آخر الجدل حول طبيعة التمثيل الفلسطيني ودون افتتاح مؤتمر تنظيم تجارة الأسلحة في نيويورك، بعد أن احتجت إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي على مشاركة فلسطين في أعمال المؤتمر بصفة دولة والطلب من الأمم المتحدة التي تنظم المؤتمر، أن تشارك فلسطين بصفة مراقب، على أساس أنها ليست دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية، بعدما فشل الفلسطينيون في أيلول الماضي حمل الأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية، وقد تصدت المجموعة العربية برئاسة جمهورية مصر العربية لهذا الطرح بقوة، بل طالبت استبعاد الاتحاد الأوروبي من المشاركة الكاملة في المؤتمر إذا تم استبعاد فلسطين، ذلك أن الاتحاد الأوروبي بدوره، ليس عضواً كامل العضوية في المنظمة الدولية، بل هو يتمثل في الأمم المتحدة بصفة مراقب، أيضاً، ممثل جمهورية مصر العربية أكد أنه إذا لم يكن للفلسطينيين مقعد في المؤتمر، عندها لن يسمح للاتحاد الأوروبي بالمشاركة، أيضاً، وهكذا تأخرت أعمال المؤتمر الذي من المفترض أن يستمر حتى السابع والعشرين من تموز الجاري، والهادف لإعادة تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية لأول مرة في سوق تصل إلى سبعين مليار دولار سنوياً. إسرائيل التي هددت بمقاطعة المؤتمر إذا شارك الفلسطينيون بصفة دولة، تعلم أنها "مطلوبة" للمشاركة فيه، كونها من أكثر الدول التي تصدر الأسلحة التقليدية إلى مناطق التوتر في العالم، من دون أية قيود قانونية أو أخلاقية، حيث تصل أسلحتها إلى كل قوى القمع الرسمية في الدول الدكتاتورية لمواجهة ثورات الشعوب وحركات التحرر، ذلك أن المؤتمر يهدف إلى التوصل إلى معاهدة حول تجارة الأسلحة التقليدية الخفيفة على وجه الخصوص، لما لذلك من تأثير على المدنيين في أوقات الثورات والتوترات الداخلية والحروب الأهلية، هذا هو هدف المعاهدة الأساسي، وبحيث تتم تجارة هذه الأنواع من الأسلحة تحت عين وبصر المنظمات الدولية والقوانين التي تمنع استخدام هذه الأسلحة في مواجهة الشعوب، فالأمر لا يتعلق هذه المرة بالحروب بين الدول أساساً، بل بالحروب الداخلية والتوترات التي تعصف بالعديد من دول العالم، وإسرائيل، رغم أنها ليست من العشر الأوائل في الدول المصدرة للسلاح عموماً، إلاّ أنها من أوائل الدول التي تصدر الأسلحة التقليدية الخفيفة إلى مناطق التوتر والثورات وإمداد قوى القمع والتسلط بأسلحة لمواجهة شعوبها، لذلك، فهي تدرك أن المجتمع الدولي بأمسّ الحاجة إلى مشاركتها في هذا المؤتمر، كونها معنية بنتائجه والتزاماته. المؤيدون للموقف الإسرائيلي، شككوا في أسباب تصدي جمهورية مصر العربية للموقف الإسرائيلي، بالقول إنها من كبريات الدول التي تستورد أسلحة القمع، وموقفها هذا يهدف إلى محاولة إضعاف المعاهدة، وبحيث لا تتضمن معايير صارمة في مجال حقوق الإنسان وتستغل القضية الفلسطينية عبر تأخير انعقاد أعمال المؤتمر، إلاّ أن تأكيد مصر على إمكانية استبعاد المشاركة الفلسطينية، في حال استبعاد الاتحاد الأوروبي، يشير إلى عقم هذا التفسير، إذ أن المجموعة العربية بقيادة مصر، تهدف إلى منح فلسطين دورها الطبيعي في المؤسسات الدولية، بالضبط كما نجحت في الحصول على عضوية منظمة اليونسكو في تشرين أول الماضي. فكرة هذا المؤتمر الهادف إلى التوصل إلى معاهدة تنظم تجارة الأسلحة التقليدية الخفيفة برزت عام 2006 عندما لوحظ من قبل منظمات المجتمع المدني الدولية، أن ملايين البشر حول العالم يعانون يومياً من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لتجارة الأسلحة التي لا تخضع لأي قانون والاتجار غير المشروع بالوسائل القتالية الخفيفة، ما يشكل تهديداً خطيراً للإنسانية ويؤدي على تحويل الموارد المالية بعيداً عن أهداف التنمية البشرية وأنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية ويقوض أساس الحياة الإنسانية والاستقرار، واللائمة في هذا السياق لا يجب أن تتوجه فقط إلى مورّدي هذه الأسلحة، ولا إلى تجار السوق السوداء، بل أيضاً، إلى الأنظمة الحاكمة، فكل هذه الأطراف الثلاثة شركاء فيما وصلت اليه حال الإنسانية على هذا الصعيد، من هنا، ومنذ العام 2006، بدأ التفكير بسن معاهدة دولية تهدف إلى وقف الاتجار بالسلاح الخفيف والتقليدي بدون ضوابط قانونية وأخلاقية محددة، تضع التزامات جدية على مختلف هذه الأطراف للحدّ من مخاطر وتهديدات استخدام هذه الأسلحة في مواجهة مع المدنيين. الدول الخمس الكبرى أعضاء مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، تعتبر المورّد الأساسي للعالم بكل أشكال الأسلحة، وتعود عليها هذه التجارة بفوائد اقتصادية عالية، إلاّ أن تجارتها الأساسية في هذا المجال، تتعلق أساساً بالأسلحة التقليدية الثقيلة والأسلحة غير التقليدية، من هنا يمكن تفهم جدية هذه الدول في التوصل إلى معاهدة تنظم تجارة الأسلحة الثقيلة وغير التقليدية من الصعب الوقوف عليها وتحديد مساراتها، في حين أن هناك إمكانية أفضل لتتبع مسار الأسلحة الخفيفة الخاصة بقمع الثورات والحركات الشعبية، إذ إن هذه الأسلحة تظهر في معارك الشوارع والميادين داخل المدن والأرياف وتغطي فاعليتها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وحتى الجمهور نفسه، من هنا يأتي مثل هذا القانون في اطار معاهدة خاصة بالأسلحة التقليدية الخفيفة وجدية كبريات الدول المصدرة للسلاح على إنجاز هذه المعاهدة. وإذا كان الإعداد لمثل هذه المعاهدة قد بدأ منذ ست سنوات، إلاّ أنه من دون شك أن مشهد ثورات "الربيع العربي"، وتصدي أنظمة الحكم والطغمة العسكرية لثورات هذه الشعوب، ومشاهد الاشتباك بين قوى الأمن المختلفة والجماهير، قد شجع على ضرورة الإعداد الجيد لمثل هذه المعاهدة، خاصة وأن المشهد الدامي في سورية، يدفع باتجاه وضع القوانين الناظمة لكيفية استخدام هذه الأسلحة، رغم أن النظام السوري، تجاوز استخدام الأسلحة الخفيفة ضد ثورة شعبه إلى الأسلحة الثقيلة. وليس من المحتمل أن يشمل الإعداد لهذه المعاهدة، استخدام إسرائيل لشتى أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة على حد سواء، لمواجهة انتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، إذ إن التركيز في هذا السياق، سيبقى في إطار تصدير الدولة العبرية للأسلحة الخفيفة الى مناطق التوتر والثورات في العالم.