على الرغم من كل شيء، فإن أوساط حركة فتح "تطرب" وتنتشي لأي فوز تحققه شبيبتها في أية انتخابات طلابية تحدث في واحدة من جامعات الضفة الغربية ، وتبدو الحركة التي قادت كفاح الشعب الفلسطيني منذ نحو خمسين عاما، وكأنها حزب معارض أو كأنها غير واثقة من تأييد الجمهور الفلسطيني لها، حتى في الضفة الغربية، بما يعبر عن ضعف الثقة بالنفس . ربما يعود الأمر إلى أن الانتخابات الطلابية كانت تجري قبل انشاء السلطة في ظل الاحتلال، وكانت أغلبية فتح غير واضحة، خاصة وأنها تواجه منافسة مزدوجة من قوى اليسار الذي يتمتع بوزن في أوساط النخبة الطلابية أكثر من حجمه في الشارع الشعبي، ومن قبل القوى الإسلامية , خاصة حركة حماس في الوقت ذاته، ودون تحالفات، غالبا ما تحقق فتح أغلبية في المجالس الطلابية منفردة!. لكن بعد اقامة السلطة، فإن فتح تحولت إلى الحزب الحاكم الذي بات عليه أن يدافع عن سياسة الحكم، في الوقت الذي يتمتع فيه بدعمه، لكن وفي كل الأحوال، وكل من تابع المسيرة السياسية الفلسطينية على مدار العقود الماضية يعرف أن حركة فتح ما كانت تجد " تحديا " سياسيا حتى في أوساط الطلاب الفلسطينيين في أوروبا الشرقية التي كانت تقدم المنح الطلابية لقوى اليسار الفلسطيني، كما كانت تواجهه في داخل الوطن قبل إقامة السلطة وبعدها . طبعا التحدي الأهم الذي تعرضت له فتح كان انتخابات العام 2006 العامة الفلسطينية، حيث خسرت بشكل مدو وصارخ السلطة التشريعية، ومن ثم حكومة السلطة، ولأول مرة تبدو فتح بموقع التنظيم الفلسطيني الثاني، أو المعارض، ولولا أن الحظ كان قد خدمها بإجراء انتخابات رئاسة السلطة قبل انتخابات التشريعي بنحو عام لكانت الآن الخريطة السياسية الفلسطينية مختلفة تماما، ولكانت فتح لا تمتلك جوهرتها الثمينة المتمثلة بمؤسسة الرئاسة!. سلطة فتح منذ عام 2006 معلقة بالرئيس محمود عباس، لذا تعززت مكانته الشخصية كشخصية مركزية في الحركة منذ ذلك الوقت . كان كثيرون يتوقعون أن تؤدي صدمة نتائج الانتخابات في عام 2006 إلى " ثورة " داخل حركة فتح، لكن مع مرور الأيام والسنين، فانه يمكن القول بثقة بأن شيئا من ذلك لم يحدث، ورغم أن حركة فتح بعد مؤتمرها في عام 2008 أغلقت دكاكينها الداخلية شيئا فشيئا، وتوحدت حول أبو مازن إلا أن المظهر العام للحركة كان السير على طريق الانكماش الداخلي وتراجع التأثير الشعبي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة , وطبعا الحال هكذا في الخارج . خير دليل على ذلك أن حركة فتح ورغم الدعوات المتكررة لرئيسها ورئيس الفلسطينيين بإطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية إلا أنها عجزت عن القيام بهذا الأمر، رغم أجواء الربيع العربي، ورغم الهبات الشعبية الفلسطينية، خاصة الخارجية منها التي تتوالى تباعا بمناسبات النكبة والنكسة ، ورغم انغلاق الأفق التفاوضي، أي رغم وجود العوامل المساعدة المذكورة . كذلك وبعد مرور خمس سنوات على انقلاب حماس على سلطة الرئيس أبو مازن وتمردها في غزة ، ورغم ما أبداه الفلسطينيون من رفض لحالة الانقسام ومن استعداد للتضحية، خاصة في غزة من أجل فرض الوحدة , إلا أن فتح لم تقم بقيادة الفعل الميداني الحاسم الرافض للانقسام في غزة . بالمقابل فان فتح ومنذ 5_6 سنوات منشغلة إما بقضاياها الداخلية، ومن ضمنها قضية محمد دحلان، أو بمحاولة