يبدو أن الفلسطينيين قد دخلوا بدورهم مرحلة جديدة من الصراع والاستقطاب الداخلي بموازاة المرحلة التي دخلتها مصر بعد انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي، المرحلة القادمة ليست مرحلة مصالحة، واستعادة الوحدة، فلقد اختلفت الظروف والعوامل التي كانت تدعو للتفاؤل بامكانية تحقيق المصالحة بالاطار والآليات التي جرى الاتفاق والتوقيع عليها في القاهرة والدوحة. لست أبحث عن سبق فكري او سياسي او صحافي، ولا ارغب في أن أؤدي دور الغراب الذي ينعق، فيعتقد الناس انه نذير شؤم، فأنا من الباحثين عن الحقيقة الموضوعية، والملتزمين بالشفافية، وبالمسؤولية الوطنية ومصلحة القضية والشعب الفلسطيني كما أراها ويراها الكثيرون، عسى ان يستفز ذلك افعال الناس بعد ان استفز الوضع القائم المتردي، مشاعرهم. المصالحة بما كانت عليه، وبما يجري الحديث عنه لم تعد صالحة او قائمة فهي نتاج مرحلة سبقت، وعوامل موضوعية وذاتية تغيرت، وموازين قوى فلسطينية داخلية لم تعد قائمة، وانما رجحت لصالح طرف وهو حركة حماس. موضوعياً يحق لحماس، او اي طرف يجد نفسه في مكانها ان تفكر في ضرورة تثمير الظروف الايجابية المواتية لها، لكي تكرس حضورها وتأثيرها، ودورها في الحياة السياسية الفلسطينية ابتداء، ثم العربية والاسلامية والدولية، فهي حزب سياسي له برنامجه واهدافه، وطموحاته، وآليات عمله. وحماس كما كل حزب او فصيل آخر تعتقد ان المصلحة الوطنية الفلسطينية تتطابق مع برنامجها ورؤيتها للقضية والحكم والعلاقات، لكن ذلك ينبغي ان لا يشكل منطلقاً لرفض الآخر، حين يرى غير ما تراه، وتلك من سنن السياسة، ومن طبيعة المجتمعات التي تعيش حالة التعددية السياسية، بغض النظر عن مسألة الاعتراف او عدم الاعتراف بواقعية هذه التعددية. وقبل ان نغادر مربع المصالحة باطارها ومعاييرها، التي لا يزال بعض الناس يتعلقون بها ويطالبون بالاسراع في تنفيذها، علينا ان نعترف بأن الطرفين فتح وحماس يتحملان المسؤولية عن تعطيل ما تم الاتفاق عليه، وان حسابات العوامل والمتغيرات، والاشتراطات الخارجية، كانت الاكثر تأثيراً في مصير ومآلات المصالحة بكل تفاصيلها. والآن سواء كان هناك من يصرح او يتوخى الغموض تجاه تعامل الطرفين الفلسطينيين فتح وحماس مع بعضهما البعض، هنا في غزة، وهناك في الضفة، فإن حركة حماس لم تعد تحتمل طريقة فتح في التعاطي مع اعضائها ومؤسساتها ووجودها في الضفة. القمع الذي وقع من قبل الاجهزة الامنية في الضفة على المحتجين على لقاء الرئيس محمود عباس مع شاؤول موفاز شكل علامة فارقة، وعكس سلوكاً غير سياسي، وغير مدروس، وسيلحق بالسلطة في الضفة اضرارا بليغة. الامر لا يتعلق بديمقراطية او عدم ديمقراطية السلوك الذي اتبعته الاجهزة الامنية مع المتظاهرين، وهو سلوك في كل الاحوال مرفوض، حيثما وقع واينما وقع، ولأنه سلوك مرفوض، استدعى ردود فعل سلبية حتى من قبل السلطة، حيث اعلن وزير الداخلية عن تشكيل لجنة تحقيق، فإن ردود الفعل تلك شكلت سابقة مهمة، خرج بعدها انصار حماس الى الشارع يطالبون باسقاط اتفاقية اوسلو. طبعاً هذا عدا عن الاضرابات والاحتجاجات الشعبية والاعتصامات التي تقع رفضاً للاعتقال السياسي، واكثرها في مدينة الخليل الامر الذي يفتح