خبر : المصالحة المنسية .. مصر , وسحر المستقلين !! ..د.غازي حمد

الأربعاء 27 يونيو 2012 01:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة المنسية .. مصر , وسحر المستقلين !! ..د.غازي حمد



                                         (1) المصالحة المنسية        عادت المصالحة سيرتها الاولى !! وبدا انها تتملص تملص الزئبق, وتهرب بعيدا,وللمرة العاشرة , تحت ذرائع ومسميات كثيرة ... أوصلوا الماء الى الافواه العطشى ثم سكبوه على الأرض, رفعونا الى السماء ثم هووا بنا الى قاع الارض. ها نحن نتحول- كرها- الى "حقل تجارب" لحالات المد والجزر , ونجرى وراء سراب , ونلهث خلف اماني ووعود واتفاقات وتفاهمات ولقاءات وتصريحات دون جدوى . بعد خمس سنين "عفنا" المصالحة لأنها ليست حقيقة , (مثل العروس الروسية) , ولأنها ارهقتنا واستنزفتنا على رصيف الانتظار الطويل .. يتمتع البعض ويتلذذ  بعذابات الشعب بتمديد حالة الانتظار  وتأييسه من ألمصالحة ؟ . لقد احترنا في فهم اسباب عدم تحقق المصالحة : هل هو الخوف من ضياع المكتسبات والمنجزات ..ام هو الانتظار للتحولات في المنطقة ... ام هي الضغوط الخارجية ..ام هي الثقة المعدومة  .. ام هو العجز وغياب الارادة  ام .. انها كلها مجتمعة ؟؟؟  لكن النتيجة معروفة : المصالحة لم تتحقق.مخطئ من يظن ان المصالحة ستصب في جيب احد او تنقص من جيب احد.. ومخطئ من يظن ان المصالحة فيها ضرر ولو بنسبة 1% .. .هذه نظرة قاصرة جدا بل ومدمرة ومضيعة لمصلحة كبيرة وعظيمة , والأخطر حين يتم تقييم وتقدير المصالحة ضمن حسابات ومصالح حزبية فقط . لو تأمل الجميع بنظرة فاحصة وعميقة لوجد انه سيربح من المصالحة (اذا قامت على اسس وقواعد صحيحة ومتينة), لكن من يربطها ببعض الانجازات والمكتسبات المحدودة فانه يكون قد ارتكب خطأ فادحا وضيع على نفسه خيرا اكبر واعم  .حماس ستكسب الكثير منها / فهي ستنال الشرعية للمؤسسات التي اقامتها , وستخفف القيود السياسية عليها الى ابعد حد , وسترتاح من عبء تحمل تكاليف الحكومة لوحدها , وسيكون بإمكانها معاودة نشاطها في الضفة ورفع الضغط الامني والحظر عليها , وستكون فرصة كبيرة للانفتاح على العالم الخارجي , وأيضا تمكنها من الافادة من الربيع العربي بحصاد اكبر . حماس لن تخرج من النظام السياسي كما يتوهم البعض لانه اصبح امرا مستحيلا وغير قابل للتطبيق  والذين يروجون ذاك ( اخراج حماس من الباب الذي دخلت منه ) انما يخافون من وهم غير موجود , بل يخوفون انفسهم وغيرهم ويضعون انفسهم في قفص حديدي . هؤلاء ينبغي ان تكون لديهم ثقة كبيرة بالنفس انهم قادرون على اعادة صياغة النظام السياسي من خلال شراكة وطنية .ماذا ستخسر حماس من المصالحة؟ قطعا لاشيء.  هل تغيير الحكومة يعتبر خسارة ؟ وهل ستفقد حماس وجودها في النظام السياسي سواء البرلمان او منظمة التحرير ؟ هل ستفقد المكتسبات والانجازات التي صنعتها لتصب في جيب "ابو مازن" ؟. اعتقد انه لا شيء يمكن ان تخسره حماس . قارن "الخسائر" بالمكتسبات (ان صح التعبير) ستجد  الفارق هائل وكبير. الانقسام هو الخسارة الحقيقية والمضيع للمصالح والمستقبل.الرئيس عباس وحركة فتح ربما يكونون متخوفين من قوة حماس ومن "انقلاب" المسار السياسي الذي دأبت عليه السلطة , ومن "تسلل" حماس الى الضفة الغربية واستعادة قوتها وحضورها ,وان حماس "تتلكأ" في المصالحة لانها تنتظر فوز الاخوان وتغير الخارطة السياسية للمنطقة .... وهكذا ندخل في دوامة من التوهمات والتخيلات والافتراضات التي تقتل المصالحة شنقا وبالإعدام !! من هنا يجب ان يتجرد الجميع من الخوف والوهم والتخيلات والنظر الى الحقيقة والواقع (المر) الذي نحياه تحت سطوة الاحتلال .لينظر الجميع كم يخسر من اراضي الضفة وزيادة الاستيطان, وكم يفقد بتهويد القدس وكم يضعف بتفتت الجبهة الداخلية وتمزقها .لم نعد نؤمن بان مصالحة عرجاء شوهاء ضعيفة, تعيش في غرفة العناية المركزة , يمكن ان تبني حاضرا أو ترسم مستقبلا.اذا كانت هكذا فلا داعي لها . وإذا كتب علينا ان نعيش أو نموت على هذا الانقسام فلا داعي لهذا المسلسل اليومي من التنغيص والتنكيد واللعب بالكلمات والمشاعر. هنا شعب لا يحب لأحد ان يضحك عليه او يخدعه , فإما ان تقولوا لنا ( قولا وعملا) ان هناك مصالحة حقيقية جدية جديرة بنا , وإما ان تقولوا لنا انكم ارتضيتم هذا الواقع (.....) , حتى نفهم فدعونا نحمل همومنا ونعيش نكبتنا ونكستنا( كما حملناها 64 عاما) بدون "براويز" وبدون "مكياج" وبدون مسرحيات !!                                        (1)  سحر المستقلين !!          منذ فترة ونحن بانتظار ولادة حكومة جديدة .. سميت بحكومة "الوفاق" , لأننا لم نستطع ان نتوحد او نوجد حكومة "وحدة ", قلنا نهرب من ألوحدة الى " الوفاق", ومن "الفصائلية" الى " المستقلين" , علنا نجد مخرجا من هذا المأزق الذي اوصد كل الابواب . هي الحالة الفلسطينية المتمرسة والمحترفة في سياسة "الهروب الى الامام " و"كنس الزبالة تحت البساط " وترحيل الازمات وطبخ الحصى !!ظاهرة " المستقلين " تشكل حالة عجيبة في المجتمع الفلسطيني . تربطني علاقة متينة بكثير منهم وعملت مع العديد منهم في كثير من القضايا الوطنية والإنسانية. هناك من هو وطني حقيقي ومخلص , وهناك مقتنص للفرص , وهناك محب للظهور والبحث عن مناصب , وهناك من يعيش على هامش الفصائل , يميل تارة يمينا وتارة يسارا . ولذا فان المستقلين لا يشكلون حالة سياسية منظمة منسجمة ذات افكار وأهداف ورؤى واضحة , بل  هم افراد متناثرون , موزعون , كل منهم يحمل فكرا وسلوكا ورؤى مختلفة عن غيره  . في فلسطين حاولوا ان يشكلوا اكثر من تجمع ومنتدى وهيئة, يعزز من وجودهم ويقوي من شوكتهم , لكن دبت فيهم ذات الجرثومة التي تصيب الحياة السياسية الفلسطينية عموما من التنازع والتنافس غير الشريف , وانفض الناس عن بعض رموزهم نظرا لتسلقه او عن اخر لضعفه وقلة حيلته .