خبر : نتنياهو يتبجح فالاحتلال لم يعد مكلفاً ... بقلم : اكرم عطا الله

الأحد 08 أبريل 2012 09:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نتنياهو يتبجح فالاحتلال لم يعد مكلفاً ...  بقلم : اكرم عطا الله



حتى قبل أن تصل رسالة الرئيس الفلسطيني لرئيس الوزراء الإسرائيلي كان الأخير يرد بقذائف من العيار الثقيل واحدة منها كفيلة بتحويل أي أمل بالتسوية إلى ركام مستبقاً وصول الرسالة، وذلك في مقابلة مع صحيفة معاريف، مختصراً بذلك رحلة المفاوضات العبثية الطويلة التي وصلت إلى هذا الحد من التبجح، فلا حديث عن اللاجئين ولا عودة لحدود عام 67 ولا تفكيك للاستيطان والقدس عاصمة إسرائيل، وعلى الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وكأن نتنياهو أراد أن يقول ليس هناك ما يمكن الحديث حوله والواقع الذي يتحدث عنه الرئيس الفلسطيني برسالته تعرفه إسرائيل جيداً لأنها من صنعه بتخطيط وتنفيذ محكمين، وإسرائيل لا تريد التوصل لتسوية مع الفلسطينيين أصلاً، فماذا يعني أن يقول "أن لدينا مصلحة واضحة في أماكن ذات معنى ديني قومي لشعبنا وتوجد أيضا أماكن ذات مصلحة أمنية" فالأماكن الدينية في الضفة الغربية تعني القدس (حائط المبكى) والخليل (مغارة المكفيلا) وبيت لحم (قبر راحيل) ونابلس (قبر يوسف) أما الأماكن ذات المصلحة الأمنية فتعني الغور فإن ذلك يعني الضفة الغربية بأكملها، إذا وضعت هذه المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية ارتباطاً بالمصالح الإسرائيلية. المهم لماذا يتحدث نتنياهو بهذه العنجهية فيما أن الطرف الفلسطيني يتحدث في رسالته بلغة منزوعة الأنياب غير قادرة على التهديد حتى بما تملكه من أدوات قوة يمكنها أن تقلق إسرائيل وتجعلها تعيد حساباتها؟ ببساطة لأنه لم يعد هناك ثمن تدفعه إسرائيل كنتاج لاحتلالها، وأفضل توصيف للاحتلال بعد اتفاقيات أوسلو أطلقته الصحافية الاسرائيلية عميره هيس حين وصفته "بالاحتلال سوبر ديلوكس" فقد ألقيت عن كاهله المسؤولية الاقتصادية المكلفة للسيطرة على الشعب الفلسطيني وبقى متحكماً بكل شيء، وبمعنى آخر تحرر من سلبيات الاحتلال وظل محتفظاً بإيجابياته، وفي السنوات الأخيرة ونشوء سلطتين تحولت جبهتا الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المنطقتين الأكثر هدوءاً، ونجحت اسرائيل في فرض معادلتها الثقيلة على شعب تحت الاحتلال "الأمن مقابل الحكم" حيث تحول الحكم والسلطة إلى هدف يبرر تقديم تنازلات أمنية في غزة والضفة لتنعم اسرائيل بهدوء لم تشهده منذ احتلالها، فلماذا تفكر بتغيير الواقع؟ منذ بداية الانتفاضة درجت إسرائيل على عقد مؤتمر سنوي لقياس مدى نجاعة ميزان المناعة والأمن القومي لديها، وخلال الأعوام السابقة كان الملف الفلسطيني يحتل عناوين كل المؤتمرات وقد خلا مؤتمر هرتسليا الثاني عشر هذا العام من أية إشارة حتى للموضوع الفلسطيني، وفقط كان الملف الإيراني هو التهديد الوحيد الذي تبحث إسرائيل خيارات الحل، بعكس ما كانت عليه مؤتمرات العقد الماضي حين كانت إسرائيل تهتم بقلق للصراع مع الفلسطينيين، وكذلك خلا مؤتمر ايباك هذا العام بعكس المؤتمرات السابقة من أية اشارة حتى للموضوع الفلسطيني، وكان يجب أن يبحث الفلسطينيون عن تلك الأسباب بالاضافة لتراجع اهتمام الرأي العام الاسرائيلي بالموضوع الفلسطيني، فلم يعد ما يستدعي التفكير إسرائيلياً بهم، فقد سبق اهتمام الإسرائيلي العادي بالسكن والعقارات وجبنة الكوتج كما قال الكاتب المقرب من نتنياهو "غاي بخور" أكثر من اهتمامه بالفلسطينيين والذين لم