القدس المحتلة / سما / نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية اليوم الاربعاء تحقيقاً عن سعي اسرائيل الى تهويد بعض المدن الفلسطينية القديمة مثل اللد وعكا وحيفا التي تضم مجتمعات من فلسطينيي العام 1948 ومن اليهود عن طريق بناء مشاريع اسكان خاصة باليهود ومنع العرب من بناء مشاريع اسكان، بل والقيام بهدم اي مسكن يبنونه من دون ترخيص اسرائيلي، علماً ان اسرائيل لا تمنح العرب تصاريح بناء. وهنا نص التحقيق الذي اعده توباياس باك: "على اطراف مدينة اللد القديمة هناك حي جديد يطل على على المسجد المحلي والمقبرة الاسلامية، يرتفع من بين الرمال. وتم إنجاز بناء ثلاث عمارات سكنية بالفعل، وهي تضج بالحياة. وسيكتمل بناء 12 عمارة اخرى خلال العامين القادمين. وبمجرد أن تختفي الجرافات، سيوفر حي "رامات إلياشيف" منازل لحوالي 450 عائلة، وسيكون نقطة محورية في مدينة اسرائيلية معروفة بفقرها وشيوع الجريمة فيها وحرمان أهلها. والمشكلة بالنسبة الى المواطنين العرب في المدينة مثل إبراهيم أبو شوشة هي ان الشقق الأنيقة الجديدة ليست متاحة لهم. ذلك ان "رامات إلياشيف" هي واحدة من عدة مشاريع تطويرية في المدينة مخصصة حصريا لأعضاء في الحركة الدينية القومية الاسرائيلية، الحركة التي أنتجت المشروع الاستيطاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال أبو شوشة وهو يشرب القهوة في دكان حلاق لا يبعد كثيرا عن المشروع الجديد: "دعوهم يبنون، ولكن فليبنوا لنا كما يبنون لليهود. المتدينون يأتون ويحصلون على كل شيء، بما في ذلك الخدمات التي لم نحصل عليها في يوم من الأيام. انظروا إلى شوارعهم. انظروا إلى مدارسهم وحدائقهم". خلال العقود الاربعة الماضية وفر المعسكر الديني القومي الأيديولوجية والقوة البشرية وراء المستوطنات الاسرائيلية المثيرة للجدل في الضفة الغربية. وفي وقت لاحق في الآونة الاخيرة ركز أنظاره على هدف مختلف، لكنه ليس اقل إثارة للغضب. والهدف هو مجموعة المدن المختلطة في اسرائيل حيث يعيش العرب واليهود معا. وفي اللد مثلا فإن حوالي ثلث السكان البالغ عددهم 70 الفا هم من الاقلية العربية في اسرائيل. وكما في اي مدينة مختلطة أخرى، مثل يافا وعكا، تتحرك الجماعات الدينية القومية اليهودية للانتقال إلى اللد بأعداد متزايدة، يشترون الشقق، ويبنون المدارس ويضيفون آلافا من الملتزمين اليهود. وهدفهم واضح، وهو دعم التجمعات اليهودية والحيلولة دون ظهور غالبيات عربية. قال أرون أتياس، وهو مدير معهد ديني يهودي في البلدة القديمة من اللد، والرجل الذي أطلق التعزيزات الدينية القومية في المدينة: "كان هناك وقت وضعنا فيه هدفا رئيسيا هو الذهاب للعيش في مستوطنة ما. اليوم هناك هدف آخر وهو تقوية كل المدن داخل اسرائيل". ويقول الناشطون المحليون إن النفوذ المتصاعد للحركات الدينية القومية في المدن المختلطة بدأ يثير توترات حادة بالفعل. ويغضب السكان العرب بسبب ما يقولون إنه معاملة تفضيلية تُمنح لمشاريع البناء والمؤسسات التي لها علاقة بهذه الحركة. ويشكو السكان العرب في اللد