خبر : في غياب إستراتيجية شاملة للصراع... ..بقلم: طلال عوكل

الخميس 19 أبريل 2012 03:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
في غياب إستراتيجية شاملة للصراع... ..بقلم: طلال عوكل



إذا جاز لنا أن نقدم المنهج الذي يتبعه الفلسطينيون في التعاطي مع ملف الأسرى الفلسطينيين، كنموذج متبلور لطريق تعامل الفلسطينيين مع معاركهم الوطنية ولمجابهة التحديات الاحتلالية الصعبة والمتزايدة، فإن التقييم الموضوعي سيستنتج أن ثمة تصورا كبيرا ونوعيا يعكس حالة من الترهل وارتباك واختلاف الاستراتيجيات، كما يعكس ضعف الأدوات. في ذكرى الأسير الفلسطيني يتقدم الخطاب الأخلاقي، المحكوم للشعاراتية مشفوعاً بالكثير من النشاطات الشعبية والاعلامية الروتينية، وتتكرر الوعود، والصلوات والدعوات، ممن يؤكدون ان تحرير الاسرى مهمة تقع في اول سلم الاولويات وانه لا سلام بدون تحريرهم، ومن يؤكد ان تحريرهم لا يتم الا بالمقاومة واسر المزيد من الجنود الإسرائيليين. والنتيجة ان هذه وتلك جرعات تخدير، وما يتم من نشاطات لا تزيد على التعبير المعنوي والاخلاقي الصادق تجاه الاسرى وذويهم، فلا السلام قريب وممكن تحقيقه، ولا تثبت التجربة امكانية او سهولة تكرار ما وقع على الجندي شاليت، بما يكفي لتحرير الاسرى.صحيح ان السجن لا يغلق كلياً على نزلائه، ولكن نحو عشرين عاماً مضت منذ توقيع اتفاقية اوسلو، ولا يزال عشرات وربما مئات الاسرى، يقبعون خلف القضبان. مثل ملف الاسرى ملفات كثيرة، فلقد حررنا القدس، لكثرة الحديث وإطلاق التصريحات والتهديدات، واتخاذ عشرات القرارات الفلسطينية والعربية بشأنها، لكن القدس تفلت من بين ايدينا ساعة بعد أخرى، بشهادة الواقع، وشكوى الرئيس محمود عباس المتكررة مؤخراً امام المنتديات العربية الرسمية.تستمر اسرائيل في تقويض الحقوق الفلسطينية ونهب الارض، تهويداً ومصادرة وتستمر في اعتداءاتها واعتقالاتها، وتستمر متحدية العالم بكل ارثه الانساني والفكري والقانوني والاخلاقي، ويستمر الفلسطينيون في انقسامهم وضعفهم، وصراعاتهم الداخلية، وانتصاراتهم على بعضهم البعض، ويواصلون خطاباتهم المختلفة، من يصر منهم على خيار السلام، الذي لا نهاية له ولا تنازل عنه، ومن يصر على خطاب المقاومة طريقاً وحيداً للتحرير، وكل ذلك بدون سلام وبدون مقاومة حقيقية تؤكد صدقية الالتزام.لم يفاجئني أحد مقدمي البرامج الاذاعية الفلسطينيين حين قطع مداخلتي على الهواء وأنا أقدم تقييماً لواقع الحال الفلسطيني، بما في ذلك حال القيادات الفلسطينية قائلاً: إنكم في غزة تملكون من الجرأة في الحديث اكثر مما يتاح لنا في الضفة-لم يحتمل التقييم السلبي الذي قدمته رغم أنه يتفق معه، فاكتفى بما قلت دون ان يمنحني الفرصة للمتابعة. ولكن لماذا لا يستطيع المفكرون والمثقفون والكتاب الفلسطينيون وأهل الرأي، الإدلاء بجرأة كافية بآرائهم وتقييماتهم ومواقفهم؟قد يعتقد البعض ان للأمر علاقة، بالخوف من ملاحقة وتهديدات وإجراءات السلطات هنا في غزة وهناك في الضفة، وهو أمر واقع لا يحتاج تأكيده الى شواهد، غير ان هناك ضوابط أخرى، تأخذ مكانها في منظومة القيود التي تهبط بمستوى الجرأة في التفكير والتعبير.من هذه القيود، القيد الاخلاقي، حيث يمتنع اهل الرأي عن الادلاء بكل ما لديهم، لكن لا يبدو الأمر على انه نهش ونبش في عناوين القضية وأهلها والمناضلين من أجلها، قد يؤدي الى الاحباط، والى خلق حالة من الاعجاب غير اللائق وغير الموضوعي لما تقوم به اسرائيل، على اعتبار ان ما هو جيد لنا سيئ لاسرائيل وما هو سيئ لنا جيد لاسرائيل.