خبر : الحركة الأسيرة من الفعل المطلبي إلى الفعل الوطني ..بقلم: طلال عوكل

الإثنين 16 أبريل 2012 08:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحركة الأسيرة من الفعل المطلبي إلى الفعل الوطني ..بقلم: طلال عوكل



لا يختلف الفلسطينيون، المتطرفون منهم والمعتدلون على ضرورة تفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة احتلال لا يوفر سلاحاً يملكه ويملك الكثير، إلاّ ويوظفه لتكريس احتلاله، ومصادرته للحقوق الوطنية الفلسطينية، ولتأكيد أطماعه التوسعية على كل الأرض الفلسطينية، وجوارها من الاتجاهات الأربعة. وبالرغم من استمرار التعلق بخياري اما المفاوضة واما المقاومة، وكثرة التأكيد على أن هذا الأسلوب أو الخيار أو ذاك هو الخيار الوحيد القادر والناجح في مواجهة الاحتلال وسياساته، إلاّ أن أحداً لا ينكر أهمية وضرورة تفعيل المقاومة الشعبية، ولو من باب الرغبة في توسيع ودعم شعبية خياره. القضية هنا تتصل في أولوية أشكال النضال دون الاضطرار لإلغاء هذا الخيار أو الشكل النضالي أو ذاك، والمشكلة الرئيسية تكمن في كيفية تحشيد الشعب وإقناعه بالانخراط في مقاومة شعبية فاعلة، وبمشاركة واسعة، وعلى تواصل مع الزمن، يتطلب ذلك من القيادات السياسية، إعادة بناء الثقة بينها وبين الناس، وهذه تقتضي الكثير، والكثير هنا يتصل أولاً باستعداد القيادات السياسية لخلع الزي الرسمي، ومظاهر العمل المكتبي النظيف، الذي لا يؤدي إلى التعرق، وارتداء البلوزات وبنطالون الكاوبوي، أو ما يشبهها ويؤدي غرض التقشف وتحمل المشاق. قد لا يعني ذلك، تغييرا جذريا في طابع عمل كل القيادات، إذ سيبقى بعضهم يمارس العمل السياسي والمكتبي والدبلوماسي أو الثقافي والاقتصادي. ولكن على هؤلاء أن يقنعوا الناس أن نضالهم ليس أقل اهمية من الخروج في مسيرة للدفاع عن الأرض أو المقدسات أو الحرمات أو لمقاومة جدار الفصل العنصري. يوم غد يصادف ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، وهي مناسبة يتفق عليها الجميع باعتبارها مناسبة وطنية مثلما هي حال الكثير من المناسبات الوطنية. في هذه المناسبة الكلمة والفعل للأسرى أنفسهم الذين أعلنوا نيتهم الاضراب الشامل عن الطعام، دفاعاً عن كرامتهم وحقوقهم. وفي مواجهة سياسة العزل، والحجز الإداري، والمنع من رؤية الأهل، وفي مواجهة التعذيب والتحقيق، وغياب الخدمات الصحية. غير أن الحديث في دور الحركة الأسيرة الآن وتاريخياً لم يتوقف عند حدود المطالب المباشرة التي يناضل الأسرى من أجل تحقيقها لتحسين ظروفهم الاعتقالية، فالسجون الإسرائيلية تضم المئات من القيادات السياسية المناضلة التي لا يتسنى لها ارتداء الملابس الرسمية، والياقات المنشأة، إنهم موحدون في مظهرهم العام، وموحدون في ظروف معيشتهم اليومية، ولذلك فإنهم كانوا على الدوام، قادرين على لعب أدوار قيادية مهمة في فضاء الشارع الفلسطيني الواسع. الأسرى يستخدمون قوة وحدتهم، والمظالم التي يكابدونها، ويستخدمون أمعاءهم الخاوية، وإرادتهم الصلبة، في خوض معاركهم، والعديد من المعارك الوطنية، وهم يعلمون أنهم لا يخسرون إلاّ معانياتهم ومكابدتهم. على مدى السنوات القريبة الماضية، كان الأسرى قد قدموا أفضل وثيقة، للحوار الوطني، تلك الوثيقة التي نالت إجماع الفلسطينيين، والكل اليوم يتمسك بها ويطالب بالعودة إليها أساساً للتوافق الوطني، ولتحقيق المصالحة. لقد نجحت مبادرتهم نظرياً، دون أن يتمكنوا بسبب ظروفهم الاعتقالية من إنجاحها عملياً، وكان ذلك من مسؤوليات القيادات السياسية، التي فشلت في القيام بالمهمة التي بدأتها الحركة الأسيرة فهل نتوقع من الأسرى المحررين، ولو الذين تم تحريرهم حديثاً أن يتوحدوا لإكمال رسالة زملائهم، وهي كانت رسالتهم في الأساس قبل أن يتنسموا نسائم الحرية؟ يبدو أن مثل هذا المطلب صعب، أو انه ثقيل على أكتاف الأسرى المحررين، الذين سيعودون إلى بناء حيواتهم الخاصة، وتأهيل أنفسهم، وسيعودون إلى أحزابهم وفصائلهم، والانخراط في دوامة السائد في المجتمع الفلسطيني. في الواقع، فإن مسألة تصعيد المقاومة الشعبية، تحتاج إلى تخطيط بسيط يتأسس على إرادة وطنية جماعية، إذ يكفي أن يتوحد الفلسطينيون ويعيدوا النظر في أشكال وأساليب تعاملهم مع المناسبات الوطنية، حتى يجدوا أنفسهم في سياق نضال وطني شعبي لا يتوقف. والقصد أن رزنامة الشعب الفلسطيني طافحة بالمناسبات والملفات الوطنية التي تستحق التعامل معها بأشكال من النضال الشعبي الجدية التي ترهق الاحتلال، وتكبده خسائر مادية ومعنوية كبيرة دون إعلانات حرب، ودون رفع شعارات فارغة المضمون، ولكن بعيداً عن المظهرية، والاكتفاء بالنشاطات الشكلية، والرمزية التي تخدم فقط في تدبيج التقارير، التي تريح القيادات العليا. ملف الأسرى، آخذ في اكتساب المزيد من الأهمية والاهتمام، فلقد وقع مؤتمر دولي أول لمناقشته في الجزائر، ووقع مؤتمر دولي آخر في جنيف، وها هي تونس تعلن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي آخر تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين. بصراحة قد تكون المؤتمرات التضامنية الدولية لتعريف المجتمع الدولي بمعانيات الفلسطينيين مهمة، وهي مهمة بالطبع، ولكن من المهم قبل ذلك وأثناءه، توعية الجماهير العربية، التي يعيد ربيع الثورات العربية صياغته، وبحيث تحظى القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها وتفاصيلها بالمكانة التي تستحق موضوعياً، باعتبارها قضية العرب الأولى. لكن هذه الأهداف، وفوقها ضرورة نقل ملف الأسرى من ملف إنساني، تحريضي، إلى ملف سياسي قانوني، تتطلب قبل كل هذا إعادة صياغة العامل الذاتي الفلسطيني، والذي يستدعي بدوره إنجاح المصالحة الفلسطينية، وبدء الجميع بالمسير نحو تحقيق الوحدة الوطنية. في غياب هذه المصالحة وهذا المسير، الذي تعطله القيادات السياسية لأسباب لا نريد ذكرها في هذه المقالة، فإن الأسرى الفلسطينيين هم الأقدر على المبادرة التي لا ينبغي أن تكتفي الحركة الأسيرة مع القيادات السياسية من أجل وضعها أمام مسؤولياتها. لا بد للحركة الأسيرة أن تدخل في اشتباك أخوي كفاحي مع الوضع الفلسطيني القائم، والذي يقصر في التعامل مع التحديات الوطنية، ولا يتعامل بجدية كافية مع الاستحقاقات التي تفرضها التطورات السياسية المحيطة بالقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي. لن تستمع القيادات للمطالبات الفردية، التي تدعو لاشتقاق استراتيجيات وخيارات جديدة تتناسب وضرورات المرحلة، لكن الحركة الأسيرة بمجموعها وبتوحدها قادرة على أن تفرض على كل القيادات، الاستماع والتمعن والتعامل بجدية مع ما تطرحه الحركة الأسيرة