"أزمة منتصف العمر عند اليهود" عنوان لمقال كتبه جميل مطر في جريدة "الشروق" المصرية، يتناول فيه العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص التطورات في إطار اللوبي الصهيوني ونمو ظاهرة "جي ستريت"، لكني توقفت عند العنوان، ولم أفهم لماذا اختاره الكاتب سوى في السطور الأخيرة من مقالته الشيقة وتحليله الآسر للظاهرة، وذلك عندما أشار إلى أن إسرائيل وبعض قادتها يمرون الآن بأزمة شبيهة بأزمة منتصف العمر التي يتعرض لها معظم الرجال في مرحلة معينة من الحياة، حيث يشعر الرجل بالحاجة إلى تصحيح مساره لتعويض ما فاته، أو التوقف قليلاً لتقييم الإنجازات والإخفاقات، وفي النهاية قد يتجه بعض الرجال إلى إعلان الثورة على النفس، بينما البعض الآخر ينتهي به الأمر إلى الانعزال والاكتئاب وربما الجنون. وخلال الأسبوع الماضي، وأثناء مراجعتي التقليدية للأخبار والمقالات في شتى أشكال الاتصال الصحافية، توقفت عند بعض الأخبار القصصية من إسرائيل وحولها، بعضها بعيد عن السياسة، بينما تقترب أخرى منها، ورغم الفترة الزمنية المحدودة ـ أسبوع تقريباً ـ فإن مراجعتها مجتمعة، توحي بأعراض أزمة منتصف العمر لدى إسرائيل والإسرائيليين ـ لا أتفق مع جميل مطر في استخدامه كلمة "اليهود" في عنوان مقالته ـ وهكذا، فإن مقالتي هذه في أغلبها اقتباسات تشير إلى هذه الأعراض، وأحببت مشاركة القراء في تفحصها. فاليهود الروس في إسرائيل، أصابهم السخط والغضب، جراء ما تناوله كتاب تدريسي حول "المواطنة"، والذي يحرض ضدهم كما يقولون، عند تناوله لأسباب هجرتهم من الاتحاد السوفياتي ثم روسيا إلى إسرائيل، وحسب "معاريف"، فإن الكتاب يتناول دوافع هؤلاء للهجرة، من دون أن تكون الصهيونية هي دافعهم الأساسي، بل دوافع مادية في الأساس. والكتاب يصف اليهود الروس بالجشع والأنانية، وأكثر من ذلك، فإنه يقارنهم باليهود المهاجرين من إثيوبيا الذين هاجروا إلى إسرائيل لأسباب اقتصادية، ولكن أيضاً لأسباب تتعلق بـ "الأرض اليهودية"، ولا ينسى الكتاب أن يشير إلى أن معظم اليهود الروس هم إما مسيحيون أو ملحدون وليس لهم دين، كما يتطرق إلى تفسير طبيعة تصويت المهاجرين الروس في الانتخابات الإسرائيلية حيث يصوتون لأحزاب عرقية روسية، بينما الأثيوبيون يصوتون لصالح مختلف الأحزاب. وقد توقفت عند هذا الخبر لدى الحديث عن "أحزاب عرقية روسية" إذ إن ذلك يؤكد أن اليهودية مجرد دين وليست عرقاً أو قومية، وهي غير كافية وحدها للقول إن هناك قومية يهودية كما تدعي إسرائيل. والاحتجاج والغضب لا يتوقف عند المهاجرين من روسيا، بل يمتد إلى اليهود الناجين من النازية، الذين يعانون ظروفاً اقتصادية واجتماعية قاسية، ذلك أن واحداً من أربعة منهم يحتاج إلى المساعدة للاستمرار في الحياة، ويلقون اللوم على الميزانية الهائلة للجيش الإسرائيلي على حسابهم، المحاضر في علم الاجتماع بجامعة تل أبيب يهودا شنهاف يقول: "إن مأساة هؤلاء تنزع القناع عن وجه إسرائيل التي تسوق نفسها دولة رفاه وملجأ ليهود العالم، كما يكشف عن زيف سياسات إسرائيل التي تواصل