خبر : حين يخرج عرفات من القبر ملوحاً بشارة النصر ...بقلم : حسين حجازي

السبت 07 يوليو 2012 09:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حين يخرج عرفات من القبر ملوحاً بشارة النصر ...بقلم : حسين حجازي



ها أنت ذا يا ياسر عرفات سوف تخرج من القبر مجدداً، مرة اخرى بعد مرات، هل تذكر؟ سيراً على تقاليدك، ملوحاً بشارة النصر. كم مرة قتلوك، وبعد ان ظنوا انهم دفنوك فتحوا القبر ولم يجدوك، كنت تعاود الخروج وكنت تحب ان ترى إلى أسطورتك، كطائر الفينيق الذي يمثل صورة عنك، وعن ثورتك، أنت عرفات أبو الفلسطينيين، في زمن الأساطير، الأبوات، والتكوين، ففي البدء سفر التكوين. غريكو ابو الاغريق اليونانيين، أو روميلوس ابو الرومان، وسيمون بوليفار أبو الأميركيين الجنوبيين، وحيث تخلق الشعوب ولكل شعب أب، لأنها تولد من رحم الأساطير. سوف تخرج، تبعث من القبر مرة اخرى ولو بجثتك هذه المرة، اهل هذا متوقع ؟ أهل هذا كان يخطر ببال أحد؟ أعداؤك هذه المرة أيضاً يا ياسر عرفات، بعد ان تأكدوا المرة الأولى انهم قتلوك، لتخرج بجثتك لكي تدلي للمرة الأخيرة هذه المرة حقاً بشهادتك، أمام القضاة، وفي محكمة تنعقد تلتئم هكذا بغتة من دون تحضير أو إنذار مسبق، في قاعة اتساعها العالم، المسرح العالمي كله. من الموت تخرج لتشير بإصبعك الى السم، بالسلاح النووي، السم النووي قتلوك، لتعرف تنطق باسمه، البولونيوم شقيق اليورانيوم المخضب. هل تذكر يا عرفات، حينما كنت تضيف اليوارنيوم المخضب الى متن الخطاب، حينما كان الواحد منا يعده لك، تماماً كما الاستيطان، والإغلاق، والحواجز، والأسرى والاغتيالات. بالسم النووي إذن يا أبانا قتلوك، فهل كانوا الا جبناء؟ مجدهم لا يساوي حذاءك، جبناء وتافهون مرتين. المرة الأولى لأن من يقتل بالسم غدراً، لأنه لا يستطيع هذا القتل في وضح النهار مباشرة. وقد كنت محاصراً في قبضتهم ولكنهم لم يجرؤوا على فعل ذلك. والمرة الثانية انما اغتالوك، اغتالوا محارباً بالسم بغير ميدان القتال، وهو لم يزل يرتدي الزي العسكري، المقاتل بثياب الحرب، لم يخلع مسدسه، وبدلته العسكرية. اختاروا الدسيسة، كما كانوا يفعلون في القرون الوسطى، للتخلص من أعدائهم، بالسم الزعاف، عن طريق الخديعة. بالخديعة وصلوا إليك، وحينما اختاروا نوع السم، اختاروه مبتكراً، لا يكشف، تماماً كما يفكر رجال عصابات المافيا، بالسم النووي "البولونيوم ". لكن بالتناص والمفارقة لم يخطر ببالهم، هذا الترادف في الأسماء "البولونيوم "و"البولونيز"، البولونيز مقطوعات تشوبان البولندي الشهيرة. مقطوعات الفالس الشعرية الحزينة، على البيانو، في الحنين والشوق الى الوطن، ولا زالت تذكي عاطفة الشعوب في أرجاء العالم. لكن شارون يا عرفات لا يحب الشعر. إن كاتيوس لا يحب الشعر. احذر يا يوليوس قيصر. وحتى ذاك البولندي تقاسمت وإياه جائزة نوبل، الذي اعترف في وقت سابق بأسطورتك شمعون بيريس، كان متواطئاً هو أيضاً. لا يملكون روح وإحساس شوبان، ولا روحك يا عرفات. فهل يستطيع شعبك ابد الدهر، نسيان دموع عينيك الأخيرة ؟ وليست ثمة صورة ابدعها خيال اديب أو فنان أو شاعر عظيم، تحاكي أو توازي جمال عاطفتك؟ التي بحتَ بها كانسان، وزوج محب، وأب لزوجتك "أحبك، وأحب زهوة"، وهي كانت زوجة محترمة تستحق هذا الحب، الذي اختلجت به مشاعر رجل وقائد عظيم، استثنائي وغير عادي في التاريخ. وهم حاولوا تشويه صورتها وحتى قبل ايام قليلة اعترف عميل لهم هنا في غزة بأنهم كلفوه بنشر إشاعات عنها، لكن الله أراد ان يخزيهم ويكشفهم، فقد كانت هي من قامت بإزالة ستار الصمت عن مقتلك. وهي زوجة تستحق احترام الفلسطينيين. واليوم نحن يا عرفات، يا أبانا، الشعب الفلسطيني كله في حساب مع القتلة، وقد سقط بعضهم، سقط جورج بوش، وهزمت أميركا، وهي اليوم