من الإهمال الممنهج والسياسات الرسمية التي يقولون إنها تهدف لإغضابهم واستفزازهم. وبينما يكافح العرب في كثير من الأحيان للحصول على رخصة بناء بسيطة، فان المجموعات الدينية القومية تسطيع البناء على اراض رخيصة بدعم كامل من السلطات المحلية والحكومية. وفي المقابل، يسير الأطفال في أحد الأحياء العربية إلى المدرسة بمحاذاة المجاري المكشوفة- على الرغم من المناشدات المستمرة للبلدية لإقامة نظام مناسب للصرف الصحي. وليس بعيدا عن الخندق ذي الرائحة الكريهة هناك رمز آخر للتوترات المجتمعية، وهو جدار علوه 3 أمتار يفصل الحي العربي عن حي يهودي فاخر في الجانب الآخر من الجدار. والنمو المضطرد للتجمعات الدينية اليهودية في اماكن مثل يافا واللد أثار مخاوف عميقة من أن السكان الجدد سيغرسون صراعات عرقية ودينية تتصف بها العلاقات بين المستوطنين في الضفة الغربية والفلسطينيين في قلب اسرائيل نفسها. وقال محمد دراوشة، المدير التنفيذي لصندوق أبراهيم الذي يؤيد التعايش بين اليهود والعرب في اسرائيل: "هم يحاولون نقل الحركة الاستيطانية إلى داخل اسرائيل، وإزالة الهوية الفاصلة بين المستوطنين والاسرائيليين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر". وبالنسبة الى دراوشة وغيره، يثير التركيز على المدن المختلطة القلق بصورة خاصة. وأضاف: "من الغريب أن هذه المدن التي نعتبرها وسيلة للاندماج، تتحول الآن إلى أماكن للاستقطاب". اتياس، وهو من سكان اللد، كان هو نفسه يستعد للانتقال الى مستوطنة قبل 18 سنة، لكنه قرر في اللحظة الاخيرة ان يبقى في مكانه ويساعد في عكس هجرة المواطنين اليهود المضطردة من المدينة المضطربة. ويقول: "فهمنا اننا نحتاج من اجل عمل ذلك الى مجموعة من الناس القوميين المتدينين الذين يعرفون كيفية التعامل مع التحديات". بدأت الحركة في اللد بعائلتين من الضفة الغربية لكنها نمت باضطراد مع مرور السنين. ويقول اتياس: "هناك حالياً 300 عائلة من المتدينين القوميين في اللد. وفي غضون خمس سنوات سيكون هناك 000،1 (عائلة)". وهو لا يخفي ما تركز عليه مجموعته، اذ يقول: "نحن هنا بسبب اليهود وليس بسبب العرب". ولكن اتياس يصر ايضاً على انه يريد للمجتمعين كليهما في اللد ان يعيشا ويزدهرا، مجادلاً بأن ليس هناك ما يمنع السكان العرب من تنفيذ مشاريع إسكان طموحة مماثلة. غير ان هذا تحديداً هو ما يشكك فيه ناشطون محليون عرب مثل حورية السعدي التي تقول: "انهم لا يسمحون لنا بالبناء. وهم لا يبنون لنا، وعندما نبني من دون ترخيص، يهدمون (ما نبني)". وقد رفضت بلدية اللد طلبات متكررة للتعليق على ذلك. وبعكس مدن اخرى مختلطة مثل عكا في الشمال، لم تتحول مشاعر الاحباط لدى سكان اللد العرب بعد الى عنف. ولكن بعضهم يخشون من ان التوترات ستزداد سوءاً. وتقول سماح اغبارية، وهي عاملة اجتماعية وناشطة محلية، ان السياسة الواضحة القاضية بايجاد مساكن و"خدمات لجزء واحد فقط من المجتمع المحلي تجعل الآخرين يشعرون بالغضب والغيرة". وتضيف: "لا اعتقد ان السلطات تعرف مدى خطورة هذا التمييز على الجميع".