خبر : لماذا لا يرفع الفلسطينيون شعار الدولة الواحدة؟ .. بقلم: أكرم عطا الله

الأحد 22 أبريل 2012 01:42 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا لا يرفع الفلسطينيون شعار الدولة الواحدة؟ ..  بقلم: أكرم عطا الله



في مواجهة شعار الدولة اليهودية ـ المخالف لمنطق الأشياء، والمنافي لحقوق الإنسان ـ الذي ترفعه إسرائيل دون خجل، فهو شعار قائم على التمييز أولاً، ويعطي لليهودي في أي دولة في العالم حقاً في هذه الأرض، بينما يحرم المسيحي في الناصرة أو المسلم في عكا، والذي يعيش في الدولة هذا الحق، فكل دول العالم هي دول مواطنيها الذين يعيشون فيها. لم يعمل الإعلام الفلسطيني ولا ماكينة الدعاية (هذا إن وجد البرنامج) ما فيه الكفاية لفضح هذا الشعار، وسط عالم يعتبر العنصرية أحد أبرز الجرائم، فمن يستطيع في الولايات المتحدة أن يقول لن أنتخب أوباما لأنه والده مسلم أو لأنه أسود؟ ولأن البرنامج الإسرائيلي النظري (الدولة اليهودية) والعملي (جدار الفصل عن العرب) هو برنامج عنصري بامتياز، كان يجب أن يشكل مادة عمل هائلة للسياسة الفلسطينية فيما لو أحسنت استخدام أدواتها الإعلامية وجهازها الدبلوماسي لفضح وكشف ووصم إسرائيل. حملة التعاطف الدولي مع الفلسطينيين في تزايد، وربما تعبّر التظاهرة الكبرى ـ الأسبوع الماضي، للمتضامنين الذين تركوا أعمالهم وأتوا لدعم الشعب الفلسطيني، والذين اكتمل مشهدهم بالاعتداء البشع من قبل نائب لواء الغور على المتضامن الدنماركي ـ عن تصاعد الكراهية ضد الاحتلال، وإذا ما أضيف إليه توقف بعض الدول الإسكندنافية عن السماح لجهاز المخابرات الإسرائيلية بتفتيش الطائرات الإسرائيلية قبل إقلاعها إلى تل أبيب، والتحذير الإسرائيلي من تزايد هذه الظاهرة في أوروبا، فإن هذا يعني أن هناك فرصة كبيرة للعمل، فعلى ما يبدو أن العالم ملّ الاحتلال. لقد جرب الفلسطينيون ثلاثة أساليب حتى اللحظة في مواجهة إسرائيل والضغط عليها بهدف إقامة دولتهم لكن النتيجة أن الاحتلال يتكرّس أكثر، وحلم إقامة الدولة الفلسطينية يضمحل أمام أعينهم، لأن المشروع الاستيطاني لم يبقِ من الأرض ما يمكن أن يسمح بإقامة دولة، وربما يعكس مؤتمر مستوطني الليكود ـ الذي يعقد اليوم في إحدى مستوطنات رام الله بحضور عدد من وزراء الحزب الذي سيطالب بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل ـ نمط الفكر الإسرائيلي السائد حالياً. فقد جرب الفلسطينيون أولاً الكفاح المسلح ضد إسرائيل ولم يتمكنوا من هزيمتها وإرغامها على الرحيل حين واجهوا دولة عبارة عن ترسانة أسلحة أميركية تمتلك من السلاح ما يجعل الفلسطيني فقيراً أمامها، وفي ظل استنكار دولي لهذا الأسلوب ذهبوا لمسايرة العالم من خلال المفاوضات التي أرادتها الدول الكبرى كوسيلة للتفاهم بين الجانبين، ولكن العالم ترك الفلسطيني تحت رحمة القوة الإسرائيلية والفيتو الإسرائيلي والتلاعب الإسرائيلي بها لتنتهي هذه المفاوضات بعد عقدين برسالة يائسة توصف الحالة سيرد عليها رئيس الحكومة الإسرائيلية برسالة مماثلة، وحين أدركوا عقم هذا الخيار وتحكم القوة الإسرائيلية بتفاصيله ذهب الفلسطينيون للخيار الثالث وهو التوجه لمجلس الأمن لطلب عضوية على المساحة التي أقرها العالم ووعد بها الرئيس الأميركي، فاصطدموا بحائط أميركي ليغلق أمامهم آخر ما تبقى من أحلام ووسائل كانت واحدة منها تكفي لإقامة دولة فلسطينية، كما حدث مع