خبر : المؤسسات الأهلية بين الإسقاط الذاتي والرويبضة..سمير زقوت

الثلاثاء 03 يوليو 2012 11:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
المؤسسات الأهلية بين الإسقاط الذاتي والرويبضة..سمير زقوت



طالعت على وسائل الإعلام مقال للسيد بسام زكارنة يشن خلاله هجوماً غير مسبوق على المؤسسات الأهلية الفلسطينية وهو مقال يتجاوز النقد الموضوعي إلى القدح والذم والتشهير والتخوين وهو يخالف أبسط معايير العلم والكتابة من حيث تعميمه ما يطلقه من اتهامات ليس لها من سند تصل حد الاتهام بالعمالة والفساد. استفزني المقال ليس من منطلق الثأر للمؤسسات الأهلية ولكن لعدة أسباب أولها الاتهام بغير سند وتعميم الاتهام الذي يمس بسمعة فئة لها مكانتها المرموقة في المجتمع الفلسطيني، ما استفزني أن من يتهم هو محسوب على سلطة تثبت صباح مساء انتهاكها للقانون في إدارة الشأن العام الداخلي، كما تثبت فشلاً في إدارة الشأن الوطني منذ أوسلو وإلى يوم الناس هذا. وقبل أن استرسل في الاستعراض دائماً أؤكد أن المؤسسات الأهلية وموظفيها ونشطائها هم من طينة هذا المجتمع وبالتالي قد يكون من بينهم من هو فاسد أو مرتشي أو حتى مرتبط مع الاحتلال، والسيد زكارنة يعلم أن ضباطاً وبرتب عالية ثبت ارتباطهم وتعاملهم مع الاحتلال وأن مسئولين وقيادات في بعض الفصائل وفي مؤسسات منظمة التحرير ثبت ارتباطهم وتخابرهم لصالح دولة الاحتلال بما فيهم أشخاص مهمين، ومنهم من عمل سنوات طوال لصيقاً بالرئيس الراحل عرفات، ويكفي ما يثار من شكوك مبنية على معطيات حسية حول تصفية الراحل أبو عمار وما جرى تداوله من تهم كيلت لمسئولين كبار في السلطة حول التواطؤ أو الاشتراك في تسميم الراحل، وهي تهم جاءت من مسئولين كبار في السلطة ومنظمة التحرير كما أنها لم تكن تهماً جزافيةً كاتهامات زكارنة، ومع ذلك فلا يمكن لأحد أن يأخذ حالة هنا أو هناك أو حتى مجموع حالات ليشكك في وطنية الكل ويتهمه بالخيانة. كما تجدر الإشارة إلى أن النقابات المهنية الفلسطينية المختلفة ومن قبلها الاتحادات الشعبية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير في سوادها الأعظم هياكل مفرغة من أي محتوى مهني، وهي مؤسسات عملت على توفير شرعية شعبية للقيادات السياسية المتنفذة عبر العقود التي مضت لدرجة أهملت فيها بالكامل مصالح الفئات الاجتماعية التي تمثلها، بل أن اتحاد النقابات العمالية لاحق وعمل على إفشال نشاطات اللجان العمالية التي كانت تسعى لإثارة قضيتي البطالة والفقر المستشريتان في صفوف العمال، لأن الهيئات الإدارية في أغلب هذه النقابات والاتحادات أعضاؤها مفرغون على درجات عليا على كادر السلطة ووزارتها المختلفة الوظيفي ولذا لم تعد مصلحة هذه الهيئات في مواجهة السلطة الحاكمة وانتزاع حقوق أعضائها الطبيعية. أما حول دور منظمات المجتمع المدني الفلسطينية ونشاطاتها المختلفة وارتباطها بأجندات تمويلية، سأحاول أن أفند كل موضوع على حده على النحو الآتي: الدور والنشاطات:تتنوع اختصاصات ومجالات عمل منظمات المجتمع المدني الفلسطينية وخاصة المؤسسات الأهلية منها، ويتراوح الدور بين مؤسسات إغاثة ومؤسسات تنموية وأخرى ثقافية اجتماعية ومنظمات تعنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان. فعلى الصعيد الإغاثي لا أعتقد أن عاقلاً يعيش في الأراضي الفلسطينية ويحترم نفسه (بمعنى ليس مدفوعاً بثأر شخصي أو سياسي) يمكن أن يتجاهل دور المنظمات الأهلية الوطني والمجتمعي، الذي سبق تأسيس السلطة نفسها وكانت الحالة الفلسطينية في هذا السياق فريدة من نوعها. كما أعتقد أنه مدعِ من يتجاهل كم المساعدات الإغاثية التي قدمتها المؤسسات الأهلية ذات الطابع الغوثي، بل أكثر من ذلك لا يعدو كونه حاقداً أو جاهلاً في أحسن الأحوال من لم يلمس سرعة وصول هذه المؤسسات للضحايا التي فاقت بكثير قدرة المؤسسة الحكومية ببيروقراطيتها، وقدمت الغذاء والدواء والخيام والفراش لمن هدمت منازلهم على محتوياتها وبلسمت جراحهم. وليس خافياً بل هو معلوم لدى وزارات الحكومات الفلسطينية المتعاقبة كم المساعدات الإغاثية التي قدمت للمزارعين وهي مساعدات عينية كخراطيم مياه الري وخزانات المياه وأشتال الأشجار المتنوعة وتجهيز برك المياه للمزارعين ممن جرفت مزارعهم بل وتقديم حيوانات وطيور للمزارعين ليس فقط المنكوبين بل والفقراء لتعزيز قدرتهم على تأمين مصدر رزقهم بأنفسهم كجزء من سياق المشاريع التنموية التي طالت عشرات آلاف المشاريع الصغيرة التي قدمتها المؤسسات الأهلية للنساء سواء في مجال الخياطة أو تربية الحيوانات أو غيرها ناهيكم عن عشرات آلاف الحصص من المساعدات الغذائية للعائلات الفقيرة والمهمشة. كما أن جزء مهم من المؤسسات تلعب دور جوهرياً في رعاية أسر الشهداء وكفالات الأطفال الأيتام. أما فيما يتعلق بالجمعيات ذات الطابع الثقافي التي تسعى لإحياء التراث وتشجّع على الإبداع في المجتمع الفلسطيني فهي مؤسسات لعبت دوراً جوهرياً في مواجهة محاولات إسرائيل المحمومة لتزوير وسرقة موروثنا الثقافي بدءاً بالزي الشعبي الفلسطيني والذي كان لسنوات زياً لمضيفات طيران شركة العال الإسرائيلية مروراً بتزوير حتى أكلاتنا الشعبية وتصويرها على أنها إسرائيلية. ولايمكن تخيل حجم التضليل بادعاء تخلي المؤسسات الأهلية عن واجب ملاحقة الاحتلال عن جرائمه المرتكبة بحق شعبنا والدفاع عن الأسرى، وأعتقد أن السيد زكارنة في أحسن الأحوال لا يدري أن الدفاع عن الأسرى والمعتقلين وتكليف محامين بالدفاع عنهم مجاناً هو نشاط ابتدعته منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية. وهي من ضغط قبل سنوات على وزارة الأسرى لتضطلع بدورها في حمل عبء هذا الملف بالشراكة معها وعدم ترك الأمر على كاهلها وحدها كما كان الأمر في السابق، وهو نشاط وخدمة مستمرة منذ عشرات السنين ولم تنقطع يوماً، كما أنها من يتصدى لفضح قوانين كالمقاتل غير الشرعي وشاليط وإظهار فشل المحاكم الإسرائيلية في تحقيق العدالة وعنصريتها وتمييزها ضد الفلسطينيين. كما أنه يجهل أن تلك المؤسسات عملت بشكل دؤوب إبان العدوان على غزة في مساعدة ذوي المفقودين بالتحقق من عدم اعتقالهم على أيدي قوات الاحتلال وطمأنة ذوي من هو معتقل وتبني قضيته. وهي اليوم من يثير قضايا الجدار ومصادرة الأراضي وإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة والملاحقة شبه اليومية للصيادين وهي من أبرز ابتزاز قوات الاحتلال للمرضى ومساومتهم مقابل السماح لهم باجتياز حاجز بيت حانون والوصول إلى المستشفيات الفلسطينية في الضفة أو داخل إسرائيل. كما أميل إلى الاعتقاد أن السيد زكارنة لا يعرف أن كل الدعاوى التي رفعت حول العالم ضد قيادات إسرائيلية باتهامهم كمجرمي حرب والتي كان آخرها تلك التي رفعت ضد باراك، وتسيفي ليفني في بريطانيا كانت من فعل المنظمات الأهلية الفلسطينية. كما يجهل السيد زكارنة أن كل لجان التحقيق التي قدمت للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية وجدت تعاوناً كاملاً ووجدت توثيقاً مهنياً ساعدها على الوصول إلى خلاصات في مجملها ادعت بارتكاب  قوات الاحتلال  لجرائم حرب. كما لا يعرف أن من عرقل العمل الدولي لمتابعة توصيات لجنة التحقيق الأخيرة