خبر : مرسي والتغيير الاستراتيجي التاريخي ...بقلم: طلال عوكل

الإثنين 25 يونيو 2012 10:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
مرسي والتغيير الاستراتيجي التاريخي ...بقلم: طلال عوكل



  لتوّها تكون مصر قد دخلت مرحلة تاريخية جديدة، يعتقد البعض أنها ستكون بداية عهد الجمهورية الثانية، غير أن البداية من بوابة الجمهورية قد تتغير في لاحق السنوات لتختار لذاتها طريقاً آخر، لا يتعرف الى الجمهوريات الحديثة وتقاليدها وآليات عملها.قد يكون التاريخ فتح ذراعيه لحركة الإخوان المسلمين التي تأسست العام 1928، لكي تأخذ فرصتها في تجربة نظام حكم إسلامي، لم تتسن له الفرصة خلال العقود الطويلة الماضية، نقول إن الفرصة متاحة لتجربة نظام الحكم الإسلامي، على طريقة الإسلام السياسي الذي تمثله حركة الإخوان المسلمين الموصوفة بالوسطية والبراغماتية، بعد أن فشلت في المنطقة تجارب القوميين، والاشتراكيين، والأنظمة المختلطة، وبعد أن سقط النظام الاشتراكي على المستوى العالمي. العامل المشترك في معظم تجارب نظام الحكم العربي، التي واجهت الفشل، يكمن في غياب الديمقراطية، وتغييب دور المواطن، وفي غياب العدالة الاجتماعية فضلاً عن سيطرة واحتكار الحزب الحاكم للسلطات، فهل ستكرر حركة الإخوان المسلمين هذه التجارب أم أنها ستتوخى دراسة وتمثل التجربة التركية، أو الماليزية؟ وهل ستكون مصر على موعد مع انتخابات رئاسية ديمقراطية ثانية بعد أربع سنوات، أم أنها ديمقراطية عود الثقاب الذي يشتعل لمرة واحدة، كما قال شاعرنا الكبير المرحوم محمود درويش؟في الواقع فإن المؤشرات التي سبقت إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية في مصر عن فوز الرئيس الدكتور محمد مرسي، تلك المؤشرات التي ظهرت في تصريحات مرسي وعدد من قادة الإخوان في مصر، لا تشير إلى أنهم بصدد التزام النهج الديمقراطي، فلقد رفض مرسي في أكثر من مرة الإجابة عن سؤال افتراضي بشأن تقديمه التهنئة لشفيق في حال فوزه.لم يكن ذلك الجواب له علاقة بالدعاية الانتخابية، ولا بمؤشرات مؤكدة بشأن فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية، ولكنه كان يعكس قناعات أيديولوجية تنطوي على رفض التسليم بنتائج صناديق الاقتراع حين تكون في مصلحة الآخر.على كل حال، فإننا لا نملك إلاّ أن نهنئ الشعب المصري الشقيق وان نرفع قبعاتنا للرئيس الجديد، لكن مصر، التي يتسلم مرسي مسؤوليتها تعاني من وطأة الكثير من الأزمات المرهقة، فالاقتصاد المصري في حالة شبه انهيار، والانقسام الاجتماعي والسياسي على أشده، وإعادة بناء النظام لن تكون عملية سهلة وسلسة من واقع ما نشر خلال الحملات الانتخابية، ومن واقع تنظيم قوي، وطافح بالحيوية والالتزام، ويمتلك إمكانيات مادية وبشرية ضخمة، فإن الإخوان قد حضروا أنفسهم بشكل جيد، لإدارة المرحلة الجديدة.إدارة المرحلة الجديدة تتطلب أدوات جديدة تناسب فلسفة الحكم الجديد ولذلك فإن أمام الرئيس مرسي، والإخوان مهمة كبيرة تتسم بالصراع مع الجهاز البيروقراطي القديم، وهو جهاز ضخم ومترامي الأطراف وينطوي على كفاءات مجربة، ومن مستويات متقدمة علمياً، ان توافر الامكانيات ليس كافياً لامتلاك القدرة على إدارة الحكم، فالمقاومة ستكون قوية من قبل النظام القديم، وهي قوية من قبل القوى الشعبية التي ستصطدم برؤية ربما تكون احتكارية، وأحادية القرار والإدارة ما يعني أن أمام مصر الجديدة، مرحلة طويلة من الفوضى، وعدم الاستقرار والصراعات، وعمليات التغيير، التي قد تطال كافة المؤسسات من الجيش إلى الأمن إلى الاقتصاد إلى القضاء.على الصعيد الخارجي وبقدر تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وملفاتها، وقضية الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، فإن فوز الرئيس مرسي بمقعد الرئاسة، وهو مقدمة، لتسلم الإخوان المسلمين، كافة السلطات التشريعية والتنفيذية، فإننا نعتقد أن على إسرائيل أن تشعر بالقلق إزاء سياسات وبرامج حركة الإخوان المسلمين التي قد لا تبادر خلال فترة زمنية قريبة قادمة إلى التخلص من اتفاقية كامب ديفيد، لكنها من غير المرجح أن تتسامح مع الدولة اليهودية.في المدى القريب نستطيع القول إن المصالحة الفلسطينية قد أصبحت فعلياً في خبر كان، وان الاتفاقيات السابقة التي تتعلق بهذا الملف، وتمت صياغتها في ظروف مختلفة، لم تعد صالحة في الظروف الجديدة، فلقد اكتسبت حركة حماس قوة كبيرة، استراتيجية، من شأنها أن تقلب التوازن الداخلي لصالحها، ما يجعلها متطلبة أكثر، ولا تستعجل مصالحة لا تؤمّن لها السيطرة على القرار والمؤسسة الفلسطينية.واقعياً، فإن حركة "حماس"، التي تشكل الفرع الفلسطيني في حركة الإخوان المسلمين تستند إلى مصر القوية، الكبيرة، قائدة الأمة العربية وإلى عدد من الأنظمة العربية تمتد من قطاع غزة، حتى نواكشوط وكلها ما عدا الجزائر تقودها حركة الإخوان المسلمين.هذا المدد يمنحها قوة جديدة، يؤهلها للدخول في منافسة قوية وفعلية مع منظمة التحرير الفلسطينية على مسألة التمثيل الفلسطيني، وعلى القرار الفلسطيني الوطني عموماً.واستناداً إلى مستجدات الوضع المصري فإن قطاع غزة، سيشهد انفراجاً على مختلف المستويات، وسيحظى بتسهيلات واسعة، ربما تصل إلى حد، اندفاع القطاع كلياً نحو مصر. في هذا السياق، أيضاً، ووفقاً لترجيحات، الكثير من المراقبين السياسيين، الذين يتوقعون أن تبادر إسرائيل فعلاً، إلى إعادة انتشار جزئية في الضفة الغربية على غرار ما فعلته في قطاع غزة عام 2005، فإن الآفاق مفتوحة، أمام حركة "حماس"، لكي تدشن مرحلة جديدة كلياً في حياة الشعب الفلسطيني. وفي كل الأحوال ليس لنا إلاّ أن ننتظر من الإخوان المسلمين في مصر، المبادرة لتنفيذ السياسات والشعارات والأهداف التي رفعوها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، الذي ينتهك الحقوق العربية والفلسطينية، وإن غداً لناظره قريب.