كثير من المناطق التي خضعت للاحتلال ونالت استقلالها سواء بالمقاومة أو بالمفاوضات وغيرها بقرار من مجلس الأمن. فإذا ما أغلقت أمامهم كل الطرق، فلماذا لا يذهبون نحو خيار الدولة الواحدة التي يعيش فيها الجميع بمساواة تامة، هذه هي العدو الرئيس لدولة تبحث عن النقاء العرقي، وقيمة هذا الشعار أنه يستمد قوته من الرفض الإسرائيلي المطلق لهذه الفكرة من حيث المبدأ، ويعطي الفلسطينيين تفوقاً أخلاقياً وسط هذا الصراع الطويل الذي انتقل في السنوات الأخيرة إلى الحلبة الدبلوماسية وبدأ الفلسطينيون يحققون فيها نقاطاً مهمة في هذا المجال. فحين يرفع الفلسطيني هذا الشعار القريب إلى عقل وقلب وثقافة العالم والمنسجم تماماً مع حقوق الإنسان ويعكس رغبة الفلسطيني بالتعايش بمساواة تامة مع الجميع بعيداً عن العنصرية والتمييز ورفض الآخر، فإنه يقدم الفلسطيني بشكل يرغم العالم على احترامه، فهذه هي القيم التي أجمعت عليها الدساتير الدولية وأصبحت ثقافة كونية يتم تصنيف الدول وفقاً لالتزامها بهذه المعايير كدول متقدمة وجزء من الأسرة الدولية أو دول متخلفة خارج هذه الأسرة، ولا شك في أن هذا الشعار يزود الفلسطيني بمادة جديدة لانتصار إعلامي وسياسي لن تستطيع إسرائيل مواجهته. هل سترد إسرائيل بنعم للدولة الواحدة ؟ فليكن ذلك، ولكن الفكر السياسي في إسرائيل حتى قبل نشأتها قائم على الرفض، وستواجه هذا الشعار برفض يشكل عنصر إدانة كبيراً لدولة لا تزال تعطي للمواطن تصنيفاً قومياً ودينياً وسط عالم يسافر فيه رجل مسلم أسود إلى مجتمع مسيحي أبيض ليصبح ابنه رئيساً في تلك الدولة، ورفض إسرائيل يعني رفضاً للمساواة وقيم العالم الحر وانكشاف دولة تتغنى بالديمقراطية وتقيم علاقاتها الدولية وفقاً لتلك الدعاية، شعار الدولة الواحدة هو شعار دعائي بالدرجة الأولى يستقي قوته من الرفض الإسرائيلي الذي يرسخ صورة إسرائيل العنصرية ويسلح الفلسطيني بمادة دعائية قوية هو أحوج لها في ظل إشارات كثيرة بدأت تظهر في السنوات الأخيرة توحي بانكسار صورة إسرائيل وانزياح في التأييد لصالح الفلسطينيين. خلال العام الماضي التقط بعض الفلسطينيين في الضفة الغربية فكرة الدولة الواحدة وبدؤوا الترويج لها من خلال حملة إعلانية في بعض شوارع الضفة، فقام البعض بتحطيم تلك اللافتات وربما أن ذلك الحدث لم يعكس فقط أزمة حرية العمل السياسي بقدر ما يعكس أزمة الوعي والتقاط اللحظة وتكامل المشروع الوطني وأدواته الدعائية لينتقل الأمر إلى تساؤلات لا بد منها. هل هناك برنامج وطني محكم التخطيط في كافة جوانبه أم أن السياسة الفلسطينية قائمة على ردة الفعل على الحاضر؟ وهل يشارك المفكرون في رسم هذه السياسة أم أن السياسي وحده يقرر البرنامج؟ وهل هناك طواقم قادرة على إدارة لعبة الصراع بكافة جوانبها؟ ربما تستنسخ هذه الأسئلة عشرات الأسئلة واجبة البحث عن إجابات ربما تشكل إجابتها فعل الضرورة الفلسطينية وضرورة الفعل أمام تلاشي الحلم الفلسطيني وفي مواجهة ازدهار حلم المستوطنين بالسيطرة على الضفة الغربية. لماذا لم يتشكل حزب فلسطيني يرفع شعار الدولة الواحدة على سبيل الدعاية على الأقل، ولماذا لا يسجل الفلسطينيون نقطة جديدة في هذه المعركة الطويلة التي اتضح أنها لن تحسم بالضربة القاضية بل بالنقاط. ولماذا لا يرفع النظام السياسي الفلسطيني هذا الشعار بعد انغلاق الخيارات؟ المسألة مدعاة للتفكير...!. Atallah.akram@hotmail.com