لعله من سوء طالع بعض الأحزاب السياسية الإسلامية أن تصل الى مبتغاها في الحكم في أعقد الظروف التي تعيشها المنطقة والعالم ، وأصبح الحكم اليوم يحتاج الى أثمان باهظة يتوجب على من يرغب في الوصول إليه أن يدفعه قبل الحكم وخلال الحكم وبعد الحكم ، لم تعد الأمور كما كانت قبل عقود من الزمن عندما كانت الخطابات الرنانة الكبيرة تكفي لإقناع الشارع العربي و الوعود التي تكفي لطمأنة العالم الغربي ، اليوم كل شيء أصبح مكشوفا ولم يعد هناك من يملك القدرة على الخداع لمدة طويلة وكذلك الشارع العربي استيقظ من سباته ولم يعد يخشى بطش الحكام وأصبحت المطالب كبيرة ولا تقبل التقسيط ولم يعد المواطن يحتمل نصيحة الصبر ولم يعد بحاجة لثواب الصابرين بل هو بحاجة لثواب الشاكرين ، وأصبح المجتمع يدرك حقوقه الكاملة وواجباته ولا يقبل التفريط بأي منها ، وخلال العقود الماضية عاش الشعب العربي حياة خاصة ومارس طقوسا معينة لا يستطيع التخلص منها وأصبحت جزءا أساسيا من حياته العامة ، والمطلوب من الحكام توفيرها لهم دون قيامهم بالشرح الطويل الممل حول الإمكانيات والقدرات . وأخيرا وصل الإسلاميون الى سدة الحكم في عدد من البلدان العربية وأصبحوا شركاء رئيسيين في بلدان أخرى وهو هدف سعوا من أجله عقودا من الزمن وحلم راود الكثير من قادة وأتباع التيار الإسلامي بالرغم من الخلاف الذي كان واضحا بين أجنحة التيار الإسلامي طوال العقود الماضية حيث دعا بعضهم الى ضرورة الوصول للحكم عبر الانقلابات العسكرية للانفراد بالحكم وتطبيق المبادئ الإسلامية التي يؤمنون بها دون شراكة أي طرف آخر وهناك من آمن بأن الوصول للحكم يجب أن يكون عبر صندوق الاقتراع وضمان أكبر قدر من الشعبية لبرنامجهم الانتخابي ، وانتصر الخيار الثاني ولكن في ظروف معقدة لم تدخل في حسابات أصحابها ، ولذلك لم يكن أمام الإسلاميين خيار في تغيير بعض البرامج والشعارات الخاصة بهم لكسب أكبر عدد من المؤيدين ولتخفيف حدة التخوف الشعبي من حكمهم بعد الحملة الإعلامية الضخمة التي شنها خصومهم عليهم وبعد فشل عدد من تجارب سابقة لحكم حركات إسلامية في عدد من البلدان والخشية من تكرارها .والسؤال الذي حير الكثير من المراقبين – الموضوعيين – هل سينجح الإسلاميون في مزاولة الحكم وتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة المجتمع الخاصة والعامة ؟ وهل سينجحوا في جمع كل المتناقضات في آن واحد مثل احترام حقوق الإنسان وخاصة المرأة مع الاحتفاظ بمبادئهم المتعلقة بهذا الموضوع والتي عملوا سنوات لنشرها بين الناس ؟ وهل سينجحوا في كسب التأييد الدولي لهم مع احتفاظهم بمبادئهم الخاصة – الولاء والبراء – في العلاقة مع أنظمة الحكم المخالفة لهم ؟ وهل سيتبنوا سياسات إسلامية حسب الفهم الذي آمنوا به خلال العقود الماضية أم أن مصلحة الحكم لها ضروراتها ؟ لاشك أن الحركات السياسية الإسلامية هي جزء أصيل من الشعب ومن حق الشعب أن يختار طبيعة الحكم الذي يريده ، ومن حق الأحزاب السياسية جميعها – بما فيها الإسلامية – أن تصل الى الحكم عبر الممارسة الديمقراطية ولكن بعد زيارتي الأخيرة الى مصر وبعد أيام من إعلان فوز الدكتور محمد مرسي – الإخوان المسلمين – لرئاسة مصر واستمعت الى بعض آراء الشارع المصري الجميع يشعر بالشفقة على الرئيس الجديد بعضهم بسبب حجم التركة الثقيلة التي تركها النظام السابق والبعض الآخر يعتبر الإسلاميون لا خبرة لهم بالسياسة خاصة في حكم دولة بحجم مصر والبعض الآخر يشفق عليهم لأنهم سيضطروا لتغيير جلدهم للنجاح في الحكم فهم لن يتمكنوا من الاقتراب من المناطق السياحية مثلا حتى لا يتهمهم أحد بالتطرف وسكوتهم عنها يعني موافقتهم على الحرية الشخصية للسياح وهي حرية ليست عادية بالمقياس الإسلامي وكذلك هي مصدر أساسي للدخل القومي وبعضهم يشفق عليهم من حجم الضغوط الخارجية عليهم لإعلان مواقف سياسية معاكسة لمبادئهم المعلنة وهذه مرتبطة بالمساعدات الاقتصادية الخارجية – وهي طبعا ليست مساعدات ولكنها ثمن لسياسات لابد من تنفيذها – ، كثيرة هي الأسباب التي سمعتها من بسطاء الناس حول الحكام الإسلاميين الجدد ، وكان واضحا حجم القلق البادي على وجوه الجميع سواء من أعلن أنه صوت لصالح الإسلاميين أو من صوت لغيرهم ، الجميع قالها بصوت واحد ” المهم مصلحة البلد تمشي ويارب يخيب ظننا فيهم ويكونوا أفضل مما نعتقد ” . التوقعات المطلوبة من الحكام الإسلاميين الجدد كبيرة وحجم الشكوك في نجاح تجربتهم لتحقيق تلك التوقعات أكبر وهذا يضعهم في ميزان دقيق جدا في نظر كافة المراقبين ، وخطأهم ليس كخطأ غيرهم لأنهم أنفسهم وضعوا ذاتهم في مربع كبير وكأنهم ليسوا جزءا من البشر يخطئون ويصيبون وذلك بسبب بعض الألقاب التي يطلقونها على أنفسهم مثل ” الحاكم الرباني ، والحكومة الربانية ، والحكومة الرشيدة ، ومرشح ” الله ” في الأرض ، وغيرها من ألقاب توحي وكأنهم يملكون المعجزات وأن الملائكة جاهزة للانطلاق لتحقيق الرخاء الاقتصادي والانتصار السياسي ، والحقيقة أنهم غير ذلك تماما فهم مثل غيرهم من الأحزاب يسعون لإرضاء القوى الكبرى الأساسية ويعملون جهدهم لتحقيق النجاح الممكن وينجحون في مجال ويفشلون في مجال آخر ، ولو اعترف الجميع بهذه الحقيقة كما هي دون مداراة أو تدليس ولو كان حديثهم السياسي في الغرف المغلقة قريبا من خطابهم الإعلامي العام وينسجم مع التعبئة الفكرية الداخلية للأعضاء لكان ذلك دافعا لهم في اختصار الكثير من الجهد والوقت ، ولكن إشكالية ازدواج الخطاب وتناقضه أحيانا مع الفكر الخاص ومحاولة لي عنق النصوص في كثير من المواقف يجعل مهمتهم صعبة جدا ، ولكهم في ذات الوقت أصبحت الحقيقة الواضحة أنهم كلما اقتربوا من السلطة أكثر كلما أدركوا حجم المطلوب منهم كما من غيرهم أكثر وأكثر .