الباب على مصراعيه امام تطور وتصاعد الحراك الشعبي في الضفة في اطار سياسي، وليس مطلبيا. حركة حماس في ضوء اوضاعها الجديدة، لم تعد تقبل طريقة تعامل حركة فتح والسلطة في الضفة مع حركة حماس وانصارها، ولذلك فإنها بصدد توسيع اطار الاحتجاجات الشعبية ضد ممارسات السلطة واجهزتها الامنية، تحت شعارات الديمقراطية، وحقوق الانسان، وبرنامج المقاومة. اما الجديد الذي وقع فيكمن في ان فوز الرئيس مرسي، مرشح الاخوان المسلمين بمقعد الرئاسة في الدولة العربية الاكبر والاقوى والاقرب للفلسطينيين وفلسطين، يشكل لحركة حماس مدداً جديداً ، قوياً، ودافعاً نحو تصعيد دورها في حركة النهضة الاسلامية في المنطقة. يذكرنا ما يقع في مصر، بما وقع في فلسطين، اذ يخطئ من يعتقد ان فوز مرسي بكرسي الرئاسة، سيكون المطاف الاخير بالنسبة للحركة التي يمثلها، فهو مجرد البداية، المستندة الى الشرعية، نحو تغيير النظام، وتحقيق السيطرة عليه، وعلى كل مفاصله وسلطاته. هل يتوقع أحد أن يواصل مرسي الحكم، وانه قادر على تطبيق برنامج جماعة الاخوان المسلمين، بالادوات القديمة، القائمة حتى الآن سواء في سلطة القضاء، او السلطات التنفيذية من الجيش الى الشرطة والاجهزة الامنية والاستخبارية، وحتى السلطات المدنية الاخرى؟ إن من سابع المستحيلات ان ينجح مرسي في تنفيذ برنامجه، بأدوات وآليات عمل مناهضة، وهي تبدي المزيد من المقاومة للمتغير الجديد القادم. لهذا كان التحدي الاول والكبير الذي خاضه مرسي ونجح فيه، هو تحدى قرار المحكمة الدستورية العليا، والمجلس الاعلى للقوات المسلحة، بخصوص وجود او عدم وجود مجلس الشعب. نجح مرسي في الاختبار الاول. وبالرغم من كل الاحتجاجات والتهديدات إلا ان المجلس تمكن من عقد جلسة قصيرة لم يكن هدفها سوى تأكيد هذا التحدي. والارجح ان مرسي سيتابع مواجهة المزيد من التحديات مع الحكومة، ومع القضاء بمختلف مسمياته، وانواعه، ومع المجلس العسكري وكل الاجهزة التي يتشكل منها الحكم، مستخدما حقه الدستوري، ومستعدا لتجاوز هذا الحق حين يعوزه ذلك. مدعوما من قبل جماعة الاخوان المسلمين التي تتمتع بقدرة هائلة على التنظيم والحشد، والمقاومة، والامكانيات المادية واللوجستية. اذا كان لذلك علاقة بالوضع الفلسطيني، فهو على المدى القريب يحمل بشائر انفراج بالنسبة لسكان قطاع غزة وحركة حماس، سواء فيما يتعلق بالازمات المعيشية مثل الكهرباء والوقود، وحركة الافراد على المعابر او فيما يتعلق بالحصار السياسي، واعادة الاعمار بدون انتظار الشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير والرئاسة الفلسطينية. أما على المدى الابعد، فإن تطورات الوضع الداخلي الفلسطيني وتوازنات القوى ومآلات القرار والمصير والمؤسسة، مرهونة بتطور الاوضاع في مصر، وهي تسير في اتجاه تكريس الدور القيادي وربما الاحتكاري لحركة الاخوان المسلمين، وايضا بتطور السياسة الاسرائيلية، التي تتجه في الاغلب نحو اعادة انتشار في الضفة، وتطبيق الحل الاقليمي للصراع، في هذه الحال فإن حركة حماس من الطبيعي ان تفكر في استلام وانتزاع زمام المبادرة والسلطة في الضفة، حالما ترفع اسرائيل يدها الغليظة وتترك الفلسطينيين وشأنهم في الاراضي التي ستعيد انتشار وجودها فيها.