خبر : أن نتعلم من مصر؟ .. حسن البطل

الأحد 03 يونيو 2012 09:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أن نتعلم من مصر؟ .. حسن البطل



"السروة انكسرت" هذا مقطع في شعر درويش، أو قل الطاغية سروة وانكسرت، أو أن صفحة في تاريخ مصر المديد طويت. انتهى حكم "فراعنة" ثورة يوليو: المستبد العادل المحبوب (ناصر) وغير العادل (السادات) والطاغية الفاسد (مبارك). بدأت ثورة يوليو بسابقة مصرية تماماً، وغير معتادة في الانقلابية العربية الدموية. الملك المخلوع تم نفيه بمراسيم تكريم، وانتهت حقبة فراعنة يوليو بانقلاب هادئ للجيش على الرئيس/ القائد الأعلى، إلى استراحة فاخرة في شرم الشيخ، ثم قفص الاتهام ومحاكمة مديدة نسبياً رافقتها انتخابات للبرلمان، وسبقت انتخابات للرئاسة.. وأخيراً، حكم إدانة مؤبد. سيموت الرئيس في زنزانته ميتة ربه، لا على حبل المشنقة، مثل صدام حسين، ولا بالرصاص، مثل معمر القذافي، ولا بتسوية احتيالية، مثل علي صالح. السابقة القضائية المصرية غير معتادة لا في الانقلابية العسكرتارية العربية، ولا في ثورات "الربيع العربي"، لا تصفية ولا اغتيالاً ولا إعداماً. بذلك، أرست مصر تقليداً جديداً للانقلابيات والثورات، أيضاً، أرسى الرئيس المخلوع، الفرعون الثالث، تقليداً بدوره: لم يهرب، مثل "زين العرب" التونسي، وفضّل المهانة وحضور محاكمته على محفة المرضى العاجزين، كأنه مومياء حيّة، على مهانة اللجوء إلى خارج بلاده. حكم يوم الثاني من حزيران (يونيو) حرّر الانتخابات الرئاسية المصرية من المزاودات حول مصير الرئيس المخلوع: لا براءة ولا إعدام، لا رأفة ولا انتقام، بل حكم بالمؤبد. كم سنة سيعيش الرئيس المتنحّي في منتصف عقده التاسع. في مصر دولة هي دولة حقاً، وفيها شعب هو شعب حقاً، وجيش هو جيش وطني حقاً.. وقضاء هو قضاء عادل. فوق ذلك انتخابات هي انتخابات تنافسية وتعددية حقاً، ونزيهة نزاهة نسبية. مثل هذه الخصائص لا تتوافر في أيما بلد عربي، ولا في أي ثورة من ثورات "الربيع العربي"، ربما باستثناء توافر بعضها في تونس. دفعت مصر ثمناً للتغيير، لكنه يقل عن أثمان التغيير في دول "الربيع العربي"، حوالي 1000 قتيل لشعب تعداده 82 مليون نسمة، ولا أحد يحذر جاداً من حرب أهلية في مصر، كما في العراق واليمن وليبيا وسورية خاصة. القضاء قال كلمته، وأصدر حكمه، والحكم لا يروي غليل البعض، لكنه حبل نجاة لمصر. الإدانة؟ نعم. الانتقام؟ لا. كان الرئيس الجنوب إفريقي السابق، نيلسون مانديلا، قد ناشد ثوار "الربيع العربي" أن يتجنبوا غريزة الانتقام، أي "العفو عند المقدرة" كما تقول العرب دون أن تطبق ما تقول. مصر طبقت ما أمكن من "العفو عند المقدرة" فودعت الملك وداعاً رسمياً، ثم سمحت بدفنه في أرض بلاده، وأيضاً منحت قبراً في أرضها لكبير الطغاة غير العرب، شاه إيران. لا بد أن بعض الشعب السوري بخاصة ينظر بحسرة إلى تنحي الفرعون الثالث عن الحكم سريعاً، وإلى الانتخابات المصرية أيضاً، وأخيراً إلى القضاء المصري، وأول كل شيء إلى جيش مصر الوطني مقارنة بجيش النظام السوري العقائدي. بعد سنة ونصف من الانتفاضة المصرية، ومليونية ساحة التحرير، التي صارت مشهداً عالمياً غير مسبوق، ها إن الثورات العربية الشعبية تسير في طريق الانتظام لا طريق الفوضى. ليس مهماً أن يسلم رأس الرئيس من حبل المشنقة، أو ساحة الإعدام، الأهم أن تجتاز مصر "بر السلامة" ولو بعد حين.. على أمل أن يسفر المخاض العربي العظيم عن أمل حقيقي في التغيير!.