ظاهرة المستقلين – الى حد كبير - تبدو غير مألوفة في الانظمة الديمقراطية التي  تقوم على التنافس بين أحزاب لها برامج وسياسات ومرشحون، وبالطبع قد يوجد بعض المستقلين، ولكن يكون هذا على هامش الحياة السياسية. ربما يتمتع المستقلون بميزة انه مرضي عنهم  دوليا وأنهم مقبولون على مختلف الاطراف لكن هذا القبول "مؤقت" ومرتبط بمدى تصعيد الازمة بين الحزبين الكبيرين,  مما يجعلهم " معلقين" حسب العرض والطلب !!الاسئلة التي تطرح نفسها بجدية وواقعية:هل يشكل المستقلون بالفعل طوق نجاة للحالة السياسية حال انسداد الافق بين حماس وفتح ؟... وهل يمكن ان يعملوا بمنأى عن تُأثير القوتين الكبيرتين... وهل لديهم الامكانيات التي تؤهلهم لان يسدوا مكان قيادات ورموز الفريقين ويقودوا المرحلة الصعبة نحو الاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي ؟؟ ولماذا لا يبرز دور المستقلين فقط الا في حال تأزم مفاوضات الحكومة  ؟!!.أليس من الغرابة  ان تعطى شهادة " الاستقلالية " من قبل الاحزاب السياسية التي تنتقي ما تشاء بحسب القوائم التي لديها ... هذا مستقل تختاره حماس وذاك مستقل تختاره فتح ... ثم يلتقيان ويبدأ كل منهما في "التنبيش" على جذور وخلفيات المستقلين  لندخل في معركة رائعة وممتعة.. هذا المستقل "محسوب"  على حماس وعمل قديما في مؤسساتها وذاك تخفيه فتح تحت ثيابها ,ثم نكتشف ان لعبة المستقلين تحولت الى مسابقة في الذكاء و العبقرية  وفتح الدفاتر القديمة!! اليست هذه لعبة مملة ومسرحية ممجوجة لا تبني نظاما ولا حكما سويا ؟.  ليس معني هذا كله انني ضد فكرة المستقلين( التي هي ظاهرة طبيعية في كل النظم السياسية) او ضد تبوئهم مناصب وزارية  لكني ضد الطريقة والأسلوب الذي تدار به الامور, لقناعتي انها تقود الى حكومة ضعيفة مقيدة بالاستقطاب السياسي ومحكومة بالهيمنة الفصائلية التي لا يمكن ان تتخلى بسهولة عن دفة القيادة .لندخل في صلب واقعنا : يوم ان تصل المفاوضات او الحوارات بين حماس وفتح الى طريق مسدود  سرعان ما يهرعون الى " المستقلين , يقولون لهم :" في عرضكم " انتم الملاذ والانقاذ... لقد فشلنا على مدى سنوات الانقسام في تشكيل حكومة من ال 15 فصيلا .. وصلت الثقة بيننا الى حالة من الانهيار .. وقد قررنا ان نتخلى عن كل شيء من اجلكم ...نتنازل عن الحكومة ونتائج الانتخابات ... اننا نريدكم ان تقدموا حلا لمشاكلنا ... !!.هكذا تهرب حماس وفتح ( رغم علمي انهم غير مقتنعين ومجبرتين على سلوك هذا الممر الاجباري) من مشاكلهما لتلقيها في حجر "المستقلين " , الذين يتملكهم الشك والتوجس ان كانوا قادرين على حمل اعباء المرحلة القادمة وتحمل افرازات وتداعيات الانقسام , وان  كانوا بالفعل قادرين على تجاوز الوقائع التي فرضتها كلا الحركتين في الضفة وغزة ,, وهل ستكون لديهم الجرأة لإحداث تغيير او تطور هنا او هناك؟ ام انهم سيقعون تحت سيف الاستقطاب وسيحسبون الف حساب لكل خطوة , وبالتالي سيقدمون رجلا ويؤخرون اخرى اذا ما قرروا القيام بأمر ما .