خبر : الأسد انتصر في الجولة الأولى لكن الحرب لم تنته..حسين حجازي

السبت 07 أبريل 2012 11:13 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الأسد انتصر في الجولة الأولى لكن الحرب لم تنته..حسين حجازي



هل انتهى مخطط قتل الدولة السورية مرة واحدة دون رجعة ؟ وهل أفلت الرجل حقاً من السقوط ؟ بل وتحقيق النصر الاستراتيجي على جميع خصومه، كما اشارت الى ذلك تعليقات الصحافة الغربية، واذا كان الامر كذلك، اي ان الرهان على سقوط النظام لم ولن يتحقق كما قال الشيخ حسن نصر الله، ووافقه على ذلك بعد يومين من انتهاء اعمال القمة العربية في بغداد، رئيس القمة نوري المالكي، في هجوم لاذع على قطر، "لن يسقط، ولماذا يسقط النظام ؟" وقال سيرجي لافروف هذه المرة بوضوح بل وتحد لا سابق له، موجها الكلام الى مجموعة اصدقاء سورية والمعارضة، انكم لن تهزموا الجيش السوري، حتى لو كنتم مدججين بالسلاح. فما هي اذن وجهة السفر، الفصل الثاني من هنا في الازمة السورية ؟ والجواب واضح، ان النظام السوري وحلفاءه كسبوا الجولة الاولى من الحرب لكن الحرب التي تخاض في سورية ومع سورية لم تضع اوزارها بعد. والراهن ان ما يحدث الآن هو التحول، الانتقال الى التاكتيك الحربي الجديد الذي قوامه حرب الخنادق او المتاريس، تمهيدا للفصل الثالث الذي لم يحن اوانه بعد، اي الهجوم الاستراتيجي الكبير والمعاكس. اذا كان ما يتضح، يرتسم امامنا على الخريطة الآن، هو صراع قديم، اطلاق الصلية الافتتاحية منه، ولن يمكن بعد اغلاقه، ولم تقل بعد فيه الكلمة الاخيرة. صراع من قبيل التناقض التناحري، الذي لا يمكن حله، انهاؤه عن طريق التسوية، وهكذا ليست مبادرة كوفي انان سوى مهبط، مظلة النزول الآمن، مؤقتا، لأطراف اللعبة جميعا، تمهيدا للتموضع الجديد. الهدنات المخاتلة التي شهدناها مرارا في مثل هذه الازمات، الحرب الاهلية اللبنانية، مثالا ساطعا، وايضا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وحتى في وقت الاحتراب الاهلي بين "فتح" و"حماس" في غزة. ومن قناة الجزيرة تعرفوا على خارطة الطريق القادمة، صراع المحاور، التي بدأت ترتسم، تتحدد معالمها، فها هي وجهة القصف الاعلامي المركز، في حرب الخنادق الجديدة . العراق وروسيا، وحزب الله هدفاً. ومع إبقاء الضخ الإعلامي بلا هوادة على الداخل السوري. ولكن هذه المرة إشارة التحول، بإخراج الورقة المسكوت عنها، حتى الآن الى الواجهة، اي تأطير السجال السياسي والاعلامي، على قاعدة مذهبية، احياء الفتنة النائمة، النفخ في البدائل الصناعية للتغطية على الحقيقة، حينما يجري تصوير الصراع على انه شعيي سني، اي طائفي، فهذا معسكر شيعي يضم ايران والعراق وسورية وحزب الله بدعم روسي، مقابل القوم السني الذي يضم دول الخليج، والاردن وحتى الاخوان المسلمين و"حماس". اشرنا في وقت سابق الى محاولة تفكيك "حماس" من الحلف السوري، من معسكر "الممانعة". وهكذا كما ترون، انتصر الاسد في الجولة الأولى، لكن ليس ثمة بعد اي علامات تشير الى استسلام الطرف الآخر. لا