للتهديدات الاسرائيلية المتعاقبة وكثرتها وظائف متعددة (وإن كانت تنم عن ضعف) في مقدمتها الخداع والتضليل والتعويم والتمويه على ما تخطط له القيادة الاسرائيلية وما تضمره من عدوان سواء في الزمان (ربيع أو خريف، قبل الانتخابات الاميركية او بعدها) او المكان ( القدس والضفة الغربية، قطاع غزة، سيناء، لبنان، سورية، ايران، السودان) او الحجم (عدوان، حرب، توغلات وغارات) او انماط الحرب (حرب جيوش نظامية، شبه عصابات، برية او بحرية، انفاق تحت الارض او فوق الارض، قوات هندسة وجرافات، انزال مظليين ومعدات، قصف طائرات، تجسس واستخبارات، اعتقالات واغتيالات) اضافة للحرب النفسية وتوتير الأجواء والتدخل في الشؤون الداخلية وزرع بذور الفتنة، وارسال الرسائل، والضغط واشغال المقابل وابقاؤه في حال استنفار واستنزاف قوته وارباكه وجس النبض ومراقبة السلوك وردة الفعل، والاستدراج في محاولة لخداع العالم بان اسرائيل الضحية والضعيفة تماما كما هي محاولتهم على الجانب السياسي والايحاء بان الفلسطينيين يرفضون السلام، وهي ايضا تصب في خانة التهديدات. لم تستخدم اسرائيل في معظم حروبها السابقة هذا الزخم من التهديدات لأنها كانت تذهب للحرب مباشرة حيث سمحت لها الظروف بذلك، لكنها لجأت لتغليف دوافع الحرب بأسلوب التهويل وتضخيم قوة وإمكانيات المقابل كمقدمة للعدوان ولتبرير استخدامها الحجم الهائل (أمام حلفائها) من الجنود والسلاح والمعدات التدميرية وتنفيذ خططها ومن الأمثلة على ذلك ما حصل عند اجتياح جنوب لبنان (سلامة الجليل) عام 1982 والتي جاءت رداً على اطلاق النار على السفير الاسرائيلي شلومو ارغوف في لندن سبقها حملة تعبئة للرأي العام العالمي بان لدى الفلسطينيين جيشاً يضم عشرات آلاف المقاتلين ومئات المدافع الثقيلة والدبابات وراجمات الصواريخ وهو ما يشكل خطراً على اسرائيل، بدليل ان جيشها لم يقف عند جنوب لبنان او الزهراني كما سربت من معلومات حيث تتواجد معظم هذه القوات والمعدات بل واصلت الزحف الى بيروت وحاصرتها مدة 88 يوماً صمد فيها الفلسطينيون واللبنانيون، ولم تكتف بذلك بل واقتحمتها بعد خروج رجال المقاومة الفلسطينية منها وأكثر من ذلك ارتكبت جرائم الحرب ونفذت مجازر صبرا وشاتيلا. لم يكن بوسع اسرائيل تنفيذ مثل هذا العدوان لولا دعم الولايات المتحدة الاميركية الذي وصف وزير خارجيتها الكسندرهيغ منظمة التحرير الفلسطينية بأنها "وكيل سوفياتي"، وذلك حين زار القدس المحتلة قبل العدوان، ومع ذلك وعند تعثر اسرائيل باقتحام بيروت في المهلة المحددة (1 آب 1982) تبادلت الولايات المتحدة واسرائيل التهم حول اخفاقها في استخدام أحدث المعدات الحربية الأميركية واشدها فتكا من طائرات حربية وقنابل الأعماق والتدمير، مما اضطر شارون وزير الحرب آنذاك لخوض محاولة اقتحام اخرى (4 آب 1982) دون الاعتماد على الطائرات الأميركية ففشل أيضا. فكيف يكون الوضع مع ازدياد العثرات الحربية الإسرائيلية وتعقيدات الأوضاع في الولايات المتحدة الأميركية وتورطها في العراق وافغانستان وباكستان والانتخابات، بدا ذلك من خلال وعد نتنياهو للرئيس الأميركي اوباما بتأجيل ضرب ايران، وهذه ستكون العقبة الأولى عند توجه القيادة الإسرائيلية للحرب على الجبهات الأخرى، الى جانب مراحل أخرى يجب على قيادة اسرائيل عبورها، اضافة الى الإجابة على اسئلة واستفسارات عديدة كانت معفية منها في السابق، وهو ما يفسر غزارة التهديدات، اولى المراحل التأكد من جاهزية الجبهة الداخلية والتي تسبب خلل فني أدى لإطلاق صفارات الإنذار قبل اسبوعين لخلق حالة ارباك في القيادة على كافة المستويات وأظهر ضعف السيطرة والقيادة وقلة التنسيق والتعاون، وانكشف ذلك بوضوح عندما تأخرت في اصدار تعليماتها للجمهور في كيفية التصرف وتلافي الخلل، فكيف سيكون وضع هذه الجبهة عند المعركة الحقيقية وانهمار آلاف الصواريخ والقذائف كما يتوقعون؟ وثاني المراحل استعادة الثقة بقدرات الجيش الاسرائيلي وقوة ردعه ومعنويات جنوده خاصة في ظل هاجس الأسر وبعد توقع نقل المعركة للداخل الاسرائيلي، وثالثها عدم نجاح منظومات الدفاع ومنها القبة الحديدية بالتصدي الكامل للصواريخ الفلسطينية، والمرحلة االرابعة توفير الحد الأدنى من الدعم الغربي وتأمين سلامة الغطاء في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية والعربية، في زمن أخذ ينظر فيه العالم لاسرائيل بأنها دولة حرب وعدوان وهو ما عمق مأزقها الدولي. ومن الأسئلة ماذا حققت لاسرائيل قوتها العسكرية وحروب الماضي وبعد استخدامها لأشد الأسلحة فتكاً وأحدث المعدات تدميراً ومنها المحرمة دولياً من انجازات سياسية سوى احتلال الأراضي والشعور بعدم الأمان وبأنها مدانة على الصعيد الدولي بارتكاب جرائم حرب. ثم يأتي السؤال ما هي أهداف الحرب وماذا عن اليوم التالي في ظل الإصرار على الصمود والتصدي لها؟ ومن سيتحمل كلفة الحرب المرتفعة بحسب توقعات القادة الاسرائيليين ؟ وكيف يمكن لاسرائيل ان تحافظ على عقيدتها العسكرية التي تعتمد على القتال على ارض الغير في حال دارت الحرب في اعماقها وبدأ سقوط الصواريخ والقذائف عليها من كل حدب وصوب؟ وكيف يمكن لها ان تخوض حرباً تعرف بدايتها ولا يمكن لها انهاؤها او التحكم بمجرياتها؟ هذا عدا عن الأسئلة المتعلقة بالمتغيرات العربية التي أشار اليها نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل بالزلزال، ووصفها وزير حربه باراك بالتسونامي، وقال عنها بن اليعازرإنها جعلت اسرائيل تخسر اهم حلفائها واصدقائها، والتي على أثرها سيعاد النظر في هيكلية الجيش الاسرائيلي ومراجعة شاملة لانتشاره على الجبهات كافة، في ظل خفض الميزانيات وتصاعد التحديات. بعد كل هذا ومع الإقرار بأن قيادة اسرائيل مرتبكة والأمور لديها ملتبسة ويمكن ان تتخذ قرارات حمقاء، وتخوض مغامرات. waseferiqat@hotmail.com *خبير ومحلل عسكري.