خبر : المصارحة قبل المصالحة..يحيى موسى العبادسة

الأحد 24 يونيو 2012 12:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصارحة قبل المصالحة..يحيى موسى العبادسة



انطلاقاً من المسؤولية الوطنية وعملاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيه: "إن الرائد لا يكذب أهله"، واستشعاراً للواجب وحتى لا تبقى بعض الأسئلة المهمة حبيسة الصدر بدون إجابة، فإنني قررت أن أصارح بها إخواني وأبناء شعبي، علي أجد لها جواباً شافياً، تطمئن إليه نفسي، وأتسلح بها لإقناع غيري من المتشككين بجدوى المصالحة المعقودة بين حركة حماس، وفريق عباس. وأحب قبل عرض التساؤلات، أن أؤكد على إيماني الراسخ والعميق بالوحدة الوطنية، وبالحوار الوطني وبالمصالحة، فالوحدة هدف نبيل يعمل من أجل تحقيقه كل وطني صحيح العقل وسليم الصدر، فالوحدة متطلب رئيسي إجباري لحركات التحرر، كي تنجح في تحقيق أهدافها وانجاز مهامها التحررية، ولا أظن أن أحداً من الشعب الفلسطيني يختلف على ذلك، فهي من المعلوم من الوطنية بالضرورة، ولكن مع ذلك فهدف الأسئلة، هو الوصول إلى قناعات بجدية المصالحة ومدى صلاحها لتحقيق الغاية منها؛ والسؤال هل المصالحة الموقعة في القاهرة والدوحة تقوم حقيقة على فكرة الشراكة الوطنية؟، وهل تنطلق في الواقع من أرضية سياسية واحدة؟، وهل تنبع من منطلقات مفاهيمية وقيمية مشتركة؟، وهل انعقدت إرادة الأطراف الموقعة على إنفاذ ما تم الاتفاق عليه بأمانة وصدق وشفافية؟، وهل هناك هدف مشترك للمصالحة، أم أن كل فريق يستخدم المصالحة لصالح أهداف يصرح بجزء منها، ويضمر الجزء الآخر؟. ويتساءل المواطن البسيط الذي عانى من الحصار، وقلة الدواء، وقلة الكهرباء، ومن البطالة، والفقر، والدمار، وصمد وصبر ولم يتخلى عن حماس أو يخذلها، يتساءل: ما الذي تغير في حقيقة الأمر؟، ولماذا تأخر تحقيق المصالحة لسنوات؟، وما بال الأطراف مستعجلة ومتحمسة لها الآن؟، وهل من السهل أن نقنع إخواننا، وأبناء شعبنا، وكل المخلصين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية وأحرار العالم، بجدوى المصالحة الآن؟، فكثيرون الذين يعتبرون المصالحة مع عباس هي مكافأة له بعد أن انقلب على الديمقراطية في انتخابات 2006م، وعاقب الشعب الفلسطيني على خياره عندما أقال حكومة الوحدة الوطنية وسلم مقدرات السلطة لفياض، وبعد أن تآمر على غزة، وحرض الصهاينة والأمريكان على التخلص من حكم حماس، وشجعهم على شن العدوان على غزة، وحاصر غزة وضيق الخناق عليها، أليس عباس رئيس الأجهزة الأمنية التي قتلت المقاومين في الضفة، واعتقلتهم وحاكمتهم على نشاطهم الوطني، وأغلقت مئات الجمعيات والمؤسسات الخيرية ولجان الزكاة، وصادرت حرية العمل السياسي وانتهكت حقوق الإنسان أليس عباس هو من شرعن التنسيق الأمني، وجعله ثابتاً من ثوابت النهج الأوسلوي، أليس عباس أحد فلول المخلوع مبارك، حتى أنه بعد الثورة المصرية المجيدة، ذهب للتخطيط مع المجلس العسكري، لتشديد الحصار على غزة، خشية استقواء حماس بالربيع العربي. أليس عباس، من يختطف القضية، ويمضي بها من نكبة إلى نكبة ومن تراجع إلى تراجع ويُقامر بثوابتها، فيفرط بها الواحد تلو الآخر على مذبح المفاوضات العبثية. أليس عباس هو المسؤول عن اتفاقيات أوسلو، التي شطبت أكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية وقدمها عربون للسلام مع الصهاينة، وقبل أن يتفاوض على ما تبقى من أرض الضفة والقطاع والقدس، باعتبارها أراضٍ متنازع عليها، وقابلة للتفاوض والمبادلة. قد يقول قائل، عفا الله عما سلف، وأهل السماح