خبر : السباق نحو الإسلامية أم العلمانية؟ ..بقلم: طلال عوكل

الإثنين 18 يونيو 2012 09:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT
السباق نحو الإسلامية أم العلمانية؟ ..بقلم: طلال عوكل



الانتخابات الرئاسية المصرية التي انتهت مرحلتها الثانية مساء أمس، كان يمكن أن تكون نهاية مرحلة من العمل الوطني الشعبي الذي يستهدف التغيير، والانتقال إلى مرحلة البناء، والاستقرار، وصياغة مستقبل مصر، على أسس مختلفة عن النظام السابق. غير أن الحالمين فقط هم من يعتقدون أن تغييراً ثورياً، جذرياً يمكن أن يقع في دولة مركزية كبرى، خلال فترة قصيرة من الوقت وبأثمان قليلة، أو أن مثل هذا التغيير قد يحصل دون مقاومة عنيدة من النظام السابق، ودون تدخلات خارجية تأخذ أشكالاً وآليات متعددة، ومختلفة. وفي الحقيقة فإن السباق على كرسي الرئاسة في مصر، ليس سباقاً اعتيادياً، بين شخصيات مؤهلة أو غير مؤهلة، وإنما هو أقرب إلى الصراع بين رؤيتين لمستقبل مصر، واحدة إسلامية والأخرى علمانية، تسعى إلى الدولة المدنية. السّاعون من أجل دولة إسلامية، لم يوفروا جهداً، إلاّ وبذلوه من أجل طرح رؤيتهم، وإصرارهم على بناء دولة إسلامية، أو دولة الخلافة التي تكون مصر مركزها، وبقية الحكام العرب مجرد ولاة يتبعون إلى الخليفة المصري، لقد ارتفعت الشعارات مدوية في سماء السياسة المصرية، التي تميزت بالرومانسية والتطرف، من مثل الولايات العربية الإسلامية وعاصمتها القدس، وغزة عاصمة الدولة الإسلامية في مصر، ومن ثم تطبيق الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لا يحقق الوضوح دون أن يترك مخاوف ومحاذير صعبة لدى فئات وشرائح اجتماعية واسعة جداً في المجتمع المصري وخارجه. هؤلاء السّاعون للدولة الإسلامية في مصر، والحالمون بتعميمها على المنطقة العربية، قد أصابهم الكثير من الغرور، بعد النتائج التي حققوها في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، حتى لم يعودوا قادرين على استيعاب التراكيب السياسية والاجتماعية في مصر، الأمر الذي أدى إلى استفزاز قوى وفئات واسعة، لم يكن لها إلاّ أن تتخندق حول الفريق أحمد شفيق باعتباره عنوان الرؤية الأخرى العلمانية. لا شك أن الإخوان المسلمين وقعوا في أخطاء كثيرة خلال الفترة منذ انتخابات مجلس الشعب، إلى الانتخابات الرئاسية، وهو ما أشار إليه أكثر من زعيم إسلامي بعضهم ينتمون للجماعة وبعضهم الآخر من خارجها، فلقد بدا وكأن حركة الإخوان تسعى وراء الاحتكار السياسي، ونحو السيطرة الكاملة على النظام السياسي بمختلف مستوياته. كان الاعتقاد السائد، أن الإخوان بصدد تقاسم السلطة، شراكة مع المجلس العسكري والجيش، إذ أعلنوا أنهم لن يقدموا مرشحاً للرئاسة بما يفيد اكتفاءهم بالانتصار الكبير الذي أحرزوه في مجلسي الشعب والشورى، غير أن هذا الاعتقاد تبدد كلياً، بعد ترشيحهم الشاطر، ثم محمد مرسي، ما يعني أنهم قرروا خوض معركة السيطرة على النظام حتى النهاية، ودون شراكات حقيقية مع أي طرف. هكذا دخلت عملية السباق نحو الرئاسة، في مرحلة من الصراع المرير بين تيارين ينقسم حولهما الشعب المصري، والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المصري فالصراع هنا لم يعد بين نظام قديم ونظام جديد، كما يحلو لجماعة الإخوان أن يصوروا الأمر. وحتى لو كان السباق فعلياً بين النظام القديم الذي يمثله الفريق أحمد شفيق وبين النظام الجديد الذي يحمله محمد مرسي، فإنه لا يحق لأي طرف أن يهدد بالإعلان عن العودة إلى ميدان التحرير، وإلى الثورة، في حال فوز المنافس الآخر، خصوصاً بعد أن ارتضى الجميع، الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. أغلب الظن أن هذا المنطق، هو الذي يشكل جوهر موقف الإخوان المسلمين من الديمقراطية والانتخابات، فهي صالحة وحيدة ولا بد للجميع أن يلتزم بنتائجها، والويل والثبور لمن يتمرد عليها حين تأتي النتائج لمصلحتهم ولكنها، مزورة، وغير شرعية، ومرفوضة حين تكون لمصلحة غيرهم. ولئن يركز الإخوان المسلمون حملتهم على شفيق باعتباره من الفلول وبادعاء أنه يريد إعادة ترميم وبناء النظام السابق، وذلك من باب التحريض عليه، وإثارة مخاوف البسطاء من الناس، فإن المسألة ليست على هذا النحو، إذ دخلت مصر في مرحلة لا يمكن معها إعادة إنتاج النظام القديم، حتى لو بقيت أدواته البيروقراطية موجودة وفاعلة. بعض المثقفين والمفكرين المصريين أدركوا المعادلة على النحو التالي: إذا فاز شفيق بكرسي الرئاسة، فإنه سيحتاج للتعاون مع قوى كثيرة، لتجاوز الصعوبات الهائلة التي تمر بها بلاده، فإن أخفق فسيكون بالامكان تغييره بعد أربع سنوات عبر انتخابات جديدة، أما إذا فاز الإسلاميون فإنه سيكون من الصعب إزاحتهم حتى بعد أربعين سنة. على كل حال مصر ليست ذاهبة إلى استقرار، ونحو بداية مرحلة البناء، فالمؤشرات التي تصدر عن الأحزاب والجماعات الفاعلة وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين، تشير إلى أن مصر تذهب نحو مرحلة صراع دعونا نصلي بأن لا تنزلق نحو دوامة العنف. إن من يعارضون بالعنف نتائج الانتخابات الرئاسية، يترتب عليهم أن يتحسبوا لدور مختلف يقوم به الجيش المصري، الذي سيكون عليه حماية النظام الجديد وفرض القانون. وبقدر تعلق الأمر بالقوى الخارجية، يترتب على القوى المصرية، الفاعلة وغير الفاعلة أن تنتبه إلى أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة، ستواصلان التدخل بطرق مختلفة، واستغلال التناقضات بين القوى المصرية، حتى يتم استنزاف مصر، دولة ومجتمعاً، ودوراً ومصيراً، ان انهيار الأوضاع في أي بلد عربي خصوصاً من دول الطوق، سيكون الضمانة الحقيقية لتحقيق الأمن الاستراتيجي لإسرائيل، ولذلك على كافة القوى أن تنتبه حتى لا تقدم خدمات مجانية للدول التي تدعي تلك القوى أنها تناصبها العداء سواء لأسباب وطنية أو قومية وعقائدية.