قرار في محله، الذي اتخذته القيادة الفلسطينية، والرئيس محمود عباس برفض اللقاء الذي كان سيتم يوم أمس، بينه وبين نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ورئيس حزب "كاديما" الجنرال شاؤول موفاز. كان موفاز قد راهن، حين وافق على الانضمام للائتلاف الحكومي، على أنه سيسعى لاختراق العزلة الدولية التي تعاني منها إسرائيل، حتى اعتقد البعض أنه يحمل مشروعاً لتحريك عملية السلام، غير أن الأغلبية الساحقة من المراقبين السياسيين، لاحظوا أن انضمام "كاديما" للحكومة، قد وفر الفرصة لتصاعد احتمالات الحرب في المنطقة، وأن موفاز انضم إلى ائتلاف قائم وعلى أساس البرامج والمواقف والسياسات التي قام عليها الائتلاف الأساسي.فمنذ انضمام حزبه إلى الحكومة، لم يطرأ أي جديد إيجابي على سياستها، سوى المزيد من المناورات، والتضليل، والمزيد من البرامج والعطاءات الاستيطانية في القدس، وفي مختلف أنحاء الضفة الغربية على نحو لا يترك مجالاً للشك في أن "كاديما" قد انضم لتعزيز سياسة رفض السلام ولفرض "السلام" الإسرائيلي الذي لا يعترف بإمكانية قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ العام 1967.وفي الواقع، لم يتسرّب الكثير عما كان سيحمله موفاز في جعبته للرئيس الفلسطيني، يمكن أن يؤدي إلى تحقيق اختراق في موضوع استئناف المفاوضات، رغم ما تركته التصريحات الفلسطينية من ثغرات في جدار موقفها الأساسي برفض المفاوضات قبل توقف الاستيطان في أحسن الأحوال كان موفاز سيحمل رزمة من الإجراءات التي توصف بأنها لبناء ثقة، لم يعد بإمكان إسرائيل استعادتها، إذ انها ليست المرة الأولى التي تقترح فيها إسرائيل مثل هذه الإجراءات التي تستهدف فقط تأكيد الادعاءات الإسرائيلية بالمرونة، ولإلقاء المسؤولية عن فشل المفاوضات على الطرف الفلسطيني.من غير المعقول والممكن أن يكون لدى موفاز، أو غيره من أرباب السياسة الإسرائيلية، ما يؤدي إلى إحياء الأمل باستئناف المفاوضات، وإنجاح العملية السياسية، فيما الجيش الإسرائيلي يطلب زيادة موازنته بنحو خمسة عشر مليار شيكل، أي ما يوازي أربعة مليارات من الدولارت، وذلك لمواجهة احتمالات تطور الأوضاع في مصر، نحو التوتر.طلب الجيش الإسرائيلي، لا علاقة له، بالمحاولات السابقة، التي كانت تستهدف زيادة الموازنة من أجل تأكيد دور الجيش الحاسم في الحياة السياسية الإسرائيلية، بقدر ما أنه يعكس قلقاً إسرائيلياً حقيقياً إزاء تطورات السياسة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي، وما قد ينجم عن ذلك، من تغيير يطال اتفاقية كامب ديفيد، ويطال دور مصر في المنطقة على نحو يتناقض مع المصالح والسياسات الإسرائيلية. وعلى الأرجح، أن الرئيس محمود عباس، وأركان القيادة الفلسطينية على دراية تامة، بما يمكن أن يحمله موفاز، وبالمزايا التي يمكن لإسرائيل أن تحققها في حال وقع اللقاء، ولكن القيادة الفلسطينية كانت بحاجة إلى الذريعة التي تتسلح بها لرفض اللقاء.لهذا جاءت الاحتجاجات التي وقعت في الضفة، وصدرت عن أكثر من طرف فلسطيني، لتشكل المخرج، الذي يوفر للقيادة الفلسطينية الفرصة لرفض اللقاء، وكان ذلك بعد المرات القليلة جداً، التي تستجيب فيها القيادة الفلسطينية لآراء، واتجاهات ومواقف الشارع الفلسطيني. يؤكد ذلك القرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل يوم واحد من اللقاء الذي لم يتم، ويقضي بحمل ملف الاستيطان إلى مجلس الأمن الدولي، ولكن ليس بهدف مناقشته على نحو شامل، وإنما فقط للمطالبة بوقف الاستيطان.وبغض النظر عما إذا كان الفلسطينيون سينجحون في الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي، أم أن الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو، فإن الخطوة في حال اتخاذها فعلياً، تنطوي على أهمية ذلك، انها تؤكد يأس الفلسطينيين من عملية السلام، كما تؤكد نهجاً وتوجهاً لا يزال يحتاج إلى إرادة فلسطينية قوية، لاعتماده، وهو نهج اللجوء بكافة ملفات الصراع إلى ساحة الأمم المتحدة.ما نخشاه، هو أن تتدخل الإدارة الأميركية مرة أخرى وبشكل فاعل، وعبر مزيد من الضغوط المالية، لتحويل قرار اللجنة التنفيذية إلى مجرد شعار ودعوة عامة مثلما يحصل في موضوع حمل ملف مكانة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، الذي لم يتحرك حتى الآن قيد أنملة.ومن الواضح أن الإدارة الأميركية التي لا تتوقف عن تقديم المزيد من المكافآت، ورسائل الاسترضاء لإسرائيل من أجل شراء الصوت اليهودي، هذه الإدارة، تحاول إشغال الفلسطينيين بمناورات تستهدف تقطيع واستهلاك الوقت، حتى لا تذهب بملفاتها إلى الأمم المتحدة، قبل أن تظهر نتائج الانتخابات الرئاسية.ونعتقد أن القيادة الفلسطينية تتفهم المساعي الأميركية، سواء عن قناعة أو رغماً عنها، ولذلك فإنها تمتنع عن اتخاذ قرارات، واتباع سياسات يمكن أن تحرج الإدارة الأميركية، أو تسبب إزعاجاً شديداً للحكومة الإسرائيلية، التي لن تكف عن مواصلة مناوراتها التضليلية وكان من آخرها، الاقتراح الذي قدمه نتنياهو بالإفراج عن خمسة وعشرين أسيراً فلسطينياً مقابل موافقة الرئيس على إجراء لقاء معه.الكل إذاً من موقعه وبطريقته يمارس دوره في لعبة استهلاك الوقت، على خلفية الإدراك، بأن ما تبقى من هذا العام، لن يشهد تطورات دراماتيكية على صعيد التسوية، وأن من الأفضل عدم تغيير الواقع القائم بما له وما عليه.