الهيمنة على حكومة السلطة، ومن يتتبع المواقف السياسية للحركة يدرك أنها وعلى عكس تاريخها الذي كانت تجمع فيه الفلسطينيون، فإنها شيئا فشيئا صارت تتراجع للوراء منذ تشكيل السلطة، وبات ثوبها يضيق على من هو غير فتحاوي، ففتح لا تطيق وجود رئيس حكومة من غير فتح رغم كفاءته التي فاقت كل من احتلوا الموقع من قبله من الفتحاويين , ولا تطيق وجود وزير أو مسئول غير فتحاوي , وهي لا تكف عن خوض المعارك ضد حلفائها . حتى في غزة , تظن أن مشكلة تراجع تأثيرها الميداني , وانفضاض كثير من كوادرها الميدانيين عن الالتزام بسياساتها , يمكن معالجته بالإجراءات الداخلية , وهي غيرت قيادة الحركة في غزة أكثر من مرة , في ظل ركود ميداني للعمل الحركي . الجميع يعرف أنه رغم أن رئيس حكومة السلطة ليس فتحاويا, كذلك كثير من وزرائها , إلا أن السلطة الأمنية في الضفة هي سلطة فتحاوية تماما , إن كان من خلال تلقيها التعليمات من قبل الرئيس مباشرة , أو من خلال تولي مسؤوليات أجهزة الأمن وقيادتها من قبل كوادر فتحاوية . الأمر مع حماس لا يختلف كثيرا , فهي أيضا في حالة تراجع , ومن يعيش في غزة، يتساءل إن كانت هذة هي حماس التي كانت قبل خمس سنوات , وكانت قبل أن تصل للسلطة تسيير المظاهرات والمسيرات كل يوم تقريبا , ويستجيب لها جمهور واسع وعريض , وتعجز الآن عن أخراج نصف ذلك العدد الآن , حتى في المناسبات الوطنية . وحماس التي كانت تدعي أن السلطة تلاحقها , أصبحت اليوم هي السلطة في غزة , رغم ذلك وربما بسبب ذلك فأن نصف من كانوا يستجيبون لمواقفها باتوا لا يهتمون بما تقوله الآن . وحماس تدعي أنها في الضفة الغربية ملاحقة , مما يحول دون أن تقوم بفعل المقاومة , لكنها تنسى أن الأمر كان هكذا في غزة , كانت السلطة موجودة وكان الاحتلال أيضا , وكانت هي أقل حضورا وتأثيرا وحتى عددا وعدة , وكانت تقوم بفعل المقاومة , وقلبت الطاولة على الجميع , هنا في غزة . الغريب أن الحركتين تقومان الآن بإجراء ترتيبات داخلية تشغلهما وتشغل الناس عن ما يجب أن تقوما به تجاه الشعب الفلسطيني من فعل على صعيدي المصالحة الداخلية، وعلى صعيد المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي . منذ نحو شهرين لم يحدث أي تطور، حيث باتت الحركتان حتى ليستا بحاجة إلى إدارة الانقسام عبر البث المتلاحق للأوهام من خلال اللقاءات , بعد أن فرضتاه على الفلسطينيين , ولم يحدث أي شيء بخصوص المواجهة _ السياسية والميدانية _ مع الإسرائيليين . انغلاق أفق المصالحة وإعادة الوحدة الداخلية , كذلك انغلاق أفق الحل السياسي , في الوقت الذي لا يوجد فيه أي فعل على طريق التغيير , يعتبر بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة , أو وضع القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ويمكن أن تطال الجميع هذة المرة ولا تقتصر على الجانب الإسرائيلي، وعلى الحمساويين والفتحاويين معا أن يدركوا بان استطلاعات الرأي ليست معيارا دقيقا فقد نجح نظام حسني مبارك قبل شهور قليلة من سقوطه بتحقيق " فوز" كاسح في انتخابات مجلس الشعب المصري، وعليهم أن لا يفرحوا لتحقيق مكاسبهم على حساب بعضهم بعضا، بل أن يلاحظوا تزايد حجم الانفضاض الشعبي عنهما، بل عن الانخراط في العمل الوطني عموما، وهذا يعود إلى تحول الحركتين إلى حزبين حاكمين أساسا . Rajab22@hotmail.com