في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة بعد الربيع العربي والثورة على أنظمة الحكم المستبدة في المنطقة، تأتي مرحلة تتويج د. محمد مرسي رئيساً منتخباً لمصر، وهي - في الحقيقة - البداية للانفراج وتحقيق الأمن والاستقرار على الساحة المصرية. إن هذا الكسب للثورة المصرية هو - بلا شك - إنجاز للأمتين العربية والإسلامية، كما هو انتصار للقضية الفلسطينية.إن أمن واستقرار مصر ومكانتها المتميزة في منطقة الشرق الأوسط هي مؤشر لتعافي هذه الأمة وأخذ مكانتها بين الأمم.. تاريخياً؛ كانت مصر دائماً رافعة وطنية لقضيتنا وشعبنا، وعنوان انتصار لأمتنا العربية والإسلامية، وعلى حدودها تكسرت موجات الغزاة والبرابرة، وبراياتها تحررت الأوطان وارتفعت الهامات مكبرة.إن التحدي الكبير على أجندة الرئيس المصري الجديد د. محمد مرسي هو الإسراع في عودة الاستقرار إلى مؤسسات الدولة واستتباب الأمن داخل الشارع المصري.. وبتحقيق ذلك، يمكن أن ينتعش الاقتصاد، وتتحرك السياحة، وتمضي عجلة الاستثمار، وتنهض أسواق البورصة وتستعيد مصر هيبتها، وتعيد ترتيب أوراق علاقاتها الإقليمية والدولية، وتصدر المشهد السياسي لقيادة الأمة العربية.إن الذين يراهنون على مصر "الجريحة" عليهم أن يعيدوا حساباتهم، لإن مصر اليوم أشبه بالمارد المصاب بانزلاق غضروفي، حيث يتعذر الاعتماد عليه كلية قبل إجراء العملية والتعافي منها.إن مصر – اليوم - بحاجة إلى دعم اقتصادها، وتنشيط حركة السياحة إليها، وتطوير قطاعها الصناعي، وفتح الأبواب أمام حركة رأس المال للاستثمار في القطاع العقاري والقيام بنهضة عمرانية لاستكمال مشروع القاهرة الجديدة، والتمدد باتجاه سيناء التي تمثل رصيداً استراتيجياً لمصر بموقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية وكنوزها الفرعونية، وبكونها الطريق الوحيد أمام الفلسطينيين للتواصل مع عمقهم العربي والإسلامي وبوابة التبادل التجاري والسياحة الدينية بين العالم الإسلامي وفلسطين.لاشك أن أمام الرئيس محمد مرسي عدة نماذج سياسية بالمنطقة عليه دراستها والتطلع للنموذج الناجح منها، واستبعاد عثرات الفاشل منها. إن هناك ثلاثة نماذج معاصرة تتراوح مشاهداتها بين الاعجاب والحذر، وبإمكان الرئيس محمد مرسي أن يضعها أمامه وهو يخطط لنهضة مصر، للأخذ بعناصر النجاح والتمكين فيها، وتجنب عثرات الفشل منها، وهذه النماذج تحتاج الى الكثير من التمعن والنظر ومراجعة الحسابات، باعتبارها صورة لما سيكون عليه واقع المآلات لمشروع نهضة مصر، وهي:أولاً) النموذج التركي؛ والذي استلزم بروز نجاحاته عشر سنوات من الحكمة السياسية، وفتح الباب للاستثمار الخارجي باعتماد اقتصاد السوق الحر، وتنشيط الحركة السياحية، وتوسيع مسار العلاقات الخارجية والانفتاح على الغرب؛ وخاصة أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، والعمل على تصفير مشكلات تركيا مع دول الجوار، وإظهار قدراتها القيادية في محيطها الجغرافي، وفضاءاتها التاريخية؛ الأورو - آسيوية.