خبر : وزيرا للضوضاء ...إياد السراج

الأربعاء 06 يونيو 2012 09:09 م / بتوقيت القدس +2GMT
وزيرا للضوضاء ...إياد السراج



كنت ضمن جلسة هادئة على بحر غزة حتى انطلقت الاصوات العالية من طاولة مجاورة هبط عليها فجأة ستة نساء ورجال، انطلقوا يتحدثون جميعا – ولا احد يسمع - وبصوت عال وكان كل واحد يقول "اسمعوا كلامي" وبين رشفات النرجيلة والسعال والصراخ... جعلت اسال نفسي عن أهل غزة وارتباطهم بالصوت العالي والصراخ. الذي اثار حفيظتي انني كنت استمع الى خبير في الامن يحدثني عن الوضع الامني في غزة والضفة وتعقيداته و نسأل كيف يمكن أن تعثر على الشخص الافضل لتولي مهام وزارة الداخلية في الحكومة المرتقبة ، حيث انطلقت قهقه من احد السيدات على الطاولة بجوارنا وهي تصرخ قائلة "وكلهم على الترامال!! " وضحكت كل الآنسات والسيدات بشهقات طويلة. حاولت بعد ذلك استعادة هدوء جلستنا ولكن دون جدوى، فاضطررنا الى الانتقال الى طاولة اخرى و بادرني صاحبي "مازالت عندي شكوك في امكانية الوصول الى اتفاق وحركة حماس تنتظر انتخابات مصر لتعرف كيف تقرر وربما تقلب الطاولة على الجميع. ويبقي الموضوع الامني هو أخطر المواضيع ومنصب وزير الداخلية سيكون حساساً جداً ..." وكما قال لي أحد وزراء حكومة غزة" ماذا سيفعل وزير الداخلية في مسألة دمج عقيدة الامن في غزة التي اساسها هو حماية المقاومة بينما هي في الضفة هدفها ضرب المقاومة بالتنسيق مع إسرائيل "  سؤال خطير .. وليس هناك اجابة سهلة ولابد قبل البحث عن الوزير أن يحدث اتفاق بين حماس و ابو مازن والمصريين على العقيدة الامنية وعلى كيفية تنفيذ اي اتفاقات على الارض برضى الجميع.. فبدون الاتفاق على ذلك سيكون الوزير لاعبا تافها في مهب الريح. ثم ماهو موقف اسرائيل من كل ذلك وهي تستطيع أن تغامر حتى بحرب جديدة عند الضرورة. الوزارة الاخرى الخطيرة هي وزارة المالية وكل ما يتعلق بتوحيد الميزانية، والمداخيل وضبط المصروفات ووضع  الخطط للنهضة والاعتماد على الذات والتخطيط السليم بالتعاون مع الوزارات الاخرى.أخذنا الحديث في تشكيلة الوزارة الجديدة حتى سألت صاحبي عن أهمية كل ذلك و لماذا لا نبقى كما نحن انتظاراً للمجهول! فقال " فليكن انتظاراً ايجابياً بمعنى العمل و عدم الاستكانة وان يكون العمل قائما على مشروع وطني متفق عليه ومعتمد من جميع طوائف الشعب، وثيقة استراتيجية للتحرير والبناء طويلة الأجل. و لكن هناك مسألة ضرورة العمل الفوري والعاجل لوقف التدهور السياسي والاقتصادي والاهم من ذلك وقف مشروع الاستيطان الاسرائيلي وقضم الضفة وتهويد القدس بل وانقاذ غزة من حرب محتملة جديدة وهذا لن يتم إلا  بالإعلان عن الدولة المعترف بها امميا دولة ذات سيادة وهذا بدوره لن يتم إلا عن طريق المصالحة. وفجأة انطلقت صيحات من الطاولة إياها فقلت لصاحبي "إن ما يلزمنا هو وزير للضوضاء... خاصة في غزة التي مازال اهلها يؤمنون بالصوت العالي  باستثناء فئة قليلة زارت بلاداً أخرى والتقطت بعض خيوط الحضارة مثل الخضوع للقانون، الانتظار في الطابور وعدم البصق او رمي النفايات  في الشارع "، وربما كانت هذه أحد الأسباب خلف شكوى العدد القليل من أهل غزة الذين يستطيعون الحصول على تصاريح لزيارة رام الله  او عمان  او العيش فيها من عدم وجود الألفه مع اهل رام الله و عمان لهم وعدم الرغبة بالاختلاط ويتحدث البعض عن التمييز ضدهم حتى انه تكررت قصص كلها حول محاولة عدم اسكان اهل غزة في املاك رام الله او عمان. مسالة عمان فيها تداخل مع السياسة بين ولاء الفلسطينيين والولاء للمملكة وربما يكون هناك سبب سياسي في رام الله ايضا لان البعض يحسب غزة على حماس. فرد صاحبي " ولكنهم أيضا يصرخون و يتصايحون في رام الله و عمان ... إنها مشكلة عربية ثقافية".  وبينما نخرج من المكان فوجئنا بصوت السماعات الضخمة تحمل نداء ومجريات صلاة العشاء في المسجد المقابل كأن ذلك سيزيد عدد المصلين! وألقيت نفسي منهكا أخر المساء فإذا بصوت مولدات الكهرباء "ماتورات" في مركز التسوق الذي اقتحم الحي الهادئ فأحاله بين ويوم وليلة الى ضجيج لا ينتهي.تحسرت علينا، فبينما تسير الدنيا نحو التطور والطاقة الشمسية والحفاظ على البيئة والنمو ننحدر نحن في الفوضى و الضوضاء ولم نتحدث بعد عن صراخ الافراح والليالي الملاح وزفاف العرسان والضجيج الهائل الذي يصدر عن هؤلاء دون رحمة بالمرضى و... ولم نتحدث بعد عن حوادث المرور في شوارع غزة.. اللهم الرحمة !