التباكي على ضحايا الكارثة والمحرقة حفاظاً على لبوس الضحية وكي تستدر العطف من العالم وجباية المساعدات المختلفة لها لا لهم، مستذكراً ما تناوله كتاب كان قد أصدره رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ بعنوان "الانتصار على هتلر" وجاء فيه إن إسرائيل اعتمدت خطاب الضحية وتقديس تاريخ المحرقة لأسباب سياسية. كما ينقل وديع عواودة (الجزيرة) عن أحد الناجين يوناه شليتسيل قوله: لقد فقدنا أعزاء وأقرباء في المحرقة، وهنا فقدنا كرامتنا، وكثير منا يعانون العوز والحاجة والفاقة. وليس بعيداً عن المحرقة التي يتحمل مسؤوليتها هتلر، كما يرى الإسرائيليون، فقد جنّ جنون إسرائيل بعدما نشر الكاتب الألماني غونتر غراس مؤخراً قصيدة بعنوان "ما ينبغي قوله" والكاتب الحائز جائزة نوبل للسلام، هاجم الصمت على وقائع كارثية تتمثل في دولة نووية، تتخذ من معاداة السامية تهمة جاهزة لكل من يجهر برأيه، ويقول غراس إنه سئم من الصمت ومن نفاق الغرب تجاه إسرائيل المسؤولة عن تهديد العالم. وبينما تناولت الأخبار هذه القصيدة بالقول إن غراس لم يشر صراحة إلى إسرائيل إلا بالإيحاء إلى أن قرأت ترجمة للقصيدة في موقع "إيلاف"، يظهر فيها الحديث عن إسرائيل في أكثر من مقطع. ومن الطبيعي معرفة ردود الفعل الإسرائيلية على غراس، واتهامه التقليدي بمعاداة السامية ـ كما توقع في قصيدته ـ واتهامه بأنه اعترف ذات يوم أنه كان عضواً في منظمة نازية في شبابه، ومن دون أن تنسى الأبواق الإسرائيلية اتهام جائزة نوبل بالنفاق عندما منحته جائزة السلام عام 1999. وإذا كان من الطبيعي والمعتاد، أن تتناول وسائل الإعلام بين وقت وآخر، بعض الخدمات الاستخبارية الأميركية لصالح إسرائيل، وتجسس إسرائيل على الولايات المتحدة، فإن الغرابة في وجود العكس، إذ كشف الكاتب الصحافي الخبير في شؤون المخابرات، عن أن شركات أميركية وإسرائيلية يمتلكها إسرائيليون في الولايات المتحدة، تمد وكالة الأمن القومي الأميركي بمعلومات وخدمات أمنية حساسة. الكاتب جيمس بميارد يقول إن هذه الشركات مرتبطة بالمخابرات الإسرائيلية أساساً، ومن طبيعة هذه الخدمات التأثير والمس بالأمن القومي الأميركي واتجاهات اتخاذ القرارات المهمة، وأخطر ما كشفه بميارد بهذا الصدد، أن هذه الشركات قامت بالتنصت وجمع المعلومات عن "إرهابيين" في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها، ومنحت صلاحيات لزرع أجهزة تنصت سرية داخل شبكة التلفزيونات الأميركية. هذه بعض القصص الإخبارية الملتقطة من وعن إسرائيل في فترة وجيزة بعيدة بعض الشيء عن السياسة، مع أنها في القلب منها، قد توحي أن الدولة العبرية في أزمة منتصف العمر، شيء من الارتباك، وشيء من الجنون، إلاّ أن الصورة تبقى مجتزأة، ولا تفي بتقييم الحالة، بقدر ما تعطي الإيحاء الكافي للشك، إلاّ أن اكتمال الصورة يفرض رؤيتها على اتساع، والمقصود هنا، حالتنا نحن العرب، والفلسطينيين على وجه التحديد، عندها فقط يمكن التقاط الصورة الأشمل والأعمق!. Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net