لقد احتاج حزب العدالة والتنمية الحاكم (AK Party) لعشر سنوات من العمل الدؤوب ومراكمة الإنجازات، لتصبح تركيا بعدها تتمتع بمكانة اقتصادية مرموقة؛ فهي الدولة رقم 16 على مستوى دول العالم، والعاشرة في الترتيب أوروبياً، وبمعدلات نمو تضعها في الدرجة الممتازة ثانية بعد الصين.. وفي مجال السياسة، غدت الدولة ذات الهيبة والقوة التي يعتمد عليها الغرب في حل مشاكل العالمين العربي والإسلامي، والحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.عشر سنوات من الذكاء السياسي والاستقرار الداخلي، كانت كافية لتشهد معها تركيا ازدهاراً غير مسبوق إلا في العصور الذهبية للخلافة العثمانية.لاشك أن تركيا - بقيادة أردوغان - ستكون هي الخيار المفضل لتطلعات الرئيس محمد مرسي وخطوطه العريضة في رسم ملامح النهضة المرجوة لمصر الثورة.ثانياً) النموذج التونسي، وهو الذي أوجد بعد نجاح الثورة حالة من الانسجام داخل المجتمع بمكوناته السياسية ومشاربه الفكرية المتعددة (الإسلاميون والليبراليون واليساريون)، ونجح - حتى اللحظة - في بناء شراكة وطنية قائمة على التقاسم الوظيفي لمكونات السلطة، بحيث يجد الجميع له دوراً حاضراً وبصمات ظاهرة في عملية التغيير والإصلاح والتجديد، والتمتع بأجواءٍ من الحرية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، واعتماد منطق "المشاركة لا المغالبة" وسيلة للحكم، فلا احتكار للسلطة، ولا تهميش، بل همّة الجميع واسهاماتهم في دائرة القواسم المشتركة التي تبني ولا تهدم.ويمكن كذلك تلمس تجربة الحكم الرشيد في المغرب، والتي يمثلها اليوم حزب العدالة والتنمية "الإسلامي".قراءة هذا النموذج العربي أيضا ستكون – بلا شك - محط نظر واعتبار أمام الرئيس محمد مرسي، وسيتم حقيقة أخذ بعض الاقتباسات منها، وستظهر مع تشكيلة الحكومة الجديدة القادمة.ثالثاً) النموذج الجزائري، وهو الذي غلب عليه - في مطلع التسعينيات - الطيش والتسرع، وغاب فيه صوت العقل والحكمة، حيث تعجل بعض الإسلاميين قطف الثمرة، وعملوا على الاستئثار بالسلطة، فدخلوا في مواجهات مسلحة مع النظام الحاكم، وأدخلوا البلاد في فوضى سياسية وأمنية عارمة، والتي بدورها منحت التيار الاستئصالي داخل الأجهزة الأمنية المبرر لفتح النار عليهم وإخراجهم من الحياة السياسية، واحكام قبضة العسكر على زمام الأمور من جديد، وقطع الطريق أمام الأحزاب الإسلامية من الوصول إلى سدة الحكم لعقود تالية.لقد سمعنا على لسان المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد بديع وآخرين من قيادات الحركة أنهم مدركون لكل ما تعرض له دعاة المشروع الإسلامي، وسيحاولون عدم تكرار أخطاء الآخرين، وأنهم لن يدخلوا في صدام مع المجتمع الدولي، وهذا كلام يعكس نضجاً سياسياً، ووعياً حركياً، مطلوبٌ العمل به دون تردد، بهدف خلق التطمينات اللازمة بأن النظام في مصر، والذي يتصدر قيادته اليوم رئيس ذو انتماء إسلامي، لن يسمح باستحواذ لون سياسي أو فكري واحد عليه، بل سيكون الأمر شراكة مع الجميع، وأن الدولة في مصر ستكون دولة مدنية، وأن الحكومة لن تشكل انقلاباً على علاقات مصر الإقليمية والدولية، بل ستمضي في جهود تحقيق الأمن والاستقرار، والقيام بالإصلاحات الداخلية وتنمية القدرات التي وعد بها الرئيس محمد مرسي لتحقيق نهضة مصر.