ترى رايات بيضاء. وانما مواصلة القتال بإدخال أسلحة جديدة في الحرب. والمسألة واضحة وأشرنا اليها هنا، من قبل ان خروج الأسد منتصراً من هذه الحرب، سوف يعيد التاريخ مرة اخرى الى حرب يمن جديدة، في قلب الخليج، بعد خروج ناصر من أزمة السويس 1956، وصدام حسين من الحرب مع ايران الى غزو الكويت. لوحظ مرة ان هذا صراع مختزن ومكتوم، يأخذ بين الحين والآخر شكل انفجارات البراكين، التي تخمد ثم تعاود الانفجار من جديد، بين دول، كيانات حضرية في الساحل، ولكنها فقيرة وراديكالية، وبين دول صحراوية تتسم بالثراء الفاحش. حضر وصحارى، جمهوريات وملكيات، تقدم ورجعية، ضباط احرار وبرجوازية صغيرة، مقابل شيوخ وامراء وعائلات، فقراء وأغنياء، قوميين ناصريين وبعثيين، وممانعين في الطبعة الاخيرة ومقاومين، في عداء دائم للغرب، لأميركا وإسرائيل، ومشيخات حلفاء للغرب وأميركا. عبد الناصر في الحرب مع السعودية عبر اليمن، وصدام حسين في غزو الكويت فيما اكتفى الاسد الكبير بالحصول على لبنان، سويسرا الشرق في الطريق الى نفط الخليج، بنوك وسماسرة بيروت. ولكن في الحالة السورية أما وان تجرأ الخليج على نقل الحرب في عقر قلب الشام في عرين الاسد، فان هذا التحول الراديكالي في المشهد، هو الذي يتيح لنا التوقع او الافتراض بأن هذه الحرب، لن تقف بعد الآن عند اي حدود. هذه حرب سوف تخاض بكامل قوة الحلف ضد الحلف، المعسكر مقابل المعسكر، الطبقة ضد الطبقة، واذا كان ميدانها، ساحتها، ارضها الشرق الاوسط، فان مسرحها الكبير، هو العالم المسرح الجيواستراتيجي العالمي. اذا كان اللاعبون هنا لا يدافعون عن طموحاتهم وانما عن بقائهم في اطار اللعبة الكبيرة.هل هذه إذن مقدمات حرب يأجوج ومأجوج، وحيث يبدو الموقف على كلا الضفتين، إما المبادرة الى الهجوم او الهزيمة المحققة. روسيا دفاعا عن وجودها كقوة عظمى لئلا تتم محاصرتها وضربها من الداخل، الصين عن إمكانية تسيدها العالم اقتصاديا بعد عشر سنوات، وهي الهدف الرئيسي، وايران كذا عن بقائها كقوة عظمى اقليمية. هل لهذه الاسباب، الدوافع للقتال الى جانبه حمايته من السقوط، التي تزامن التقاؤها في وقت واحد، تمكن النظام السوري، من الافلات والبقاء والقدرة على الطفو. ولكن ايضا غباء خصومه ساعده وخدمه بنفس القدر، عرب الجامعة العربية، الذين كانوا يفاوضونه في الليل ثم يهددونه ويوجهون له الانذارات في صباح اليوم التالي، وأبانوا عن حمية لم تُر من قبل، اثارت حفيظة الرأي العام السوري، والعربي حين بدت هذه الجامعة قادرة على التحرك والتلويح بأنياب في الموضوع السوري، وإزاء شقاء الفلسطينيين ومعاناتهم تبدو عاجزة. وأظهرت انعدام قدرة مريعة على قراءة صحيحة، وتحليل لقدرات نظام له تاريخ وخبرة طويلة في ادارة ازمات من هذا القبيل، خبرة سورية في ادارة الحرب الأهلية اللبنانية، حيث استطاع هذا النطام إخراج أميركا وإسرائيل وفرنسا من لبنان، والصمود طويلا هناك دون قوة منافسة له. بحيث بدا اللاعبون العرب بالمقابل كهواة أمام وليد المعلم وزير خارجية سورية، وحتى أمام فصاحة بيان سفيره بشار الجعفري في الامم المتحدة، لكن حتى ايمن الظواهري زعيم "القاعدة" لعب لمصلحته، حين بدت المفارقة الهازئة كيف ائتلف قلب "القاعدة" وأميركا والغرب ضد هذا النظام. هل خدمه كذلك انشغال ساركوزي واوباما في سنة انتخابية؟ ما اضطر على ما يقال اوباما الى كشف سر قاعدة اسرائيل في اذربيجان لئلا تشوش عليه في هذا التوقيت، بضرب ايران. ولكن قبل ذلك في اتضاح الحقيقة ان استدعاء التدخل العسكري الغربي في اي مكان انما يعني الدمار والخراب والكارثة. العراق وليبيا اليوم نموذجان، وهذه القناعة هي التي امنت للنظام قدرا من التأييد، لدى فئة عريضة من شعبه وكانت محاججة المعارضة الوطنية في الداخل، "هيئة التنسيق" بزعامة حسن عبد العظيم ومشيل كيلو حاسمة، اذ كتب هذا الاخير ان الحراك السلمي وليس المسلح هو الذي حقق انجازات اصلاحية كانت تبدو خيالية او حلما، ما اعطى مصداقية للاصلاحات التي يقودها النظام. وهكذا اتضحت حقيقة عسكرة الحراك، اعتبارها تخدم اجندات خارجية تستهدف سورية. ولكن لا شك كذلك، بأنه تلقى خدمة لا تقدر بثمن من لدن قناة الجزيرة، هذا التضخيم المنهجي الصارخ ولكن الغبي، والذي ادى بالنهاية الى سقوطها. وهو امر يؤسف له، فمن يصدق بعد الآن قناة الجزيرة، اذا كانت حتى صحف غربية مثل ديرشبيغل نشرت أقوال معارضين ارتكبوا مجازر ذبحاً بالسكين وتفاخروا بذلك في باب عمرو. وقالت مؤسسة حقوقية عالمية "هيومن رايتس ووتش"، انهم ارتكبوا مثل هذه الاساءات والفظائع في الوقت الذي تحولت فيه "الجزيرة" لأن تكون تلفزيون المعارضة السورية في الخارج، بوقاً دعائية، فان حقيقتها تم توضيحها باعتبارها قناة مسيسة، تخدم اهدافا سياسية.يبدأ الفصل الثاني في الازمة من هذه النتيجة، هزيمة استراتيجية تلقاها خصوم سورية، ويبدو ذلك واضحاً في الحركة الافتتاحية، لهذا الفصل الجديد برعاية روسيا اول حوار جدي، بين النظام والمعارضة الوطنية في الداخل، لعزل المعارضة الخارجية، تحديداً "المجلس الوطني" الذي يطالب بتدخل عسكري خارجي. وبالانتقال السلمي لقيادة العمل العربي التسليم والتسلم الذي تم في قمة بغداد الاخيرة من قطر الى العراق، وتصريحات نوري المالكي النارية الهجومية على دول الخليج قطر والسعودية، كإعلان صريح عن اصطفاف العراق في المعسكر الإيراني السوري في الأزمة، في مواجهة التحالف المقابل. ولكن هل تأتي محاولة اغتيال سمير جعجع في لبنان إيذاناً، بأن التحالف قد أخذ القرار ببدء الهجوم المعاكس وتصفية الحساب؟ ولكن المقابل على المتراس الآخر هل يعكس الحديث عن صفقة تفاهم بين واشنطن والاخوان المسلمين في مصر، استئنافا لاصطفاف قديم في مواجهة الاتحاد السوفيتي بين اميركا والاخوان، زمن الاحتلال الروسي لافغانستان، وبالتالي اعادة تركيب المعادلة الاقليمية من جديد، مصر الاخوانية السنية مقابل ايران الشيعية، اي الضرب على وتر الفتنة المذهبية. وهل صدفة الشعار يوم الجمعة من "جهز غازياً فقد غزا" شعار يؤكد على التعبئة الطائفية تماشياً مع السياق.