فاجئني منظرها وكان قد مضى زمن على لقاءنا الاخير حين كانت اقل زينة وأكثر احتشاما. اما اليوم فقد كانت وكأنها خارجه من صالون تجميل وتلبس بنطلوناً يبدو انه أصغر نمره عن المقاس الصحيح لتحشو جسمها -وما زاد عليه الزمن –فيه وتبرز بعض مفاتنها. جلسنا الى طاولة في الشرفة الفسيحة المطلة على البحر ، طلبت أنا أكلا وشربا وطلبت هي كوبا من الماء فقط رغم الحاحي مرددة " انه الرجيم ". بادرتها مجاملا " لم تتغيري بل انك تبدين اصغر مما كنت". ابتسمت وارتاحت اساريرها. عجبت في نفسي كيف الانسان يرتاح الى سماع الإطراء حتى وهو يعلم بكذبه. وانتظرت قليلا لأعرف سبب طلبها للقائي حتى قالت ان زوجها قد اصبح عصبيا ولا يوفر فرصة للنيل منها وانتقادها وحتى امام الأولاد وأحيانا امام الأصدقاء " حتى اصبحنا مضغة على كل لسان" سألتها عما تراه سببا لعصبية زوجها الزائدة فقالت" أنا بصراحه وبما انك دكتور فإني أظن انه الضعف الجنسي حيث اثر ذلك على ثقته في نفسه". واسترسلت تقول" عندما يأتي المساء وتوغل الليالي بنا فإنه يتحول الى التلفزيون ويتجاهلني تماماً إلا اذا اضطر لطلب شيئا يشربه او يأكله و حين أحاول التقرب منه فإنه يضيع الوقت وهو يشرح لي ماذا يحدث في العالم وكيف ان محمد مرسي سينهي حصار غزه وكيف سيسقط بشار الاسد وان اسرائيل في أزمة وجودية تقترب بها نهايتها" قلت مستفسرا" كيف يقول ذلك وإسرائيل أقوى من اي وقت مضى واقتصادها ينمو وتسيطر باللوبي الصهيوني على امريكا وتزيد مساحتها بالاستيطان والفلسطينيون في أسوأ أحوالهم بانقسام وقيادة ضعيفة" قالت " انه يقول ان اسرائيل منقسمة على نفسها بين المتدينين المتطرفين والعلمانيين الذين يصرون على الفصل بين الدين والدولة واحترام القانون والمساواة وان العالم كله يكره اسرائيل لأنها دولة عنصريه وتهدد السلام " وسألتها كيف يفسر زوجها عصبيته فقالت " حين سألته يوماً عن سبب توتره و قضى ساعة ثمينة كان يمكن ان يكون فيها حميما معي لكنه بدلا من ذلك اخذ يشرح كيف ان نتنياهو يستغل انشغال العالم بالمال والانتخابات لتطويع الفلسطينيين لقبول ما يعرضه وهو 60% من الضفة في دولة مؤقتة وان ينسوا القدس وحق العوده. " وان نتنياهو راض عن هذه السلطة لأنها تخدم اسرائيل بالتنسيق الأمني والسكوت على استباحة الارض وكرامة الناس وأنها افضل من روابط القرى لكنها هرمت ووصلت سن اليأس! وهذا ما يشغل نتنياهو الذي يريد ان يجدد شباب السلطة لتستمر على ما هي عليه وتستمر اسرائيل في الاستيلاء على الأراضي" فقلت " وهذا ما جعله يطلب من البنك الدولي مساعدة السلطة في تغطية ديونها ، ولو أتيح له المجال لقام بالبحث عن عطار لتجميل السلطة لتبدو فيها رشيقة و جميلة مع أنها تخطت سن اليأس" . قالت وكأنها لم تسمعني" انني أؤيد رأيه في السلطة ". أيقنت انها تتجنب الحديث عن سن اليأس وتصر ان العلة في زوجها. ربما يكون ذلك صحيحا ولكن ماذا عن زوجها ؟ عدت الى سؤالها ان كان زوجها يعلق على طريقة زينتها او ملابسها و أصدقائها ..الخ؟ فأجابت " لقد كان يعلق على كل شيء ثم توقف فجأة" قلت " ربما يكون قد أصابه اليأس" سألت "اليأس من ماذا؟" فقلت ضاحكا "اليأس منك ومن السلطة" قالت "انه بالفعل يأس من السلطة ومن مفاوضتها مع اسرائيل " ثم بجدية " و يكرر ان العلاقة مع اسرائيل هي مثل زواج قام على الإكراه وان العلاقة محكومة بالفشل إلا اذا اعترف الجاني بجريمته وأعاد المسروقات وأعلن التوبة" فسألتها " ألا يؤمن زوجك بالسلام؟" فقالت ضاحكة " فليبدأ بالسلام معي" قلت " دعينا نتحدث قليلا في موضوع العلاقة مع زوجك وأنا اقترح ان التقي معكما للحديث بصراحة ولإيجاد الحلول" ردت " كما ترى ولكن لماذا نكون سويا؟" قلت" ان الانسان عبقري في خداع نفسه باختلاق التبريرات ولوم الاخرين وإنكار دوره في التسبب بالألم وإسقاط مشاعره السلبية تجاه نفسه على من حوله ولا يمكن التعامل مع كل ذلك الا بالمواجهة الصريحة " قالت " لو سمعك زوجي لأقترح علاجا نفسيا للسلطة وإسرائيل ". فقلت فلنحاول معك وزوجك أولا!!.