من حقنا أن نفرح، ولكن!! إن الذي شاهد مظاهر البهجة والفرح داخل الشارع الفلسطيني عشية الإعلان عن انتخاب د. محمد مرسي رئيساً لمصر، يظن أن كل المشاكل والأزمات القائمة والمستشرية في قطاع غزة ستجد طريقها للحل خلال قادم الأيام.. كما أن هناك من يعتقد – جهلاً – بأن قطاع غزة بعد قدوم الرئيس محمد مرسي لن تعاني من نقص الكهرباء وشح المياه الصالحة للشرب، وسيتحول هواءها المزعج برائحته الكريهة التي تزكم الأنوف، جراء تراكم القمامة في الأزقة والطرقات معظم ساعات الليل والنهار، إضافة لطفح المجاري وانسيابها في الأزقة والحارات، أو حتى تدفقها في مسارات مكشوفة باتجاه البحر، لتضيف نكهة مميزة لكل ما تلاحقه عيوننا الكليلة أو يندفع باتجاه خياشيمنا العليلة.في الحقيقة، ليست هذه هي قراءة واعية أو واعدة لمستجدات الساحة المصرية، ولكنها حالة حالمة تصلح لتطيّب الخواطر ودغدغة المشاعر، والتغطية على الأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية الضاربة الاطناب في الضفة الغربية وقطاع غزة .لا شك أننا كفلسطينيين نعاني من ظلم ذوي القربى، ومن غياب النخوة والمروءة في محيطنا العربي والإسلامي، ومن تجاهل المجتمع الدولي واختلال موازين العدل لديه، لذلك، فإننا نجد في هذا التغيير على الساحة المصرية أملاً كبيراً في إزاحة المظلومية عن كاهلنا، لكي يلتقط شعبنا في الوطن والشتات أنفاسه، ويسترد عافيته واستقلاله.من حقنا أن نفرح، وأن نسهر على زغاريد الرصاص وفرقعات البارود، فهذا يوم تاريخي لشعب مصر الثورة، وتدشين لانتهاء زمن التبعية والاستبداد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ويجعلنا كعقلاء لا نبالغ في جرعة الفرح، وأن نحكم مسار الابتسامة فلا تظهر النواجذ بشكل استفزازي، ربما يعكس معه حالة من الجهل والغباء السياسي الذي يسود في تعبيرات البعض وتصريحاته.مصر: المكانة والقدرة والقرارإن مصر هي الضلع الثالث لمثلث القوة الإقليمية التي شكلت تركيا وإيران أهم بعديه خلال العشر سنوات الماضية، حيث ظلت المنطقة تعاني من فراغ سياسي داخل فضائنا العربي حاولت هاتان الدولتان ملئه، للحفاظ على مصالح الأمة في وجه الأطماع الاستعمارية التي مثلتها إسرائيل وبعض الدول الغربية.إن مصر تمتلك كل مقدرات القوة والاقتدار، وبإمكانها أن تقطع مسافة الوصول إلى مستويات نظرائها من دول المنطقة في سنوات قليلة.. إن إسرائيل ظلت عقبة أمام تطور دول المنطقة ديمقراطياً واقتصادياً وعسكرياً، وخاصة مصر؛ لأنها تعلم أن نهضة مصر تشكل تهديداً لتفردها العسكري وهيمنتها على فضاءات الأمن والسياسة بالمنطقة، فنهضة مصر تعني وضع إسرائيل في حجمها الحقيقي ليس جغرافياً فقط ولكن استراتيجياً كذلك.إننا نشعر بأن مصر ما بعد الثورة والربيع العربي، واختيار د. محمد مرسي رئيساً لها، سوف تعيد التوازن في ميزان القوى للمنطقة، والذي كان لأكثر من ثلاثة عقود يميل لصالح الكيان الإسرائيلي الغاصب.