بعيون اجنبية، حقيقة أن المفتش العام للشرطة يوحنان دنينو بالذات كان هو الذي اقترح منح مهاجري العمل الذين يتواجدون منذ الآن في اسرائيل تأشيرات عمل مؤقتة كان يمكنها ان تبدو غريبة: فبصفته مفتشا عاما للشرطة، يفترض بدنينو ان يرى في المتسللين الى اسرائيل منتهكين للقانون يجب التصرف معهم بيد من حديد، وطلب كل الوسائل اللازمة لفرض القانون عليهم – وليس التوصية بمنح تسهيلات، مهما كانت مؤقتة، في اوضاعهم. ولكن نهج دنينو ليس مفاجئا، اذا نظرنا الى ما يجري في اسرائيل منذ بضعة عقود: مستخدمو القوة في الجيش، في الشرطة وفي أذرع الامن الاخرى، هم غير مرة أكثر حذرا بكثير في استخدامها، وأكثر شكا بكثير بالنسبة لنجاعتها، من الكثيرين في الساحة السياسية وفي وسائل الاعلام. رؤساء الاركان الأخيرون الذين توجهوا الى المعركة بقدر أقل بكثير من أسلافهم ومن بعض من أصحاب القرارات (مما دفع باهود باراك الى القول انه مع هيئة اركان عهد اشكنازي ما كنا لنخرج الى حرب الايام الستة). كما أنهم تجرأوا، والعياذ بالله، على الادعاء بأن ليس لمشاكل أمن معينة حل عسكري. موقف مئير دغان ويوفال ديسكن من المسألة الايرانية معروف، وهو ايضا يرحب برافعات دبلوماسية وغيرها مفضلا إياها على الاستخدام الفوري لأكبر قوة ممكنة. هذا تطور مثير للاهتمام، تفسيره منوط تماما بعيني من ينظر اليه. اليمين الاسرائيلي مقتنع بأن قادة الأذرع ببساطة ضعفوا، وليس فيهم قدر الايمان والحماسة اللازمين للعمل بتصميم. واليسار يسارع الى التمسك بأقوالهم، كدليل على ان من يتحمل حقا العبء وله نهج موظف طاهر اليدين وليس نهج سياسي، يصل الى استنتاجات مشابهة لاستنتاجاته. ثمة حتى من يعزو هذه المواقف الى الخلفية الاجتماعية التي جاء منها كبار رجالات الجيش وجهاز الامن، ممن لا يزالون يتماثلون مع النخب القديمة – والتي هي، من جهتها، متماثلة مع الوسط – اليسار السياسي. يُخيل لي ان هذه الظاهرة تشهد بالأساس على ان لقادة المنظمات في اسرائيل ثقة آخذة بالتناقص بالقادة. دغان، ديسكن واشكنازي لم يختلفوا فقط مع المواقف المعلنة لنتنياهو وباراك في موضوع ايران، بل وأعربوا ايضا عن شكهم بدوافعهما وبنقاء أيديهما. رؤساء الاركان السابقون قالوا امورا مشابهة في مواضيع اخرى. وكذا دنينو، كما يُخيل، يسعى الى إحداث التوازن في حماسة القيادة المسؤولة، والتذكير بأن الحديث يدور عن مشكلة عملية يجب حلها بحل عملي، دون أحاديث هستيرية عن الخطر على أمن الدولة. من يلتقي بقادة أذرع الامن لا يمكنه ألا يشعر بانعدام الثقة هذا. فهو يجد تعبيره في مداولات الميزانية، في التخطيطات العملياتية بل حتى في موقف الضباط الميدانيين من العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. في الدول الاخرى يمكن للجيش أو الشرطة ان يسمحا لنفسيهما بأن يطالبا بحلول بالقوة لأنهما يثقان بأن فوقهما سيعرفون كيف يوقفون الجياد المندفعة. أما في اسرائيل فانهما يشعران بالحاجة الى ان يكونا بنفسيهما كابحين وذلك لأنهما لا يعتمدان على القيادة فوقهما بأن تتصرف بمسؤولية. في كل دولة اخرى وضع يكون فيه عدم ثقة من القيادة التنفيذية بالقيادات هو وضع خطير، نوع من الانقلاب. أما في اسرائيل فيُخيل ان كل الأطراف راضون بالذات عن هذا الوضع: فهو يسمح للقيادة السياسية بأن تكون عديمة المسؤولية، مع علمها بأنه دوما يمكن الاعتماد على المنفذين بأن يعطوا الذريعة لعدم التنفيذ: وهو يعزز ثقة قادة الأذرع بحاجتهم أنفسهم كحراس أسوار المنطق والمصلحة السياسية: ويسمح للمواطنين بالتسلي في السيرك السياسي، انطلاقا من الفرضية بأنه في النهاية لن يقع ضرر كبير. مع اختلاف انه في هذه الاثناء لا يفقد فقط قادة الجيش والشرطة ثقتهم بالحكم الديمقراطي، بل ويُفقدنا نحن ايضا إياها.