خبر : عند الصباح لا يحمد القوم السّرى ...موسى أبو كرش

الخميس 05 أبريل 2012 05:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
عند الصباح لا يحمد القوم السّرى ...موسى أبو كرش



  سألت صديقي الصبيّ الصغير ذا السبعة أعوام بائع الشاي في حديقة الجندي المجهول ممازحا :هل "هاهت" جدتك وزغردت عماتك وخالاتك يوم ولدتك أمك؟ ضحك الصغير ملء غمازتيه وقال :لا أدري؟ قلت: ومتى سمعتهم يزغردون ؟ قال: يوم استشهد ابن عمي! قلت: وهل تصفر او تصفق عندما يعود تيار الكهرباء لبيتكم ؟ - قال : زمان ! قلت والآن؟ قال أنا لا اصفق الا ل( مسي) عندما يحرز هدفا !قلت بس ؟ قال :وعندما "انفق" ابريق الشاي!نزغرد لمن يموتون ! ونصفق لمن مرمروا حياتنا يالحسرتي! لا شيئ في غزة يدعو للفرح .. كل شيئ في غزة هاشم يدعو للقرف! .. قرف مقيم مظلم صامت ، مخيم فوق السطوح والأبنية والشوارع والمحلات والأسواق.. في المستشفيات والعيادات ، أناس مسرنمون أثقلتهم تكاليف الحياة وأسهدهم عنت المعاناة ... أباء حائرون ساهمون، يقلبون الأكف وينبشون الشوارع بحثا عن عمل يخرجهم من أزمتهم ومآزقهم، ويخفف عنهم إثقال أحمالهم.. خريجون جامعيون يذرعون الأرصفة ولا يجدون من يلتفت إليهم.. أمهات حزينات يجترن مرارة الألم والحزن على بناتهن القارات في البيوت، في انتظار من يطرق بابهن .. عمال مهنيون بارعون لا يدرون كيف يتدبرون أمرهم، بعد أن تخلى عنهم الجميع ،وأصبح الحصول على يوم عمل أمنية لا ينالها إلا ذو حظ عظيم .أسلاك كهرباء تجلطت مولداتها ،وجف سريان تيارها وانطفأت مصابيحها ...مولدات منزلية محنطة مشلولة، لا هدير لها بعد أن صار الحصول على قالون بنزين أصعب مرارا من البحث عن وليد مسعود! هذا ما كان ينقصنا ، يقول جارنا ابو سعدي  الذي اخذ يذرع المسافة أمام منزله ذهابا وإيابا بانتظار ابنه سعدي الذي هرع لمحطة الوقود القريبة بجالوني بنزين، وعاد إلى البيت بخفي حنين، في هذا الوقت المتاخر من الليل بشوفك ما غنمتها يا ابن غنيمة – يابا الناس فوق بعضها حتى البنزين السوبر مقطوع وما في إلا الإسرائيلي أبو سبعة شكيل ونص لا حول ولا قوة إلا بالله حس .. استغفر الله العظيم شو بدنا ندعي على الناس كمان .لا أمل في عودة الكهرباء هذه الليلة.. والله محنا عارفين اندبر حالنا .. زمان كنا نضوي السراج ،ونحط روسنا وانام وضميرنا مرتاح ، وكان ( طمبر) الكاز يكفي المخيم كله .. يا عمي الدنيا تغيرت! كل شيء اتكهرب ، ثلاجات وغسالات ونيونات وتلفزيونات وكمبيوترات، وجرار غاز مش ملاحقين عليها ولا عارفين كيف نعبيها .. لا حول ولا قوة إلا بالله ،خلينا انام، ولا كهرباء ولا ما يحزنونيا عمي حتى لو عادت.. الناس هتشفطها خبيز وغسيل وطبخ شو صار بهل الدنيا .قادة ووزراء مسئولون كبار وصغار لا يحركون ساكناً ويبشرون في حل الأزمة جذريا وطوليا وعرضيا وعلى ارض الواقع لا زلنا نغرق في الظلام .. ونتمرغ في خيبة الانقسام.وأدرك شهريار الصباح ، ( عند الصباح يحمد القوم السرى ) كما قال ابن الوليد_ وفي غزة مكانك سر!_ ، لا صرى ولا ما يسرون .. قطعة الأرض التي يزدحم فيها أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني محاصرة من الوريد إلى الوريد وهي بالكاد تكفي لان تكون مهبطا عصريا للطائرات وعلى الناس أن يتدبروا شؤونهم !أخبار الصباح تنبئ ببدء ضخ الوقود الصناعي لمحطة توليد الكهرباء بعد اتفاق بين حكومتي فياض وهنية، وهذا يعني_ والله اعلم_ أننا سنعاني فترة انقطاع تزيد أو تقل قليلا عن ثماني ساعات كل أربع وعشرين ساعة ( يا مهون الأسباب يا رب .. نص العمى ولا العمى كله يا عمتي )  تقول جارتي التي تشاطرني مع كنتها المقعد الخلفي للسيارة إلى  موقف سيارات الجنوب ،"والله يا عمتي الناس احتارت من وين تتلقاها إذا اجت المية انقطعت الكهرباء وإذا اجت الكهرباء انقطعت المية والله حالنا بطير العقل".في غزة يشترط عليك السائق بإصبعيه السبابة والوسطى ب ( شيكلين) قبل أن تمس يدك مقبض باب سيارته وإذا دخلت معه في جدل يسمعك محاضرة طويلة حول كيفية تدبيره السولار بدءا بالوقت الطويل الذي أنفقه في محطة الوقود إذا افلح، وتنتهي بشرائه جالوناً أو اثنين من السوق السوداء بسعر مضاعف وما عليك إلا أن تسلمه الشيكلين او( تقزدر ) إذا كان فيك حيل . سمعت رجلا مهندما في شارع فرعي بين الوحدة وعمر المختار يطلب من احد معارفه  عبر هاتفه المحمول ان يدبر له كمية من البنزين الشرعي... ياللهول أهناك بنزين شرعي وغير شرعي أيضا؟! السيارة تنهب الطريق ومن المقعد الخلفي سأل شاب يبدو انه جامعي سائق السيارة الخمسيني، كيف تدبر أمور سولار سيارتك أجاب السائق :"أكرج" السيارة وفي الصباح أجد الخزان ممتلئا بالسولار، انفجر الجميع بالضحك إلا الشاب الذي أصر على سماع إجابة شافية من السائق الذي اكتفى بقوله:" أمرنا أن نصوم عن الكلام" وخزني عجوز يجلس إلى جواري مالك صامت يا بني؟ لماذا لا تشاركنا الحديث ولا انت مش من هالبلد ؟ قلت انا من (نيكاراغوا) من وين ؟! من نيكاراغوا.. طيب وين هاي بتقع؟ في أمريكا الجنوبية ..يا عم وايش وداك على هذي البلاد البعيدة قلت :أكل العيش مر ..قال: وعندكم غاد أزمة غاز ومي وكهرباء ،قلت: الدنيا كلها أزمات ولكن الشاطر بعرف كيف يدبر أموره .عند مدخل خانيونس طلبت من السائق التوقف وأخذت سيارة متجهة إلى المستشفى الأوروبي آملا أن يكون في المستشفى من الوقود ما يكفي لإجراء فحوصاتي حتى لا أعود أدراجي إالى بيتي كئيبا خائبا .