"لا تعتذر عمّا فعلت" قال.. ولكنه، اعتذر عن جانب واحد: "خضعت وقبلت مؤقتاً عضوية اللجنة التنفيذية قال في حديث قديم ـ جديد نشرته "الكرمل الجديد" 3-4 صيف هذا العام. لا أعتذر عمّا كتبت، أمس، بعنوان "المجزرة" لكن أعتذر عن غلطة واحدة من أغاليط أوقعتني فيها حمأة الغضب: قلت "غاضب على بيان قيادة جيش التحرير ـ سورية" فجاءت "تماهيت" بدلاً من "غاضب". لا بأس. السياق صحيح، والنصيحة صحيحة: "ليس الشديد بالصرعة لكنما الشديد من يمسك نفسه وقت الغضب". شاعرنا قال لأعدائنا: "خُذُوا حُصَّتكم من دمنا وانصرفوا" وقال لاحقاً لـ"إخواننا" "أنت منذ الآن غيرك" بعد الانقلاب الغزّي، وأعود لقراءة أخرى لـ "أحمد الزعتر" بطبعة قديمة وأنيقة، وترجمة إنكليزية مشرقة تولّتها رنا قبّاني، وخط بديع بريشة إلياس نيقولا، ورسوم بريشة كمال بلاطة. "يا أحمد العربي المنسيّ بين .." بين مجزرتين! "أحمد الزعتر" أو "أحمد العربي" أو أحمد الذي في مخيمات: النيرب، حمص، اليرموك، درعا. أيضاً: "خذوا حُصَّتكم من دمنا وانصرفوا". "قومية المعركة" صارت "قومية المجزرة"، وأولى المجازر العربية ضد اللاجئين الفلسطينيين محفورة في تلافيف دماغي، وحصلت في عام من منتصف خمسينات القرن المنصرم، عندما أوقع "المكتب الثاني" اللبناني بين الأرمن والفلسطينيين، واحتلت المجزرة عناوين الصحف السورية. كنت في الـ 12 من عمري. حينها كان أبي ـ رحمه الله ـ غاضباً مثل غضبي على مجزرة مصياف ضد عساكر أغرار من جيش التحرير. أبي المحارب القديم في طيرة ـ حيفا، كان يدعو وقتها إلى "فزعة" فلسطينية سورية لنجدة الفلسطينيين في لبنان! ماتَ أبي غيظاً وقهراً في سن مبكرة، بانفجار في الدماغ ومن "هاذول الزعماء العرب" ولم يشهد ما شهدت في بلدة دوما من بوادر "فتنة" بعدما حاول دوماني سرقة بندقية صيد من فلسطيني (آل الخضرا) فأصابته رشقة أودت بحياته.. فما كان من أهل البلد إلاّ وأسمعونا ما لا سابق له: "لا إله إلاّ الله.. الفلسطيني عدوّ الله"! سريعاً، وليلاً، جاء عبد الحميد السراج، الرجل الأمني القوي إبّان الوحدة، إلى سراي دوما، وأنذرهم: كل من يمسّ بأي فلسطيني سأهدم سقف بيته على رأسه! قيل لي من سوري فلسطيني يعرف دوما المنكوبة، وهي موطن طفولتي وشبابي، أن أهل البلد الدوامنة "زعلانين" من الفلسطينيين فيها، لأنهم على الحياد. الحقيقة لم يكونوا على الحياد عندما كانت الانتفاضة سلمية، كما لم يكن فلسطينيو مخيم درعا (وحمص، أيضاً) على الحياد وقت سلمية الانتفاضة. في وقت لاحق، سأسمع في دمشق هتافاً منكراً في الأيام الأولى للانفصال السوري عن مصر: "يا على غزة.. يا على المزّة". لم أجرّب السجن العربي يوماً، لكن أخي السوري القومي سجن في "المزّة" بعد اغتيال عدنان المالكي بيد غسان جديد. أتذكر ريبة السجّانين من حلوى القزحة (حبة البركة) التي يُحبّها أخي وتُعِدّها أُمّي أكثر ما أتذكّر. انتشار اللاجئين الفلسطينيين في سورية ليس مثل انتشار الناجين الأرمن والشركس فيها، فهم تغلغلوا في كل سورية، وتآخوا مع السوريين وتصاهروا، واحتلت اللهجة الشاميّة وسواها السوريّة ألسن الجيل الثالث الفلسطيني في سورية... لكن فلسطينيتهم مع ذلك تبدو غير قابلة للذوبان كحال الأرمن والشركس. الفلسطينيون يمتزجون بكل شعوب الأرض ولكن لا يذوبون فيها. فَضْلُ اللاجئين عظيم على الكويت والأردن ولبنان وسورية، أيضاً، لكن إذا اهتزّ النسيج الوطني في هذه البلاد وقعت الواقعة على رؤوس الفلسطينيين. في لبنان قادوا "قومية المعركة" لكن قبل ذلك وبعده صارت القصة "قومية المجزرة"، وصار الفلسطينيون "يهود العالم العربي" وبخاصة بعد الرحيل الفلسطيني عن لبنان، والآن في فوضى "الربيع العربي". كانت لدينا جالية في الكويت أرست لهذه البلاد أسس الدولة، لكن لنا شعبا في الأردن ولبنان وسورية وشعبا في إسرائيل. نحن ملح الأرض العربية وبارودها وقت الحاجة. خذوا حُصَّتكم من دمنا وانصرفوا.. آن أن تنصرفوا ! نحن لا ننسى وإن غفرنا ! حسن البطل