمت نفوذها لحث المشير طنطاوى على الالتزام بنقل السلطة إلى حكومة مدنية ، والتعاون مع حركة الإخوان المسلمين لتحقيق تحول كامل من الحكم العسكري إلى حكم مدني ، ولكن أتى رد المشير طنطاوى سريعا على كلينتون بتصريحه بعد الزيارة ؛ بأن القوات المسلحة لن تسمح لجماعة معينة بالسيطرة على مصر وقصد بذلك جماعة الإخوان المسلمين . الإدارة الأمريكية التى أوقفت أجندة دعم الديمقراطية فى مصر بعد أن حصل الإخوان المسلمين على 20% من مقاعد البرلمان عام 2005 ، وذلك بدعوى أنهم يشكلوا تهديد لاستقرار مصر والمنطقة ، قررت أن تعقد زواج عرفي بينها والحركات الإسلامية ، وقامت بفتح قنوات اتصال مع الأخوان للاتفاق على سياسة تضمن المصالح الإستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط ؛ وتقوم بدعم الإخوان المسلمين فى الوصول للحكم ؛ مقابل الالتزام باتفاقية كامب ديفيد كما صرحت كلينتون فى زيارتها سنستمر بدعم مسيرة السلام بين مصر وإسرائيل ، ونؤمن بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في عملية السلام ، مشيرة إلى أن السلام مع إسرائيل سمح لجيل مصري إلا يعرف الحرب . ويأتى هذا التوجه بعد الثورات العربية للحفاظ على النفوذ الأمريكى فى المنطقة ولحماية دولة إسرائيل والتى تشكل الورقة الرابحة لمن يرغب بالفوز بالانتخابات الأمريكية . ولعل السياسة الأمريكية لها خصائص تتمثل بالاعتماد على الحلفاء الأقوياء والتخلي عنهم والغدر بهم حينما يضعفوا ويصبحوا عبئا عليها كما فعلت بحسنى مبارك ، وتقوم باستبدالهم بمن حل محلهم حتى لو كان عدو الأمس المزعوم والمتمثل بالحركات السياسية الإسلامية ، فالمهم لديها بأن تبقى على القيادة المنفردة للعالم وتسيطر على التجارة العالمية ، وتمتلك القوة العسكرية وتحافظ على تحالف أوروبى فى سياستها الدولية . وطالما تعيش الآن واشنطن حالة عشق مع المؤسسة الإخوانية فلما لا يتضمن برنامج السيدة كلينتون زيارة لحكومة غزة التى تحمل نفس فكر المؤسسة المعشوقة ، فكما تحدث الكثيرون بأن زيارتها لمصر قبل إسرائيل جاءت لترتيب العلاقات الإسرائيلية المصرية ، ولنقل وجهة نظر القيادة المصرية الجديدة إلى إسرائيل ، فان زيارتها لغزة ستكون لضمان المحافظة على الهدنة مع إسرائيل وعدم إطلاق صواريخ تقلق مستوطنات الجنوب وتصيبهم بالذعر وربما تجد المفاوض البديل ، وكما كانت الحركات الإسلامية أعداء الأمس فحركة حماس جزء من هذه الحركات وبالتالي تنطبق عليها نفس الإجراءات . وما يعزز ذلك لقاء كلينتون حكومة رام الله متمثلة بالسيد سلام فياض على هامش برنامجها وفى مقر إقامتها بالقدس ، وحسب تصريحات المسئولين الفلسطينيين بأنها وعدت فياض بنقل ما طرحه من قضايا حول الإفراج عن الأسرى قبل اتفاقية أوسلو وسلاح الأجهزة الأمنية المتواجدة في الأردن على الإسرائيليين ، أي أنها لا تحمل فى جعبتها أي مبادرات أو اقتراحات لاستئناف عملية السلام العالقة ، ولم تقدم أي دعم مالي للخروج من الأزمة المالية التى تعيشها السلطة الفلسطينية . وبالعودة إلى تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية وكيفية تعاملها مع حلفاء اليوم وأعداء الأمس لن يكون غريبا أو مستهجنا أن يتضمن برنامج السيدة كلينتون فى المرة القادمة ، أو أى مسئول رفيع من الإدارة الأمريكية زيارة مدينة غزة ولقاء حكومة غزة المقالة وبترتيب من الحكومة المصرية الحالية ... وذلك استكمالا للمشروع الأمريكى الجديد فى منطقة الشرق الأوسط . abber_ath@hotmail.com