يعد يصدر عنهم ما يزعج اسرائيلياً. ومع انزياح إسرائيل نحو اليمين، فلا يشكل المستقبل مدعاة للتفاؤل والانشغال بالبحث عن آفاق للتسوية، فكل الاستطلاعات تشير إلى ازدياد كتلة اليمين في اسرائيل فيما لو جرت انتخابات بما يقترب من ثمانين مقعداً في الكنيست، وتشير أيضا إلى سهولة فوز نتنياهو ثانية مستنداً إلى أغلبية أقوى من الحالية. هذا يعني مزيداً من التصلب والتطرف من التمسك بالسيطرة على القدس والأغوار والخليل ونابلس وبيت لحم وربما غيرها أيضا. سيرد نتنياهو على رسالة الرئيس الفلسطيني برسالة من الواضح أنها تحمل لاءاته التي ذكرها في المقابلة وهي معروفة، حيث يكررها من وقت لآخر ويقوم بتسريع وتيرة الاستيطان بشكل جنوني في شكل جديد من أشكال المفاوضات "التفاوض بالمراسلة" والذي يعني بمضمونه وصول الجانب الفلسطيني إلى درجة من اليأس، حد الادراك أن العربة التي تحركت منذ عقدين تصطدم بالحائط ولم يعد هناك أمل "هذا ما تعكسه روح رسالة الرئيس الفلسطيني" ولكن هل هذا يكفي؟ فنتنياهو مستعد للمفاوضات بالمراسلة لعقود أخرى طالما أن المسألة دون كلفة، هذا ما يستدعي من الفلسطينيين التفكير بطبيعة العلاقة مع اسرائيل من جديد ودراسة كيفية ادارة الصراع معها بطريقة مختلفة عما شهده العقدان الماضيان أي منذ اقامة السلطة والتي ازدادت الأزمة حين أقيمت سلطتان تنافستا على تهدئة الجبهة مع اسرائيل مقابل بقاء السلطتين. ربما أن الرسالة المفتوحة والموجهة للرئيس الفلسطيني التي نشرها أحد أقطاب التسوية في اسرائيل يوسي بيلين على صفحات مجلة فورين بوليسي الأميركية تعكس أزمة التسوية وتحمل مفتاح الحل الذي يجب أن تذهب اليه السلطة والذي كانت ستحمله رسالة الرئيس عباس لولا الاستجابة لضغوطات الرئيس أوباما، فقد قال بيلين في رسالته "أن حل السلطة الفلسطينية وإعادة إدارة الشؤون اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية سيكون إجراء لا يستطيع احد تجاهله" ثم قال مخاطباً الرئيس عباس "لا تدعو بنيامين نتنياهو يختبئ وراء ورقة التوت الممثلة بالسلطة الفلسطينية، افرضوا عليه مرة أخرى مسؤولية أربعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة" وبالتأكيد يدرك رجل التسوية من الجانب الإسرائيلي فزع حكومته من هذا الخيار والذي يخشاه أكثر متطرفي الليكود أن يصبح حقيقة واقعة وعلى رأسهم الياكيم هعيستني الذي كتب محذراً من عدم قدرة اسرائيل اقتصادياً وأمنياً على تحمل تكاليف المسؤولية عن الضفة والقطاع". وبوضوح شديد يلوم بيلين الرئيس الفلسطيني لخلو رسالته من التهديد بحل السلطة قائلاً "بالتأكيد كان يروق لك اعلان موت عملية السلام لكن الرئيس الأميركي يضغط للحفاظ على الراهن وكان من الخطأ الموافقة على طلب أوباما وبإمكانك تصحيح الخطأ". من الواضح أن الخيارات الفلسطينية تأخذ بالانحسار أكثر، وبالوضوح أكثر نحو خيار شمشون في ظل الضغط الذي يعيشه الفلسطينيون وتحول السلطتين إلى عبء على المواطن وعلى استكمال النضال الفلسطيني، وفي ظل أريحية خيارات الاحتلال منذ أن ألقى بتكلفة الاحتلال الاقتصادية والأمنية على الفلسطينيين حتى باتوا مسكونين بهاجس الراتب في الضفة وأزمة الوقود في غزة والانشغال بالتفاصيل البعيدة عن البرنامج الوطني، واسرائيل تسابق الزمن في سرقة الأرض دون حساب. وفي ظل هذا الوضع غير المريح فلسطينياً يجب أن يطرح السؤال وبقوة والذي يمكن أن يشكل البرنامج الوطني وهو كيف يمكن أن يصبح الاحتلال مكلفاً، فالمحتل لا يرحل إلا حين يصبح ثمن بقائه أعلى من ثمن رحيله، هكذا قالت تجربة التاريخ.