الصحافة الاجنبية تحولت في السنوات الاخيرة الى مركز مفضل من السياسيين الاسرائيليين للانطلاق لمناكفة الحكومة. فهذا العمل لا يعتبر مخالفة (والأحرى ايضا لا يمكن منعهم من القيام به في عصر الانترنت)، ولكن يجدر بالناس المسؤولين ان يتفكروا قبل ان يعطوا العنان للجدال والخلاف. في الاسبوع الماضي نشر في "وول ستريت جورنال" مقالا موقعا من رئيس الموساد السابق مئير دغان ومجموعة محترمة من رجال الاستخبارات، الجيش والدبلوماسية الاجانب. المقال لا يستخف بالخطر المحدق من ايران نووية بل ولا يستبعد صراحة هجوما عسكريا (وإن كان ينطوي على هذه الرسالة) إلا ان الادعاء هو انه يمكن منع السباق النووي الايراني (والمس بالعناصر السياسية والعسكرية التي تديره) من خلال "ضربة اقتصادية قاضية للنظام، بما في ذلك القطع النهائي والمطلق للبنوك الايرانية عن المنظومة البنكية العالمية، فرض حظر مطلق على الاستثمارات وعلى الصفقات التجارية مع طهران، منع نقل البضائع الايرانية من قبل شركات السفن الدولية، فرض عقوبات أليمة على شركات التأمين التي تعمل مع الايرانيين". موقعو المقال على وعي بضعف العقوبات الحالية ("التاريخ يثبت بأن أنصاف الخطوات لن تدفع النظام الى تغيير الاتجاه")، ولكنهم لا يعطون الرأي بأنه حتى في جملة العقوبات الأكثر شدة توجد ثقوب وأنه الى ان تعطي نتائج ايجابية ما، اذا ما أعطت أصلا، فان الجياد ستفر من الاسطبل. في هذه الاثناء، فان الزعماء الذين اجتمعوا في "مؤتمر الدول الصناعية" في كامب ديفيد، قرروا توسيع الثقوب في الشبكة والتخفيف من القيود على ايران في موضوع توريد قطع الغيار للطائرات المدنية والمساعدة الفنية لصناعات النفط (كل هذا في تضارب تام مع توصيات دغان ورفاقه). لدغان وللموقعين الآخرين على المقال حقوق وسمعة كبيرة، ولكنهم لم يعودوا منذ زمن بعيد يوجدون في قائمة النشر الاستخباري لبلدانهم. دغان خبير بالأساليب وبالتنظيم بحكم خبرته العسكرية والاستخبارية وكمن ترأس قسم التنظيم في الليكود. ولكن خسارة أنهم لم ينصتوا الى ما قاله مؤخرا رئيس شعبة الاستخبارات المنصرف، اللواء عاموس يادلين (كلما واصلوا بالهذر الغاء امكانية الهجوم العسكري، هكذا ستقل نجاعة العقوبات). بالمناسبة، يمكن وصف سيناريو مغاير عن ذاك الذي يتوقعه المقال، ويوجد لذلك سوابق تاريخية: اليابان شنت في العام 1941 حربا على الولايات المتحدة أساسا لأنها استنتجت بأن الطوق الخانق اقتصاديا الذي أغلقته عليها (بسبب العدوان على الصين وبسبب المس بالمصالح الامريكية في شرق آسيا) من شأنه ان يؤدي الى أفولها كلاعب رئيس في الملعب الداخلي. يحتمل اذا أنه بنقيض النقيض اغلاق كل الأبواب للعالم بالذات سيدفع زعماء ايران باتجاه الحرب (بينما يكون تفوق "الضربة الاولى" في أيديهم). اليابانيون في حينه ايضا اعتُبروا عقلانيين، ولكن كان بين زعمائهم، بمن فيهم من قاد الحملة على بيرل هاربر، من عرف انه في نهاية المطاف يدهم ستكون هي الدنيا، ومع ذلك لم يمنعهم هذا من اتخاذ قراراهم الهدام. ينبغي الافتراض بأن مقال دغان وشركائه لم يستطب لطهران فقط بل وايضا لتلك الجهات في الادارة الامريكية التي على أي حال تجتهد كي تُخرج الريح من أشرعة الخيار العسكري، سواء لاعتبارات موضوعية وشرعية أم لاسباب تتعلق بالانتخابات وبسعر النفط (مع ان الغالبية المطلقة من الامريكيين تؤيد بالذات الضربة العسكرية). كما ان المحلل السياسي الشهير، فريد زكريا، الذي تُكتب مقالاته احيانا بالهام من مقرري السياسة في واشنطن، كتب الاسبوع الماضي يقول انه مع ان ايران هي مثابة تهديد فقد كان هناك "في السنوات الاخيرة مبالغة منهجية في تقدير حجومه". الأنباء الحالية عن "التفاهم" وعن "الحلول الدبلوماسية" في المفاوضات على الموضوع النووي، والزيارة المفاجئة لرئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى طهران، هي على ما يبدو جزء من هذه المعركة. الطرفان، ايران من جهة والولايات المتحدة واوروبا من جهة اخرى (وبالطبع روسيا)، معنيان بمد الزمن؛ ايران كي تواصل في الخفاء تقدمها نحو الهدف النووي، وامريكا وحلفاؤها كي لا تضطر الى اتخاذ قرارات غير مريحة. ومع أنه لا ينبغي التقليل من أهمية مقال دغان ورفاقه – ولكن يحتمل ان يندموا لاحقا على أنهم كتبوه.