كان صاحبي في حالة مزاجية صعبه، فقد قرر(للمرة الألف!) الانفصال عن زوجته . ولم أكن أريد استفزازه أو زيادة آلامه فآثرت الصمت والاستماع. وسحب صاحبي نفسا طويلا من الشيشة المعطرة واعتدل في جلسته وقال" ان كيدهن عظيم" ، وسكت وأنا لا انبس بشفه حتى قال" ولكن المشكلة ان الرجال لا يكتشفون ذلك إلا بعد خراب مالطة"، " المصيبة أنها تكبل الرجل باحبال المسؤليه والأولاد فلا يستطيع فكاكا " " ان ألقصة قديمه ومستمرة بعمر الدهر وكأنها مسيرة الندم الأبدي على استسلام الرجل لإغراء وغواية حواء" وكأن صاحبي قد أنهى مرافعة أمام محكمة عليا غير عابئ بالحكم فهو يعرف انه لا مناص من العقوبة ، فنكس رأسه استسلاما ، وتحول وجهه الى كتلة من الحزن والألم حتى اشفقت عليه وقلت" المشكلة ان الرجل يكابر ولا يريد ان يعترف بمسؤوليته ولا يعلن التوبة، بل انه يلوم المرأة على كل أخطاءه وخطاياه " فقال صاحبي" انها المرأة التى لا يعجبها العجب وتظل تطالب ليبدوا الرجل دائماً مقصرا وتظل هي تتلذذ في لومه" وقلت مازحا" ولماذا وجع القلب يا اخي وقد علمنا من قبلنا ان نداوي المرض بالتي كانت هي الداء" فانتفض صائحا" أعوذ بالله ، لقد أفقدتني هذه الشيطانه الرغبة في كل النساء" " طول بالك ولا بد ان يكون هناك حلا ما. اذا كانت حماس وأبو مازن قد اقتربا من إتمام الصلح فلا يوجد اذن مستحيل" وكأني انتزعته من بئر عميق، وصاحبي يعشق السياسة فقال" ما الذي سيحدث لابو مازن بعد هذا العمر الطويل من الاشتغال بالقضية ؟ اني ارثي لحاله ، هل يشعر بالندم؟ الم يكن الافضل لو طلقها منذ الليلة الاولى؟" هل سينهي عمره بالوحدة الفلسطينيه وقيام الدوله ام بانسحاب من الساحة دون شئ سوى الفشل والأقاويل ؟ " راقني ان صاحبي قد انشغل عن قصة زواجه الفاشل بقصة ابو مازن المجهولة النهايه." " السؤال هو ان كان ابو مازن يملك قراره؟" "فما زلت اذكر فضيحة سحب تقرير جولدستون من التصويت في مجلس حقوق الانسان، وكان ذلك بعد زيارة القنصل الامريكي للمقاطعة" قلت " لكن ابو مازن تحدى الادارة الامريكية وذهب الى الامم المتحدة واليونيسكو " فرد صاحبي " التحدي الاكبر هو المصالحه ، واذا أراد ابو مازن ان يغسل من تاريخه وصمة عار اتفاقية أوسلو فان عليه ان يعيد الوحدة لشعبه".سألت صاحبي عن اسباب كراهيته لا وسلو، فقام واقفا وجعل يقول كانه يخطب في جماعه "أوسلو كانت محاولة للرشوه بأموال الدول المانحة بتخطيط إسرائيلي وتواطؤ فلسطيني وهكذا بين يوم وليله تضخم الجهاز الحكومي بآلاف المدراء وعشرات الالوف من الموظفين وانشئت الشركات والشراكات مع الإسرائيليين، وكان المخطط ان يغرق الضمير الوطني في بحر أموال المانحين والفساد والهدف هو ان تتوقف شعلة المقاومه وان يحل مكانها مسيرة السلام والمفاوضات اللانهائيه ويستفحل الاستيطان بينما يتم الهاء الناس بالقهاوي والمطاعم والفنادق والشركات والأموال وان يتعود الناس على الاستمتاع بالحياة تحت الاحتلال وتنتزع من قلوبهم شوكة الكرامه ويتوقفوا عن الحلم بالحريه ". وبصوت كاد رواد القهوة ان يسمعوه صاح صاحبي" انه وقت الندم وإعلان التوبة وطلب الغفران على جريمة أوسلو وتلك تحتاج الى جرأة من ابو مازن وقد فتح له يوسي بيلين شريكه في أوسلو طريق الاعتراف والتوبة !" وصاح صاحبي " اننا ضحية مؤامرة مستمره كما هو حصار غزه بحجة حماس التي تجرأت وفازت في الانتخابات!" "هل يعرف الناس ان سبعون ألفا من الموظفين يتقاضون رواتبهم في غزه بشرط الا يعملوا ( !!! )بأمر من ابو مازن وبتمويل المانحين الذين يدققون عادة في كيف تصرف أموالهم ويسالون عن اثر الإنفاق و مردوده على المجتمع؟ ان الثابت انه لقد اشتركت رام الله مع اسرائيل ونظام مبارك في حصار غزه حتى ان الدواء كان يمنع عن غزه!. .