ملاح، وإن المصالحة تجب ما قبلها، فنقول إن كان هذا جائز في الحقوق الخاصة، لكنه محرم ولا يجوز لمن يفرط بالأوطان والتاريخ والمستقبل، وبالرغم مما سبق هل صدر عن عباس ما يفيد بتراجعه أو ندمه عما فعل، والإجابة بلا، بل على العكس إنه لم يتراجع عن نهجه المعادي للمقاومة والمحتقر لنضالات الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإن المصالحة مع عباس تعني وكأنها مكافأة له على جرائمه وتجعل الشعب يحمل حماس مسؤولية التأخير وعدم قبولها لشروط عباس من البداية. وما هي أرضية هذه المصالحة، هل غير وبدل عباس نهج التعاون الأمني مع الاحتلال، هل غادر عباس نهج التفاوض العبثي، وهل تراجع عباس عن نهجه الدكتاتوري الاستبدادي المطبق على عنق المؤسسات الفلسطينية، ألم يكن مثله الأعلى وولي أمره الرئيس المخلوع مبارك، ولسان حاله يقول: " ما أريكم إلا ما أرى"، وإني لأعجب، كيف تقبل حماس، طائعة مختارة الخروج من المشهد السياسي، وتسلم الحكومة لعباس، وهو المهندس السياسي لاتفاقية أوسلو، بدل الإصرار على محاكمته على سلسلة جرائمه الطويلة في حق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. وهل هناك ضمانات بإجراء انتخابات نزيهة بعد الفترة الانتقالية المنصوص عليها في اتفاق المصالحة، وإن لم تتم الانتخابات في موعدها، من يضمن أن يسلم عباس الحكومة لرئيس وزراء جديد، وحتى لو أجريت الانتخابات، هل ستكون حلاً للانقسام، أم ستؤسس لانقسام جديد أكثر عمقاً، وقد يكون أكثر عنفاً أيضاً. ألم تدرك حماس أن عباس يهدف من وراء إجراء الانتخابات العامة استهداف قطاع غزة المتمرد على عباس، وذلك بهدف أعادته إلى بيت الطاعة لأن شرعيته بدون غزة منقوصة، وحتى يتمكن من أداء وظيفته الأمنية و حتى يتمكن من نفخ الروح في جسد السلطة المتصلب العاجر، ويتخلص من نموذج غزة العزة والكرامة والإباء، يتخلص من غزة التي يحج إليها الأحرار من كل العالم، وقد يستعمل عباس هذه الشرعية الجديدة في إخراج اتفاق سياسي جديد يقول البعض إنه في الأدراج، وأن هناك مفاوضات سرية، تم الاتفاق فيها على الأمور العالقة. إن السلطة مرتبطة وجوداً وعدماً بأداء وظيفة التنسيق الأمني مع الاحتلال، ومصممة على أن يكون على رأس إدارتها الأوسلويين، كي يعملوا على احتواء ثورات الشعب الفلسطيني وانتفاضاته والعمل على تبريدها،، وتبديد جهد الحركة الوطنية في صراعات ثانوية على سلطة وهمية لا قيمة لها لأنها محكومة باشتراطات الاحتلال. إن الجزء المحرر من فلسطين هي غزة، وهي وحدها الصالحة لإقامة سلطة الشعب الثورية المقاومة عليها، وهي وحدها القادرة على إسناد الضفة في انتفاضتها المتوقعة، وهي قادرة على تحقيق نوع من الحرية للقيادة السياسية الفلسطينية الممثلة للشعب، بحيث تتواصل وتتحرك من وإلى العالم دون الحاجة إلى تصريح من الاحتلال. ومن هنا فإن قيمة غزة تنبع من كونها حاضنة المشروع الوطني المقاوم وحارسة بوابة الوطن المؤدية إلى بيت المقدس، وهي الحبل السري بين فلسطين والأمة العربية. فلتحذر حماس من المحاولات المستميتة التي يخطط لها الأعداء، لقطع هذا الحبل ويتساءل البعض وأنا منهم، لما العجلة يا حماس، لقد صبرنا طويلاً على الضيم وعشنا أغلب سواد الليل ونحن ننتظر الفجر، ولقد بدى يتراءى لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وما بعد ذلك إلا الفجر الصادق، وزهر ربيع الثورات العربية يوشك أن يتفتح في حدائق فلسطين، وعهد الثوار في الميادين أن لا يفكوا سروج خيول الله إلا بعد أن تحط الثورات رحالها على بوابات الأقصى وفي ساحاته، وإن الأمة جمعاء على موعد باكتمال الحلم العربي. ألا تعلم قيادة الحركة إن كانت تستعجل المصالحة، من أجل الدخول إلى م . ت . ف بأن الخارطة السياسية الفلسطينية تنسج خيوطها وتوضع معالمها في قاهرة المعز، وفي مصر العروبة، فإن من يحكم مصر هو الذي يحكم فلسطين، ومن تختاره مصر لقيادة م . ت . ف هو الذي سيقود المنظمة، وإن أعادة بناء م.