ومن هذه القيود ايضاً، ان الفصائل بتاريخها، ودورها، وبما تقوم به لا تزال تحظى بأهمية قصوى في اطار النضال الوطني الفلسطيني، ولأن النقد مهما بلغ من الجرأة والحدة والسلبية، فإنه لا يستهدف نسف هذه الحقيقة بقدر ما أنه يستهدف اصلاح احوال واداء الفصائل، وتعزيز قدرتها على الفعل النضالي.ولكن من هذه القيود ايضاً ما ينتاب الكتاب والمثقفين والمفكرين من احباط في دواخلهم حين يشعرون بأن آراءهم وتحليلاتهم ونصائحهم ومبادراتهم ترتد على جدران العنجهية الفصائلية، ومناهجها اليقينية التي لا يعتريها خلل.الآن تشهد الساحة الفلسطينية شكلاً "ابداعياً" جديداً من اشكال المفاوضات مع اسرائيل، وهو شكل مفاوضات الرسائل، عرفت قبل هذا التاريخ المفاوضات المباشرة، السرية وغير السرية، والمفاوضات غير المباشرة عبد الوسطاء الذين لا يتوقفون عن العمل، وعرفنا المفاوضات الاستكشافية، ولكن وبغض النظر عن استعداد او عدم استعداد القيادات للاعتراف بكل اشكال المفاوضة، الا ان هذا لا ينفي ان هذا العام يتسم بتعدد اشكال العمل من اجل استهلاك الوقت. يبدو لاسباب خارجية، وداخلية فلسطينية، ان القيادة غير مستعدة لتحمل تبعات الاعلان عن فشل وانغلاق خيار وطريق المفاوضات، والذي يعني بالملموس اقفال بوابات السلام. اسرائيل تغلق بوابات ومنافذ السلام، الذي لا يبدو أنه يحظى بفرصة لا الآن ولا غداً، ولا هو اصلا حظي بمثل هذه الفرصة حتى حين تم توقيع اتفاقية اوسلو.ان الاوضاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، محكومة لصراع مرير، دامٍ تستخدم فيه من الجانب الاسرائيلي كل انواع الحروب الباردة والساخنة، التي يخوضها الاسرائيليون بشكل منهجي، مخطط، فيما يخوضها الفلسطينيون بشكل عفوي، يرتقي الى مستوى القدرية، والايمانيات المطلقة، التي تستهتر بعامل الزمن وحجم وانواع التضحيات، حتى يصلوا الى الواقع المأمول والملموس، والاكيد في النهاية أن هذه الارض كلها ستعود الى اصحابها الاصليين طال الزمان أم قصر.هذا العام هو عام البراعة في استنزاف الوقت لاسباب تتصل بعجز الادارة الاميركية عن ان تفعل شيئاً للسلام، وعجزها عن ان تعلن فشل وانغلاق طريق السلام. يقوم الفلسطينيون بمهارة بمهمة استنزاف وتقطيع الوقت، وتقوم اسرائيل بمهارة اكبر في استغلاله، للمضي قدماً في مخططاتها الاستيطانية والتهويدية التي تقوض وتصادر الحقوق الفلسطينية، حتى لا يبقى للسلام مكان.هل يستطيع أحد ان يقول لنا، وان يقنع الجمهور الفلسطيني، باسباب اللجوء الى أسلوب مفاوضات الرسائل، حتى لو كانت بمقدار رسالة واحدة أو اثنتين ننتظر وصولها الى السيد نتنياهو منذ شهرين؟ في البداية فهمنا ان مضمون الرسالة التأكيد على الموقف الفلسطيني، والهدف، هو تبرئة الذمة وكأننا مهتمون بافشال المفاوضات، وكمقدمة ستكون متبوعة بنشاطات ومبادرات، تغضب اسرائيل والولايات المتحدة، ولكن هل هذا الأمر لا يزال قائماً ام انه تبدد حتى لم نعد نعرف ماذا ولماذا هذه الدبلوماسية؟ لماذا لا يكون ذلك جزءاً من استراتيجية فلسطينية وطنية شاملة، ومتفق عليها من قبل الجميع في اطار مصالحة حقيقية؟ في الواقع ذهبنا بملفاتنا أو بعض منها الى مجلس الأمن، واليونسكو، ومحكمة لاهاي، والمجلس العالمي لحقوق الإنسان ولكننا لم نتابع، وتوقفنا عند الخطوات الأولى ونتساءل كيف تابع الفلسطينيون مصادقة الجمعية العامة للامم المتحدة على توصية محكمة لاهاي بشأن الجدار وماذا فعلنا بعد تقرير غولدستون، وبعد رفض اوكامبو الطلب الفلسطيني لمناقشة جرائم الحرب الإسرائيلية، وماذا بعد قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن الاستيطان؟