على غزة إبان نظرها من قبل مجلس منظمات حقوق الإنسان كان سلطتنا الوطنية. كما لا يعرف أن السلطة وحكوماتها المتعاقبة تستفيد من معلومات وبيان المؤسسات ذات العلاقة بشكل دائم. والغريب أن هجوم زكارنة يتقاطع مع الحملة المحمومة التي تشنها الحركة الصهيونية العالمية وإسرائيل في محاولتها ملاحقة المؤسسات الأهلية الفلسطينية وحتى الإسرائيلية وتجفيف مصادر تمويلها. وهناك مؤسسات إسرائيلية تعنى بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وهي تدار بالطبع من إسرائيليين أو عرب وتشغل فلسطينيين من سكان الضفة والقطاع، لا أدري إذا كانت هذه هي المؤسسات التي يقصدها السيد زكارنة ومع ذلك حتى هذه المؤسسات تقدم خدمات جليلة للضحايا الفلسطينيين وتتصدى للدفاع عن حقوق المرضى والمعتقلين وهي جديرة بالاحترام والتقدير فمنظمة أطباء لحقوق الإنسان –  فرع تل أبيب لا تكتفي بمساعدة المرضى على الوصول إلى المستشفيات بل تحضر وفود طبية إلى قطاع غزة محملين بالأدوية والمستلزمات بما فيها مفاصل صناعية وغيرها ويجري الأطباء عمليات هنا. ومؤسسة الجسر تدافع وتنتزع حق المئات في الحركة والتنقل سواء من المرضى أو لأفراد الأسر المشتتة بين الضفة والقطاع ولا أريد أن استفيض في دور عدالة في الدفاع عن حقوق الأقلية العربية داخل إسرائيل وفي الدفاع عن ضحايا حصار غزة من صيادين وماشابه. وفي الخلاصة لقد جعلني ماورد في مقالة السيد زكارنة من تهم فساد لاستحضار لقاء جماهيري كنت طرفاً فيه مع ممثل عن وزارة الداخلية، قال فيها أن ملفات المؤسسات الأهلية الفاسدة مكومة على مكتبه فقلت له هذا يعزز ذاك لولا أنك فاسد ولولا أن وزارتك وحكومتك تشجع الفساد لما تكدست الملفات وفق ادعاءك. التمويل وشروطه:تتنوع مصادر تمويل المؤسسات الأهلية الفلسطينية فمنها من يستند على تمويل أجني حكومي وغير حكومي أو تمويل عربي أو إسلامي، أو تمويل من مؤسسات ألأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كمكتب المفوض السامي واليونسكو وبرنامج الغذاء العالمي ...الخ وينقسم التمويل إلى نوعين تمويل دائم للمؤسسة وتمويل لمشاريع بعينها، وهذا التمويل هو مرهون بتنفيذ البرامج والأنشطة ويوضح أوجه الصرف ومعاييرها وهو يشترط خضوع المؤسسة لتدقيق الحسابات من مدقق داخلي وخارجي، والتقارير المالية والإدارية ترفع ليس فقط للممول بل ولوزارات السلطة المختصة، وأبعد من ذلك عشرات المؤسسات تنشر تقاريرها على مواقعها الإلكترونية، ومع ذلك السواد الأعظم من المؤسسات الأهلية ولاسيما الكبيرة منها تقدم مشروعاً هي من أعده من الألف إلى الياء بما في ذلك الأهداف العامة والخاصة والنشاطات وكل التفاصيل، وبالتأكيد فإن هذه الأهداف ترتبط بالمجتمع الفلسطيني وواقعه وقد تتوافق مع توجهات المانحين في جوانب عدة، حيث أن التمويل منذ سنوات تقدمه الدول على أساس قطاعي فهي تمول قطاع الزراعة الحكومي على سبيل المثال وقطاع الزراعة الأهلي، كما تمول قطاع الصحة الحكومي والأهلي، والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة ...الخ وعلى مدى السنوات المنصرمة أنشأت مؤسسات كإتلاف للمانحين لمنع إزدواجية التمويل وهي في الوقت الذي تشكل قيوداً على عمل بعض المؤسسات إلا أنه بالقطع تحول دون قدرة ممول أو دولة على فرض أجندة ما على المؤسسات الأهلية بالنظر لأن المشاريع والتقارير تقدم لمؤسسة موظفيها في أغلبهم من العرب الفلسطينيين. بل إن بعض المضايقات التي تقع على عمل المؤسسات الأهلية الفلسطينية في الضفة والقطاع فتحت المجال أمام مؤسسات دولية لتحل محل المؤسسات الأهلية في تقديم الخدمات