تستعد لتخرج ويغرب عصرها من الشرق والعالم، دحرت في العراق، ومصر وتونس، وأفغانستان، وسوف تفشل محاولتها العودة من سورية. وسقط شارون بعد اشهر فقط، وها هو حسني مبارك النذل الأكبر الذي صمت عن حصارك وقتلك في المكان الوحيد الذي يستحقه، السجن. ثلاثون عاماً من غياب مصر، تركت يا عرفات وشعبك تقاتل وحيداً من بيروت 1982 حتى رام الله 2004. واليوم مع عودتك، خروجك الأخير من الموت، انما تخرج لترى عالماً كله تغير. وا أسفاه وا حسرتاه لم يسعفك الحظ ان تشهده. لقد انتظرت طويلاً، رجوت، حلمت به لكنه يتحقق بعد موتك. وان هذا هو الشيء الذي يؤسف عليه اليوم. هنا تكمن خسارتنا في غيابك يا عرفات، هنا بالضبط. لكن لا بأس أيها القائد، فانت اليوم تخرج من القبر، كشبح هاملت في الوقت المناسب، لتمسك بهم جميعاً، متلبسين. فهل يستطيع العالم بعد اليوم، ان يغض الطرف والتعامل بمكيالين، رفيق الحريري وأنت؟ وحيث يا عرفات الصراع العالمي على صورة النظام الجديد، هي المسألة الرئيسية على جدول الأعمال. وقد جاءت الدلالات في دعوة وزير الخارجية التونسي، وضع الأمة العربية أمام مسؤولياتها تجاه اغتيالك، ومصر التي احببتها ليست مصر الأمس، وقد جاء وقت الحساب وتسديد الفاتورة. لا صمت بعد اليوم. وحسناً سارع خليفتك أبو مازن، تحريك مطلب الشعب، بفتح تحقيق دولي في القضية. لقد انتصرت يا عرفات في معركتك الأخيرة، ولكن بالمقابل أيضا فان شعبك يريد اليوم تحقيقاً داخلياً لمعاقبة الأداة، الطريقة التي أوصل بها السم إليك، داخل المقاطعة، وهذه مسألة لم يعد ممكناً أو مقبولاً السكوت عنها، لكي يمكن وضع رسم، خط الآن بأن من يرتكبون جرماً بهذا المستوى، لا يمكن لهم ان يفلتوا من العقاب، وهذا التحقيق هو مسؤولية خليفتك الرئيس أبو مازن الذي يجب ان يصر عليه. لقد كسر ستار الصمت، الأقفال الحديدية، التي أريد لها ان تغيب وتقتل بصمت، لكن ها ان الساعة قد أذنت، والأرض بدأت تميد وتخرج اثقالها. من الجامعة العربية، الى الأمم المتحدة تعيد يا عرفات رفع قضيتك على رأس جدول الأعمال العالمي، من مثواك الأخير، تحت الأرض، ما زلت يا عرفات الرقم الصعب، حياً أو ميتاً. وتلك هي ميزة الأشخاص العظام في التاريخ. لكن وا أسفاه ليس بفضلنا، بجهدنا يا عرفات، وإنما بفضل قناة الجزيرة، وأصارحك يا عرفات، إنني قبل اشهر انتقدت هذه القناة، لأني افهم يا عرفات بأنك لو كنت على قيد الحياة، لوقفت ضد إعادة تفكيك سورية، كما وقفت ضد تفكيك العراق حتى لو دفعت ثمناً في حينه. ولكن اليوم وأمام هذا العمل المهني الإعلامي بل والأخلاقي لا ارفع القبعة فقط احتراماً، ولكن أقف تعظيم سلام، لتحقيق ضربة إعلامية سوف تدرس بجميع كليات الإعلام. ولكن هنا حذار نحن الفلسطينيين، خطأ الانحراف عن البوصلة، الهدف. هناك خطأ يصل حد التقصير في التراخي عن كشف الحقيقة، لكن المهمة اليوم هي التقاط السهم، طرف الحبل، لإكمال هذا الجهد، وفقط بهذه الطريقة، يمكن التكفير عن هذا الخطأ، وبذلك تدفع إسرائيل الثمن. وفي التحليل الإعلامي، ربما أرادوا من هذه الضربة الإعلامية، استرجاع صدقية إعلامية، بدا وكأنهم فقدوها، وخصوصاً في تغطية إخبارية، افتقدت الى الموضوعية في غضون الأزمة السورية، ولكن حتى إزاء ذلك لا بأس يا عرفات، اذا كانوا قد احتاجوا قضيتك، شخصك، فلسطين التي هي انت، مدخلاً وموضوعاً لهذه العودة، تثبيت ريادة قناة إخبارية إعلامية كبيرة، كان يؤسف لخسارتها. أما في التحليل السياسي، فكنت لتوجه الأحداث، لو كنت حياً، وجهتها الوحيدة من هنا، كلحظة لاسترجاع الوحدة الفلسطينية انطلاقاً من الإجماع حول رمزها، الجليل والرمز شخصك اليوم يا عرفات . باستعادة التوحد داخلياً والمضي في فتح المعركة، الدبلوماسية القانونية الإعلامية السياسية لتغيير قواعد اللعبة