الحالة الفلسطينية هي حالة "مسيسة " و"محزبة" وغالبا ما تحتكم الى هذين المعيارين , واعتقد ان المستقلين سيواجهون عنتا كبيرا اذا ما حملوا وحدهم مسئولية الحكم , لذا مهم من المهم الا تخلو الحكومة من شخصيات "حزبية " تحفظ للحكومة توازنها وقوتها في الشارع وتستطيع ان تواجه اي اشكاليات قد تحدث في حال تغيرت الموازين غدا .                                                  (2) غزة اسمع بعض العبارات التي تثير شيئا ما في نفسي وتفكيري . التمس لها العذر انها ربما تخرج عن غير قصد , لكن ما دفعني للكتابة انها تتكرر كثيرا وتتردد في اوساط شعبية ورسمية, اضافة الى أنها  تصدر عن شخصيات ذات وزن ولها تأثير على الرأي العام , وهناك من بدأ يتأثر بها خصوصا في وسائل الاعلام ويعيد نفس المصطلحات . تسمع : شعب غزة.. أهل غزة .. ارض غزة ... معاناة غزة .. صمود غزة .. اهلا بكم في غزة .. جئناكم من غزة ..غزة بداية التحرير .. غزة مقر الخلافة ... غزة .. غزة ..غزة ..بعيدا عن الانقسام السياسي بين حماس وفتح او البعد الجغرافي بين الضفة وغزة ,  فان غزة جزء عزيز من الوطن , لها تاريخها الحافل ونكهتها المميزة ونضالها وصمودها وعنفوانها , لكن يجب الا ننسى دوما ان الوطن كل متكامل لا يتجزأ , يجب ان يحظى بالاهتمام والمتابعة والتركيز الاعلامي, فالضفة هي قلب فلسطين وجناحه , لها حضورها ومعاناتها وصمودها. الضفة تعاني من حصار لا يقل عن حصار غزة , اذ ان الاستيطان ينهش قلبها ويلتهم جسدها الغض , والحواجز تحول حياة الناس الى معاناة يومية لا توصف . والقدس هي قبلتنا السياسية وهمنا اليومي , وأراضي ال 48 هي تاريخنا وزادنا . من هنا يجب ان تظل كلمة (فلسطين)  هي الاكثر حضورا وجريانا على السنتنا والسنة ابنائنا وفي صحفنا ومجلاتنا واعلامنا. نغمة "غزة" يجب ان تخف قليلا لصالح نغمة" فلسطين"  .من المهم تعزيز الثقافة والمصطلحات واللغة الوطنية  التي تزرع (فلسطين) , كلمة ورايات وقضية , في بيوتنا وشوارعنا ... هي الكلمة التي يمكن ان تجمعنا وتزيل الحواجز من بيننا وترسم لنا الطريق , اكثر وضوحا واقوى اضاءة. لنتخفف قليلا من "اصر" الحزبية والجغرافية ... اجعلوا غزة في حضن فلسطين وليس العكس .                                                       (3) مصر ما جرى في مصر هو تحول تاريخي بكل معنى الكلمة , هو ميلاد جديد لامة جديدة .. هو تاريخ ومستقبل يرسم باقلام الحرية والديمقراطية وصوت الشعوب. نتوقع من مصر الكثير ونشفق عليها من التحديات الكثيرة . لا تتسرعوا في قطف الثمار فأمامهم مشوار طويل وايام قاسية "لتنظيف" رواسي الماضي ووضع اللبنة لعصر جديد  ومواجهة "مؤامرات" القوى الكبرى . مصر دولة كبيرة وحساباتها كبيرة ايضا, لذا يجب التعامل معها ضمن حسابات كبيرة وليس ضمن عواطف "كبيرة" .. مصر يمكن ان تغير وجه التاريخ لكن الذي يسهل عليها هذا التغيير هو ان يغير الفلسطينيون ما بانفسهم وما في داخلهم ..قاعدة ذهبية :" اذا غير الناس لله ما يستطيعون غير الله للناس ما لا يستطيعون"