ت.ف يحتاج إلى إرادة عربية، وإن الأمر لم ينضج بعد، فمهلاً ولا تستعجلوا فرياح الربيع العربي لا محالة ستهب على فلسطين، وستسقط النظام وتطيح بالفلول الأوسلوية، وإن الإسلام السياسي سيحكم في الحقبة القادمة، ما شاء الله له أن يحكم، فلا تستعجلوا أمر الله. ولا يظن أحد بأنني حريص على إدارة حماس للسلطة، بل على العكس فإنني أرى أن لا نضع جميع البيض في سلة السلطة والحكم، فالاستثمار في السلطة غير مجدي ولن يحافظ على الرصيد الشعبي الذي صنعته دماء الشهداء والعمل المقاوم، وذلك بسبب أن السلطة الفلسطينية لا تصلح للاستثمار بها، لأنها محكومة باشتراطات عديدة معقدة ظالمة، فالاحتلال يتحكم في مفاصل السلطة وقادر على تعطيلها، ولن تتمكن المقاومة مهما أحسنت من تقديم نموذج إداري أو خدماتي يحقق رضا الجمهور المطلوب. وليتسع صدرنا للنقد والمراجعة، فإنه كان يتوجب علينا أن نقدم نموذجاً يحتذى به في التوافق الوطني والقيادة الجماعية وإشراك الجميع وبطريقة توافقية في إدارة الشأن العام، كي يضطلع الجميع بمسئولية حكم غزة، وقد يبرر البعض من إخواننا ومحبينا انفرادنا بإدارة شؤون القطاع، بكون القوى السياسية لم تقبل مشاركتنا، وذلك لأنهم اختاروا عدم الصعود في مركب يغرق حسب ظنهم، أو أنهم يريدون أن يفشلوننا وهذا قد يكون له نصيب من الحقيقة إلا أن سؤالي: هل الفصائل هي الشعب وهي المجتمع، إنها جزء منه، ولكن الشعب والمجتمع أوسع من الفصائل، وكان يتوجب علينا أن نفكر بطريقة أكثر جماعية، وأكثر توافقية مع المجتمع لأنه ليس من الحكمة أن نبقى نتحمل وحدنا أعباء ومسؤوليات الشعب في القطاع، لأن ذلك أثقل كاهلنا، وأشغلنا في أمور السلطة وحاجات الشعب ومشكلاته، بينما الأولى أن يوجه قسم كبير من جهدنا للاستثمار في الميادين المربحة وعلى رأسها ميادين الدعوة والتربية وبسط التدين والأخلاق والقيم في المجتمع وميادين الاشتباك ومقاومة العدو. لقد شغلنا الخصوم في مناكفات ضارة فرضوا علينا الانقسام البغيض، وأغرقونا بالأزمات المتلاحقة، وحاولوا تصويرنا وكأننا نتصارع معهم على الحكم والسلطة، وإنه من الأهمية بمكان أن ننتبه إلى ذلك، وكان الأولى بنا أن نعمل على إعادة الاعتبار لمشروع التحرير، وبناء معالم مشروع وطني تحرري، قادر على تمثيل تطلعات جميع الفصائل المقاومة، وقادر على تحقيق أكبر انحياز شعبي معه، بحيث يكون مشروع جميع أبناء الشعب الفلسطيني، يرتكز إلى تحرير فلسطين كل فلسطين ويرتكز إلى تحقيق العودة كجزء من عملية التحرير، وأن نجعل خلافنا مع فلول أوسلو تعبير عن الصراع بين ما هو وطني وما هو غير وطني. إنه ليس مهماً أن تدير السلطة فتح أو حماس أو الجهاد أو غيرهم من القوى والفصائل، ولكن المهم هي الأرضية السياسية التي تدار السلطة على أساسها، والمهم أيضاً أن يدير السلطة الأمين على الوطن وقيمه ومقاومته، ولا يهم كم يكون لنا من الوزراء والإدارات العامة، ولكن المهم البرنامج السياسي وأن يشغل هذه الأماكن الثوار والمقاومين والمصلحين فالانقسام تعبير صادق عن نهجين متعارضين، نهج الثورة ونهج أوسلو. كم نحن بحاجة ماسة أن نصارح أنفسنا بالحقيقة وأن نقيم المصالحة على أساس المصارحة الوطنية وعزل الفلول الأوسلوية.