عادت اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط للاجتماع من جديد بعدما مرت ستة أشهر على اجتماعها السابق، في كلا الاجتماعين، كان الهدف الأساسي تمرير مزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني بهدف استئناف العملية التفاوضية. قبل ستة أشهر اجتمعت "الرباعية" بهدف ثني الجانب الفلسطيني عن التوجه إلى المنظمة الدولية لنيل اعتراف من قبل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تحديداً بفلسطين دولة كاملة العضوية والسيادة في المجتمع الدولي، الجانب الفلسطيني لم يستجب لهذه الضغوط، لكنه فشل في تجييش العدد المطلوب من أعضاء مجلس الأمن للوقوف إلى جانب طلبه. بعد ستة أشهر، الأربعاء الماضي تحديداً، تجتمع اللجنة الرباعية، كي تمارس ضغوطاً إضافيةً على الجانب الفلسطيني، لتعديل الرسالة التي ستسلم إلى الجانب الإسرائيلي بعد غد الثلاثاء، وذلك بعدما أخفقت الضغوط التي مارستها عدة جهات، على رأسها الولايات المتحدة في ثني القيادة الفلسطينية عن توجيه هذه الرسالة إلى حكومة نتنياهو لتحميلها مسؤولية تجميد العملية التفاوضية، وتأكيد الجانب الفلسطيني على تحديد ثوابته وتأكيدها من ناحية، وتذكير الجانب الإسرائيلي بمرجعية العملية التفاوضية من ناحية ثانية، من هنا كان هذا الاجتماع للرباعية وعلى أعلى مستوى، يهدف إلى تعديل صياغة الرسالة الفلسطينية بعد الفشل في صرف النظر عنها من قبل الجانب الفلسطيني. إلاّ أن البيان الصادر عن اجتماع الرباعية الأخير، حمل صياغات أكثر تحديداً مقارنة مع البيانات السابقة الصادرة عنها، فلم يعد الحديث عن وقف الإجراءات المعيقة لاستئناف العملية التفاوضية، بل تحدث البيان الأخير وبشكل واضح وصريح عن الاستيطان وتوسعه وضرورة وقف عنف المستوطنين وتقديم مرتكبي هذا العنف إلى العدالة، ووقف التحريض على الفلسطينيين، وفي شأن قطاع غزة، تناول البيان أهمية الخطوات المتواصلة لتلبية احتياجات سكانه، دون أن ينسى البيان أن يوجه الشكر لإسرائيل لأنها وافقت في لجنة الارتباط الخاصة بالأمم المتحدة على مشاريع البنية التحتية ذات الأولوية في قطاع غزة. ولعل أهم ما تناوله هذا البيان، دعوة إسرائيل إلى تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من القيام بمسؤولياتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المنطقة "ج"، الأمر الذي سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وتمكين المواطنين الفلسطينيين القاطنين في هذه المناطق من العيش بصورة طبيعية؛ وفي ذات السياق، فإن دعوة الرباعية الدول المانحة إلى تنفيذ التزاماتها المالية المطلوبة لسد العجز الجاري في موازنة السلطة الوطنية بما قيمته أكثر من مليار دولار لهذا العام يعتبر تجديداً لالتزام المجتمع الدولي بتلبية احتياجات الشعب الفلسطيني وحماية المنجزات التي حققتها السلطة وضرورة مساعدتها في مواجهة التحديات المالية التي تواجهها. ونعتقد أن الصياغة الجديدة لبيان الرباعية الأخير، تأتي في إطار الضغط على الجانب الفلسطيني للتخفيف من الصياغات التي ارتكزت إليها الرسالة الموجهة منه إلى الجانب الإسرائيلي ومحاولة أخيرة، كي لا تعتبر هذه الرسالة، والرد عليها من قبل إسرائيل، إضافة جديدة للعقبات التي تواجه استئناف العملية التفاوضية، مع ذلك، فإن هذه الصياغة للبيان الأخير الصادر عن الرباعية، ما زالت