المختلفة وهذا أمر كان حري بمن يعقل أن يواجهه ويدافع عن وجود المنظمات الأهلية التي وفرت عوامل صمود للمجتمع الفلسطيني قبيل تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية بدل من أن يتم استبدالها بمؤسسات دولية. والغريب أن زكارنه يتجاهل أن الحملة التي واجهت شروط الوكالة الأمريكية (USAID) التي عرفت بوثيقة الإرهاب، كانت من منظمات أهلية فلسطينية رفضت التوقيع وأثارت حملة ضد الخطوة وهي تعاني ولم تزل من نقص في تمويلها فيما مؤسسات رسمية وشبه رسمية وقعت على الوثيقة التي يعد مجرد التوقيع عليها مخالف للقانون الفلسطيني الذي يحظر التمويل المشروط. وإذا كانت المعادلة تعني أن من يمول مؤسسة أو جهة فإنها بالقطع عميلة له، فلك أن تتخيل يا سيد زكارنة أن تجري قياساً وتنظر في تمويل الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ تأسيسها لتكتشف أنها تموَّيل من أجهزة استخباراتية عالمية، فهل يعني ذلك أنها مؤسسات عميلة وأن جل أفرادها وقياداتها عملاء، أنا بالرغم من كل الانتقادات التي قد توجه للأداء أربأ بهم عن هذا الاتهام ومنهم قيادات كبار دفعت ضريبة الدم في الدفاع عن القضية الوطنية. وألفت إلى أن كثير مما يشاع عن امتيازات ورواتب العاملين في المؤسسات الأهلية على أنها خيالية، هو أمر مجاف للحقيقة بل إن القطاع الأوسع منهم لا ترقى مرتباتهم لمرتبات صغار العسكريين من موظفي السلطة الوطنية، ناهيك عن مكافأة نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي، وإذا ما قورنت سنوات الخدمة وخبراتهم ومهاراتهم فهم لا يحصلون على ربع الرواتب التي تقدمها المؤسسات الدولية، وبعضهم يشغلون مناصب مهمة في مؤسساتهم ولأكثر من اثنتي عشرة سنة لا زالوا لم ينتهوا من تسديد ديونهم المترتبة على شراء شقة بعد هذه السنوات، ويجري التعامل على أن تلقي الراتب بالدولار يعني أن الراتب بآلاف الدولارات. وأجزم أن معظم مدراء المؤسسات لا يتمتعون براتب أي وزير أو كيل وزارة أو نائب في البرلمان بل لايتلقون رواتب مدراء من الفئات المختلفة، هذا ناهيك عن تمتع كبار موظفي السلطة بنثريات وغيرها من المصروفات التي تفوق رواتبهم. كما أن بعض أعضاء مجالس الإدارة في مؤسسات أهلية وإلى يومنا هذا لا يقتصر دورهم على تقديم جهد طوعي بل يسهمون من جيوبهم في تسديد إيجار مقرات مؤسسات أهلية لا يتربحون ولا يستفيدون منها بأي شكل من الأشكال، ولكن المبالغة والتضخيم ومحاولات النيل من دور ومكانة المنظمات التي صارعت ولم تزل من أجل الفقراء والمهمشين والضحايا وخاضت صراعاً قاسياً مع الاحتلال كما تخوض صراعاً قاسياً على الجبهة الداخلية فيما يتعلق بالحريات وسيادة القانون، وعليه فليس غريباً أن تكون هذه المؤسسات على الدوام عرضة لمحاولات التشويه والنيل من مكانتها وسمعتها وسمعة العاملين فيها. وأخيراً هذا مقال في الرد ليس هدفه النيل من صاحب مقال التشهير والقدح والذم بقدر ما هدفه توضيح الحقيقة، لأننا في زمن الرويبضة، فعلينا أن لا نصمت عندما تشوه الحقائق، وأن لا نسمح للبعض في إسقاطات ذاتية يجري تعميمها على طيف واسع من المجتمع وأنا أعتذر سلفاً من المنظمات الأهلية الفلسطينية لأنني لم أتمكن من استعرض دقيق وواسع لنشاطاتها ودورها الوطني لأن ذلك يحتاج إلى كتب وإنما هدفت إلى تفنيد ما ورد في المقال من إسفاف ومهاترات يعاقب عليها القانون وتشوه الواقع أمام من ليسوا على معرفة أو تماس بعمل هذه المؤسسات ودورها المجتمعي والوطني الرائد والتي حققت نجاحات ولم تزل في الانتصار للقضية الوطنية ومحاصرة إسرائيل في كل منبر أو محفل متاح لها.