إننا لن نعيش تحت تهديدات الإسرائيليين المتكررة باجتياح قطاع غزة، لأن أمتنا وعمقنا العربي والإسلامي لن يسمح لهذه الدولة المارقة مواصلة العدوان والهروب من العقاب، إن صوت مصر الهادر لن يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل وحكوماتها اليمينية المتغطرسة لارتكاب جرائم حرب، وجرائم بحق الإنسانية يدفع ثمنها الفلسطينيون بانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.لقد درجت إسرائيل في الماضي أن تفعل فعلتها بممارسة الحرب والعدوان والتصرف كدولة مارقة فوق القانون.. اليوم؛ المعادلة تغيرت، وأصبح للشارع كلمته، وللأمة حساباتها.مصر التي في خاطري..اليوم، مصر؛ رئيساً وشعباً وحكومة وجيشاً وبرلماناً لن تسمح بأن يتطاول أحد على فلسطين وأهلها، وستفتح ساحات أخرى مع هذا المحتل الغاصب لمواجهة عدوانه وغطرسته عبر المؤسسات الدولية، وسياسات المقاطعة الاقتصادية، واستخدام ورقة ضغط الشارع لتهديد مصالح كل من يقف منحازاً مع هذا الكيان المارق.إن أجواء التفاؤل والفرح التي أظهرتها جماهير الشعب الفلسطيني بعد الإعلان عن فوز د. محمد مرسي رئيساً لمصر إنما تأتي اعتباراتها من خلال هذا الانطباع الذي شكلته الثورة المصرية لموسوعتنا القيمية، وما تحمله من نفسيّة عالية للدفاع عن عزة العرب وكرامتهم، واستعداد غير مسبوق لاستعادة جوهرتهم المفقودة، التي يمثل المسجد الأقصى وأكنافه السليبة مركز القداسة فيها.إن ما نتطلع إليه من إخواننا في جمهورية مصر العربية على المستوى السياسي والدبلوماسي واللوجستي لا يخرج عن الأمنيات والطموحات التالية: 1- التسريع بإنهاء ملف الانقسام الفلسطيني والدفع باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية.2- التأكيد لكل من الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل بأن مصر رئيساً وحكومةً وشعباً تقف خلف الشعب الفلسطيني مناصرة لقضيته، وسوف تحترم كل تحركاته السياسية، وستعمل على توفير كل ما يحتاجه من المشورة والرأي وسبل التأثير لإنجاح مثل هذه التحركات.3- إن الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال والحصار بحاجة إلى رعاية أبوية ومرجعية ذات اقتدار، ومصر الثورة هي الدولة المؤهلة لمثل ذلك، وهي بوابتنا العامرة بالخير للتواصل مع عمقنا العربي والإسلامي، وطريقنا للانفتاح على المجتمع الدولي.4- إننا نتطلع إلى إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الحدودية، لتشغيل العمالة الفلسطينية، وخلق فرص عمل للخريجين الجامعيين.5- العمل على فتح المجال أمام الصادرات الفلسطينية لتأخذ طريقها للأسواق العربية والاوروبية لتطوير القطاع الزراعي وتعزيز صمود المزارعين.6- رفع الحظر عن آلاف الفلسطينيين المدرجين في كشوفات أمن الدولة، والتعاون والتنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية فيما يتعلق بأمن المناطق الحدودية.7- فتح معبر رفح لحركة المسافرين على مدار الساعة، باعتبار أنه المنفذ الوحيد الذي يربطنا بالعالم الخارجي.8- إيجاد منطقة تجارية حرة تصل إلى العريش، بهدف توفير كل متطلباتنا الحياتية، والخروج من دائرة التبعية المذلة للاقتصاد الإسرائيلي.9- استكمال ربط شبكة كهرباء قطاع غزة بالخط الثماني.10- خلق فرص استثمار لرجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع التجارة والصناعة مع نظرائهم في جمهورية مصر العربية.