خبر : منبهات .. ومهدئات! ..توفيق وصفي

الأربعاء 18 أبريل 2012 08:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
منبهات .. ومهدئات! ..توفيق وصفي



توتَّر بائع الخضار فجأة، عند دخول سائق سيارة للأجرة المحل على عجل، دون أن يتمكن من إيقافه، والآخر يردد وهو يدخل دورة المياه الخاصة بالعمال بأنه "مزنوق"، ثم التفت البائع نحوي هامساً بملامح اعتذار "إنه يتعاطى"، أومأت بعيني في اتجاه "بيت المي" سائلاً أتقصد "المزنوق"، هز برأسه موافقاً وكاد أن يقول شيئاً، لكن الضيف خرج وعلى وجهه آيات جذل لافتة، ومرّ سريعاً وهو يقول بعبثية ضاحكاً "بدنا نعرف نسوق"! لم يتسنّ لي الاستفسار عن "السم" الذي يتعاطاه هذا "المَبْلي"، لكن صديقاً يدير صيدلية قال لي حين قصدته لشراء أي شيء لوجع الرأس إن التعاطي يعني الإدمان على واحد من اثنين، المنبهات والمهدئات، مستغرباً جهلي بهذه الأمور. أصررت على أنني أعرف أن المهدئات الممنوعة والضارة تندرج في قائمة الحشيش والأفيون، بينما يتسيّد عالم المنبهات المحرمة الكوكايين. ضحك الصيدلي المخضرم قائلاً "كان زمان وجبر"، وأكد وهو ينتقي عدداً من علب الدواء المختلفة أننا متفقان، فالمنبع الفعلي للمنبهات والمهدئات الرائجة اليوم على شكل أقراص وتحاميل وحقن هو منبهات ومهدئات الأمس التقليدية، وأوضح لي أن الأفيون هو المادة الفعالة في عدد من الأدوية المهدئة والمسكنة، كالترامادول الذي تبلغ فيه نسبة الأفيون 025ر1 ملغم، بينما تزداد هذه النسبة في نظيره الرائج في الأسواق لأنه مصنع في مصانع غير مرخصة في بلدان أخرى، ثم قال وهو يشد على أسنانه إن أسبوعاً متواصلاً من التعاطي يؤدي إلى الإدمان "وكل عام وأنت بخير"! وماذا عن المنبهات؟ سألته وأنا أُقلِّب علبة مربعة كُتب عليها "TIGER KING"، فأشار بسبابته إلى العلبة قائلاً إن هذا العقار ملك التنبيه والنشاط، وأردف وهو يفتح العلبة أنه دواء طبيعي صيني يزيد من الانتصاب، دون أن ينسى الإشارة إلى أن الإقبال عليه خيالي، ربما لأن اسم "الملك النمر" يوحي بقوة خارقة ستحل بمن يتعاطاه، معرباً عن استغرابه أنني لا أعرفه، ثم سألني "ألم تر دعايته على قنوات فضائية عربية"؟ سألني طبيب عمل في عيادات عامة وخاصة "من منّا لا يتناول أو يتعاطى واحداً من المهدئات كروتين يومي أو شبه يومي، بدءاً من الأكامول والتروفين، مروراً بالديكلوفين، وربما الراندين للمعدة وسكوبوتيل للأمعاء، وليس انتهاء بالترامادول بأحد أشكاله، من فوق أو تحت أو في الدم. وأكد أننا نقع دون أن ندري في حبائل معادلة الضرر والضرورة الصفرية، ولا نجد مفراً من هذه الكيمياء الضارة لأنها الحل الوحيد للآلام، التي لا يُدركها إلا من يتوجع منها، بدءاً من الرضيع "النونو" مروراً بالرجل "شيخ الشباب" حتى الكهل "الختيار"، رجال ونساء يتعاطونها، الأصلي والمُقلّد، الرخيص منها والغالي، إذ يرخص الغالي للمحتاج، وقد تغدو مع الأيام عادة اجتماعية، كأن يُضيّف رب البيت ضيوفه حبوباً ذات فعالية مهدئة أو منشطة، "اتفضل، خدلك كبسولة"، وسيوصف من يمتنع عن قبول الضيافة بأنه "مش من هون". وليس الحصول على هذه الأدوية أو العقاقير أمراً معقداً بالنسبة للأدوية المرخص ببيعها في الصيدليات، وذلك بوصفة طبية إن كانت من قائمة السموم، كما يقول الصديق الصيدلي، بينما تباع الأدوية المنشطة كالأمفيتامينات والفياغرا وأشباهها كما يباع الشامبو والبامبرز والعطور، للمزاج وللعلاج والتجريب، للشد (فياغرا) وللرخي (ترامال)، فيُحس الشباب والكهول على حد سواء أنهم ما زالوا رجالاً أمام نسائهم. أما من ضرر في ذلك؟ سألته وأنا أفكر أن آلافاً من الناس يفعلون ذلك يومياً، فحدثني مطولاً عن كلا الرأيين العلمي والشعبي في الأمر، وأن ثمة مسافات بين مُسَكّن ومُسكن رغم التشابه في الأسماء، "أترامال" و"ترامادول"، وإن كان الإدمان عليها يؤدي إلى النتيجة نفسها، منوهاً إلى أن ذلك يعود إلى أن مادة الأفيون الموجودة فيها تعمل على الأعصاب المركزية في الدماغ، وتؤدي إلى هبوط الضغط. ابتسم وهو يضيف أن الفياغرا وعائلة المنشطات تفعل العكس برفع الضغط، بيد أن التجاري الموجود في السوق منها يتضمن مواد إضافية تشبه تلك الموجودة في "حبوب السعادة"، مؤكداً أن لذلك الرواج دواعي نفسية أساسها الإحباط العام الذي يسود قطاعات واسعة من الرجال، ومعظمهم من الشباب. tawfiqwasfi@yahoo.com