عشرات الساعات قضاها وزراء الحكومة في المداولات على تحريك بضع عائلات من اراض سلبت من العرب في المناطق المحتلة. افضل رجال القانون حاولوا تربيع الدائرة: كيف يمكن أن نظهر كمن يطيع القانون دون أن ننفذ ارادته. أيام طويلة اخرى سيكلف أنفسهم فيها العناء موظفون وضباط وسياسيون. مال طائر سيستثمر في التمهيد، في الشق، في البناء، في الهدم، في المنح وكل ما ينتج عن ذلك، وفي نهاية المطاف سيبتعد أكثر فأكثر اقامة كيان سياسي فلسطيني الى جانب اسرائيل. وهكذا يزداد الاحتمال لاختلاط ابناء اسحق وابناء اسماعيل بحيث لا يعود ممكنا الفصل بينهم. وكم من الوقت خصصت الحكومة للبحث في شؤون عشرات الاف اللاجئين من افريقيا ممن سكنوا في جنوب تل أبيب؟ ولا ساعة واحدة في الاونة الاخيرة. السبب الاساس للفارق بين الزمن والمال المستثمرين في هاتين المسألتين لا يمكن في خطورتهما النسبية. فهو يكمن في أن اليهود الذين يسكنون في الاحياء المعذبة هذه لا يوجد مال ولا يوجد فروع في مؤسسات الحكم. ليس من أجلهم تعمل مجموعات الضغط في أروقة الكنيست. انطلاقا من الاعتراف بالخطر الكامن في اقوالي التالية، أقول ان صوتهم لن يسمع الا بعد أن تشتعل هذه الاحياء. أعواد الثقاب الاولى القيت منذ الان، والسياسيون من النوع الاستفزازي جاءوا لزيادة اللهيب. وفي أحيان بعيدة فقط يحصل للمراقب الاجتماعي ان يكون متأكدا جدا من أن المصيبة قريبة. في صباح يوم الاستقلال تجولت في هذه الاحياء. القليل من الاعلام ترفرف هناك والشوارع، التي تعج بالناس في الايام العادية كانت صامتة. قدرت بان اليهود ينامون والافارقة، الذين عطلوا عن العمل، بقوا في شققهم. وها هي ظهرت مجموعات من الاشخاص السود، كلهم شباب وكلهم تقريبا رجال. في جماعات خرجوا من الازقة وتجمعوا في شارع سلمة. بخطوات خفيفة ساروا، فرحين، يثرثرون بلغاتهم، كتفا بكتف على سبيل الود. الى بحر يافا ساروا. بدوا ليس متحررين، لا يخافون، فرحين، ولكن بالطبع لم اعرف ما في قلوبهم. وقد تفاخرت في أنه بعد 64 سنة من الاستقلال اصبحت بلادي حجر جذب لعيون العالم. فكرت في كلمات قصيدة "الجبار الجديد" المحفورة في نصب الحرية في مدخل ميناء نيويورك. القصيدة كتبتها ايما لزاروس، الشاعرة الامريكية، اليهودية، محبة صهيون: "هاتي لي ابنائك المتعبين، الفقراء/جموع المتطلعين الى التنفس كابناء الحرية". واضح أن اسرائيل ليست أمريكا، لا من ناحية قوتها على الاستيعاب ولا من ناحية المثل التي توجه سكانها اليهود. ومع ذلك، يجدر بنا ان ننتبه الى عدة حقائق تؤيد سياسة تطوير المهاجرين. أولا، الدول المزدهرة في العالم هي دول هجرة. ثانيا، الحضارة المزدهرة تتطور في الدول المكتظة وليس في القرى. ثالثا، المهاجرون الممتنون سرعان ما يصبحون بسرعة شديدة وطنيين متحمسين للغاية لوطنهم الجديد. الناس الذين تابعتهم في يوم الاستقلال كفيلون بان يكونوا الافضل بين الاسرائيليين، لان فقط الشباب، الشجعان، العنيدين واصحاب النباهة قادرون على اجتياز الطريق الذي بين جنوب السودان أو القرن الافريقي وحدود النقب. هؤلاء الاشخاص، اذا ما وفرنا لهم فرصة نزيهة، اذا ما وفرنا لهم سكنا معقولا، اذا ما ادخلناهم الى جهازنا التعليمي، فانهم لن يهددونا بل سيغنوننا. الحكومة ليست فقط لا تتبنى هذا الرأي، بل هي تدفع الى الوراء الاكثر اضطهادا من بين الاسرائيليين القدامى. وهي تضرب هؤلاء باولئك من السكان المستضعفين والنتيجة، دون ظل من الشك، ستكون العنف المتصاعد