الدواء يا رجل والأطفال تعاني وتموت. أني لن أنسى اننا لم نكن نجد ما يكفي من الأسمنت لبناء أغطية للقبور بسبب الحصار المشين . وفوق كل ذلك قامت اسرائيل بالحرب المدمرة على غزه وصمد الناس والحكومه وازدادت حماس قوه. انها الفرصة الاخيره لابو مازن وعليه الارتفاع الى ما فوق مجرد التكتيك او الرغبة في الانتقام او تحقيق انتصار وهمي الى عظمة المسؤولية وخطورتها وممارسة القيادة بتحدي الاحتلال وتوحيد الوطن" قلت محاولا الدفاع" المسألة ليست سهلة وانظر ماذا فعلوا بياسر عرفات حين اعلن المقاومه. ان ابو مازن يفعل الكثير من اجل الوصول الى حل ، ويذهب لمقابلات واجتماعات لا تنتهي من اجل حشد التأييد العالمي للقضيه" رد صاحبي بخشونة نادره" انها مهمة يجب ان يتركها لآخرين وأما الرئيس فإن واجبه رعاية أهله ووطنه وليس الاعتماد على بعض الموظفين وتقاريرهم التي تصله في سفراته الكثيرة والتي لا ارى لاغلبها لزوم بل وكانه يحاول الهروب من الواقع المزري للسلطة والشعب بدلا من المواجهه. الا يكفي هذا الوضع الخطير الذي وصلت اليه "فتح" التي تتآكل تحت سمعه وبصره ليعطيها بعض الوقت الذي يعطيه لروما او جواتيمالا" قلت راضخا" أوافق معك ان سفريات الرئيس كثيره والأفضل ان يكون معنا والاهم هي المصالحه، لكن لا تنسى ان لكل قصة طرفين او كما كان يحلو لابو عمار القول it takes two to Tango فهناك حماس وخاصة قيادتها في غزه التي تضع العراقيل في طريق المصالحه" فرد صاحبي" لذلك فان على ابو مازن ان يكثف من علاقته مع حماس وخاصة في غزه اذا أراد المصالحه، وأما ترك هذا الموضوع الأهم والأخطر الى بعض المتحدثين او اللاهثين لعدسات التلفزيون لا يدل على الجديه ويوحي بان ابو مازن لا يستطيع اتخاذ القرار لانه لم يحظى بعد بالموافقة الامريكيه" " وماذا تريده ان يفعل؟ "اولا ان يعلن التوبة عن خطيئة أوسلو ثم ان يأتي الى غزه حيث ترتاح حماس لقوتها وان يعلن الحكومة من غزه وان يتخذ مقرا فيها وان يعالج كل المسائل على الارض مع حماس " " وماذا عن حماس؟" "على القيادة العليا في حماس ان تحسم أمرها والا تسمح لبعض اعضاؤها بالتخريب المتعمد والتصريحات الهدامه بل وان تقدم لابو مازن كل ما يطلبه مثل ان تفرج فورا عن كل المعتقلين وترحب بعودة من يريد وتسمح بإدخال الصحف بل وتدعه يشكل الحكومة كما يرى حتى تسهل عليه اتخاذ القرار والوقوف امام أعداء الوحدة من حوله وتشجيعه للتمرد على الفيتو الامريكي الاسرائيلي. ان على حماس ان تمارس السياسة بذكاء بتقديم كل ما يطلبه ابو مازن حتى لا يظل هناك من حجة لاستمرار الانقسام وتوجيه اللوم لحماس "." ان على حماس ان تنظم صفوفها وان يثبت التزام أعضاؤها بالخط السياسي للقيادة وأنها ليست حارة ’كل من ايده ’حيث اليوم نسمع من يريد ان يحارب العالم بينما القيادة تسعى حثيثا للمصالحة " " ثم على حماس ان تدعم ابو مازن في طلبه لعضوية فلسطين في الامم المتحدة " " وعلى ابو مازن ان ينشط اتفاق دخول حماس والجهاد لمنظمة التحرير" وماذا عن اسرائيل؟ حين يصبح ابو مازن ممثلا عن منظمة التحرير التي تضم حماس يصبح وضعه التفاوضي افضل مما هو عليه الان. ويمكن تقديم عروض قوية لإسرائيل تبدأ بهدنة ثلاثون سنه" " انت تعلم ان كيد اسرائيل عظيم فهل تنفع معها الهدنه؟وهل تعلن الندم والتوبة؟" قال صاحبي وعلى وجهه تمر سحابة من الأسى" لا اظنها قادرة على التوبه ولكن الهدنة تعطي الحق للأجيال القادمة لتقرير مصيرها" في طريقي الى منزلي كنت اسأل نفسي عن العلاقة بين المرأة وإسرائيل ولماذا وصلت قصة صاحبي الى هذه الدرجة من العداء . حين دخلت البيت جاءني صوتها حانيا" اهلا بالحبيب، هل احضر لك لقمة عشاء.؟" كم انا محظوظ ،قلت في نفسي ورددت القول الكريم "وجعلنا لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنو اليها وجعلنا بينكم مودة ورحمه" وجعلت اسأل " هل يتوب الرجال؟ وهل يعلن التوبه ابو مازن؟ وهل يأتي اليوم الذي تعلن فيه اسرائيل توبتها؟ ووجدتني اضحك وانا اقول "وهل نحتفل كل عام باليوم العالمي للتوبة !؟