قاصرة عن تلبية الحد الأدنى المطلوب، ذلك أن البيان، رغم كل الإيجابيات النسبية مقارنة مع البيانات السابقة، لم يحدد بشكل واضح الطرف الذي يعرقل استئناف العملية التفاوضية، والأهم من ذلك، فإن عدم توافر آلية فاعلة، لوضع ما جاء في هذا البيان موضع التنفيذ، وذلك يقضي بالضغط على الجانب الإسرائيلي بشكل حازم وواضح لوقف العملية الاستيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس، يحول دون تحوّل هذه الصياغات إلى مواقف محددة ضاغطة وفاعلة، الأمر الذي يشجع إسرائيل على المضي قدماً في خططها الاستيطانية والحيلولة ودون توافر أرضية كافية لاستئناف العملية التفاوضية والاكتفاء بالترحيب من قبل إسرائيل بما جاء في هذا البيان، كي تعود "الرباعية" من حيث أتت، راضية عن الترحيب وعاجزة عن وضع رؤيتها موضع التنفيذ الفعلي. وبالعودة إلى الرسالة الفلسطينية الموجهة إلى الحكومة الإسرائيلية، والتي كثر الحديث عنها خلال الأسابيع الماضية، إن لجهة مضمونها، أو فاعليتها وتوقيتها، أم لجهة كيفية توصيلها وحاملها أو حامليها إلى نتنياهو، فإنها وفقاً لوسائل الإعلام المختلفة، تحمل أربعة متطلبات فلسطينية تؤكد وتكرر الموقف الثابت حول الثوابت الفلسطينية المتعلقة بالعملية التفاوضية: حل قائم على مبدأ الدولتين على حدود 1967، بما في ذلك تبادل أراض، تجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، خاصة هؤلاء الذين اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو عام 1994، وعودة الوضع إلى ما كان عليه في أيلول عام 2000، وهذا يعني احترام سيادة السلطة الوطنية الكاملة على مناطق "أ"، رباعيات أبو مازن هذه، الضرورية لقيام الدولة الفلسطينية في إطار حل تفاوضي من شأنها قيام دولتين، فلسطينية بجوار إسرائيلية، ليست موجهة فقط إلى حكومة نتنياهو، بقدر ما هي موجهة أساساً إلى المجتمع الإسرائيلي وحثه على الضغط على قيادته التي تنتهج أصولية سياسية من شأنها عدم التوصل إلى حل سلمي يضع نهاية للاحتلال الأخير على مستوى العالم حتى اليوم. وليس هناك من يتوهم بطبيعة الرسالة الجوابية الإسرائيلية، فبعد مطالبة السلطة الوطنية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، من المنتظر أن تكرر حكومة نتنياهو لاءاتها: لا للاعتراف بحدود الرابع من حزيران، لا لتقسيم القدس العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، لا لوقف الاستيطان، والنعم الوحيدة هي: نعم لمفاوضات مباشرة بين أبو مازن ونتنياهو المتوقفة منذ أيلول عام 2010. وماذا بعد؟ تقول السلطة الفلسطينية إنها ستتخذ خيارات مدروسة على ضوء الرد الإسرائيلي، من بينها العودة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة باعتبار فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، ونعتقد أن هذه العودة ليست خياراً مرتبطاً بالرد الإسرائيلي بقدر ما هو استحقاق فلسطيني بضرورة التوجه الدائم إلى المنظمة الدولية لتحميلها مسؤولية عجزها عن الضغط على إسرائيل كي تستجيب لقراراتها العديدة، ولكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته المشينة في قيام دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني واستمرار احتلالها، وهذه العودة إلى الجمعية العامة، ليست رداً، إلاّ إذا كانت الخيارات الفلسطينية قد وصلت إلى نهايتها!. Hanihabib272@hotmail.com