خبر : الشاطر إلى سباق الرئاسة.. لماذا؟ ... بقلم : محمد ياغي

الجمعة 06 أبريل 2012 07:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
الشاطر إلى سباق الرئاسة.. لماذا؟ ... بقلم : محمد ياغي



على عكس ما وعدوا به بعدم التقدم بمرشح لسباق الانتخابات، رشح "إخوان" مصر خيرت الشاطر، نائب المرشد العام، رئيساً لمصر، مُنهين بذلك أكثر من عام من "علاقة ود"، حتى لا نقول تحالفاً غير معلن، مع المجلس العسكري. لهذا الترشيح أسباب ظاهرة وواضحة وأخرى مخفية. الظاهر من الأسباب أن الإخوان الذين فازوا بأكثر من أربعين في المائة من أصوات الناخبين لم يتمكنوا من إقالة حكومة حجبوا الثقة عنها هم وحلفاؤهم، وتصرف "العسكري" مع الواقعة بطريقة فوقية تعكس عدم قناعته بنتائج الانتخابات البرلمانية مهدداً بحله. ومنها أيضاً، أن الإخوان وحلفاءهم لم يتمكنوا والى اليوم من تشكيل هيئة لصياغة الدستور الجديد لمصر، على الرغم من قرارهم باختيار نصفها من خارج البرلمان الذي يُهيمنون عليه. وفي الصراع على تشكيل الهيئة لم يقف المجلس العسكري محايداً بل شارك في رفض الصيغة المقترحة من الإخوان. ومن المعلوم أيضاً، بأن إخوان مصر قد اتخذوا موقفاً "غير شعبي" من اتفاق كامب ديفيد بإعلانهم احترامهم للاتفاقات الموقعة مع الاحتفاظ بالحق- لاحظوا أن الاحتفاظ بالحق لا يعني بالضرورة ممارسته- في مراجعة ما لا يتوافق من الاتفاقية مع سيادة مصر وحقوقها.. وخلال ذلك غَض "إخوان" مصر نظرهم عن قضية العرب المركزية- قضية فلسطين، وضغطوا على قيادة "حماس" في الخارج لقبول مصالحة مع السلطة في رام الله حتى لا تبقى مسألة فلسطين على أجندتهم خلال خمس سنوات قادمة على الأقل لتكريس انتباههم لقضايا مصر الداخلية وللحصول على شرعية دولية، يعلمون جيداً بأنها تأتي فقط على حساب الموقف من القضية الفلسطينية. وفي نفس السياق أيضاً، ولنفس الأسباب، صمت الإخوان في مصر على حصار غزة التي تركت تعيش في الظلام لأسابيع، لدرجة قول أحد قادة "حماس"، إن الحصار على غزة في ظل الربيع العربي أكثر قسوة من الحصار سابقاً له. حتى الموقف من سورية وإيران، كان ولا يزال باهتاً حتى لا يُفهم مِنهُ وجود سياسة إخوانية في هذه الملفات لا تنسجم مع المواقف الغربية. قدم إخوان مصر هذه التنازلات أملاً في الحصول على سُلطة داخلية في مَلفين مهمين يعززان حضور الإخوان في أجهزة الدولة وسياساتها وهما مَلفا الحكومة والدستور. السعي للسيطرة على الملف الأول يهدف الى بسط الأمن الداخلي في مصر والى تحفيز الاقتصاد، ومعه يأمل الإخوان بتعزيز ثقة الناس فيهم. السيطرة على الثاني تعكس رغبة الإخوان في تقييد سلطات الرئيس، ولا تعكس فكرة "أسلمة" الدستور التي يتحدث عنها البعض الليبراليين. تقليص صلاحيات الرئيس هي في المحصلة، زيادة لقوة الحكومة وتعزيز لنفوذها. تفاجأ إخوان مصر، بأن أشهر العسل مع المجلس العسكري..وأن السياسات المعتدلة- بل والمتضادة مع الثورة المصرية- لم تغير من واقعهم شيئاً.. وان أكثر ما كسبوه، هو تمجيد الغرب لهم، فيما يجري دفع ثمن ذلك من رصيدهم الجماهيري. الأسوأ بالنسبة للإخوان، وهو ما يبدو لي، بأنه أحد أهم الأسباب المخفية، لدفعهم بمرشح لسباق الرئاسة -على عكس ما أعلنوه وأكثروا من ترديده خلال عام كامل- هو الخوف من أن تتم انتخابات الرئاسة دون أن يكون الدستور جاهزاً. في حالة كهذه، وفي ظل وجود رئيس منتخب من خارج الإخوان، سيكون بإمكان المجلس العسكري، أن يركز الصلاحيات في يد الرئيس المنتخب، وسيكون "العسكري" في وضعية أقوى، لفرض مواد على الدستور تحفظ له استقلاليته، وَتحدُ من سلطة مجلس الشعب، وتعطي للرئيس دوراً تنفيذياً أكبر لإبقاء مصر أسيرة لعصر الرئيس المخلوع. خطوة الإخوان، إذاً، هي خُطوة استباقية تستهدف منع سيناريو محتمل. إن فاز الإخوان بالرئاسة، وهنالك احتمال كبير جداً لذلك على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية، فستكون هذه أشبه بضربة استباقية من جانبهم، تمنع المجلس العسكري من تنفيذ مخططه. في ظل وجود رئيس من الإخوان، ومجلس شعب فيه أغلبية داعمة للإخوان، ستكون حلقات الشرعية الداخلية للإخوان قد اكتملت، وستكون خيارات "العسكري" محدودة. فإما أن يسلم صلاحياته للشرعية الجديدة المُكتملة، وإما أن ينقلب عسكرياً على الشرعية الشعبية المعبر عنها بأصوات الملايين، ولذلك نتائج خطيرة على مصر وشعبها وعلى الإقليم بشكل عام، وهو ما نعتقد بأنه خيار جنوني لن يذهب "العسكري" إليه. خيار الإخوان يعكس فهماً دقيقاً لواقع مصر، وحرصاً على عدم إضاعة فرصة تغيير حقيقي دفع ثمنها مئات الشهداء وآلاف الجرحى. وهي خطوة من الضروري مباركتها لأنها تقطع الطريق على محاولات إجهاض حركة جماهيرية مظفرة. هذا لا يعني بالضرورة أن وصول رئيس من الإخوان لقيادة أكبر وأهم دولة عربية سيغير من سياسات مصر الخارجية كثيراً لأن الإخوان لم يصلوا بعد الى قناعة بأن التغيير "الجوهري" لواقع مصر السياسي والاقتصادي لن يكون مسموحاً به من قوى الثورة المضادة الداخلية والإقليمية والدولية بدون صراع مفتوح وعلني معها. فهذه القوى عملت ومنذ حرب أكتوبر العام 1973 على تعزيز نفوذها في كل أجهزة الدولة، وقد قامت بذلك من أجل لحظة تاريخية فارقة كتلك التي حدثت يوم 25 كانون الثاني. لذلك لن تسلم هذه القوى بدون صراع وبدون حشد وتوحيد الجماهير خلف أهداف الثورة بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة والانتهازية والتي كثيراً ما تطغى على طريقة الإخوان في إدارتهم لعلاقاتهم مع السلطة والقوى السياسية الأخرى.