خبر : حول مستقبل الثورة السورية ..بقلم: د.عاطف أبو سيف

الإثنين 02 أبريل 2012 11:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حول مستقبل الثورة السورية ..بقلم: د.عاطف أبو سيف



يكاد المتابع يصاب باليأس وهو يرى تعثّر الثورة السورية في تحقيق مطالبها بالإطاحة بنظام بشار الأسد، ويصاب بالمرارة أمام إصرار النظام وجيشه على البطش بكل قوة ممكنة بالمتظاهرين ومطالبهم المشروعة. وفي اللحظة التي سجلت فيها الجماهير استبسالاً منقطع النظير في مدن ونجاع سورية المختلفة، فإنها كانت الأقل حظاً بين الجماهير العربية التي انتفضت بعد أن أحرق بوعزيزي نفسه قبل سنة وخمسة أشهر، حيث تمكنت جماهير تونس ومصر واليمن وليبيا من الإطاحة برؤوس أنظمتها فيما ظل الشعب السوري يخرج يومياً ويفقد العشرات في مصادمات دامية مع جيش كانت مهمته الأساسية تحرير الجولان التي لم يطلق فيها رصاصة منذ هدأت حرب عام 1973 في هدنة مجانية ستبكي إسرائيل على فقدانها. وفيما كان الانتصار (على أحدهم أن يتحفظ) في ليبيا قد تم بمساعدة طائرات وبوارج حلف (الناتو)، وفي اليمن بفعل التسليح العالي للمجتمع القبلي هناك، فإن الشعب السوري ظل حائراً في انتظار الطريقة المثلى للخلاص من الطاغية. الثابت الآن أن حالة المد الجماهيري للثورة قد بدأت بالتقلص والتراجع، وأن هيمنة قوات الجيش على المشهد باتت أكثر قوة. وهذا الانطباع قد يحمل خدعة إعلامية ليس إلا تكمن في أن الجيش قد يكون قد نجح في دحر الثورة في المناطق التي يتركز عليها الإعلام أو أنه أحكم قبضته على المخرجات الإعلامية الصادرة من أرض الميدان. وفي كل الحالات فإن الثابت أن الربيع العربي في كثير منه هو ربيع إعلامي انتشرت نيرانه مثل الهشيم من بلد إلى آخر بفعل التأثير والعدوى التي لعب فيها الإعلام دور البطل. منذ البداية دار سجال كبير حول فرص وممكنات التدخل الخارجي في مساندة الشعب السوري المنتفض. كانت التجربة الليبية ماثلة للعيان، حيث نجحت قوات التحالف في دك أركان النظام ومطاردته ومن ثم قتل رأس الأفعى. وفيما قام المجتمع الدولي وبلمح البصر باتخاذ التدابير التفويضية والقرارات اللازمة لفعل ذلك في ليبيا، فإن جهوده في سورية لم تتعد حالة الجدل. والفرق بين التجربتين السورية والليبية لابد من ملاحظتها من خلال متابعة الأيام الأولى للثورتين. في ليبيا تم الاعتداء على مقرات الأمن ونهب السلاح من مخازن الجيش منذ اليوم الأول لخروج المسيرات في بنغازي وسرت. بمعنى أنه تم الإعلان عن تسليح الانتفاضة الليبية وبالتالي إعلان هوية الثورة القادمة بأنها مسلحة وعنيفة. في سورية بالمقابل فإنه حتى الآن (سنترك قصة الجيش الحر جانباً الآن) فإن المواطنين العزل يخرجون بصدور عارية لمواجهة دبابات النظام. وعلى الرغم من بروز ما عرف بالجيش الحر في الآونة الأخيرة فإن أحداً لا يعرف هوية هذا الجيش ومصادر تسليحه، كما لا يوجد التفاف شعبي حوله؛ لأنه لو توافر كل ذلك لكان قد نجح على الأقل في السيطرة على إحدى المناطق وتركيز العمل فيها وجعلها نقطة التحرك لتحرير بقية الأراضي السورية. وللمفارقة فإن أكثر الشعوب العربية تعرضاً للقمع ومصادرة الحريات والأحلام – الشعب السوري- كان أكثر الشعوب العربية استبسالاً في الدفاع عن كرامته المفقودة. وظل النقاش حول التدخل من عدمه ديدن المواقف الدولية حول مستقبل سورية. وفيما كانت مصالح القوى الكبيرة هي التي تحكم هذا النقاش، لم يظهر في الساحة العربية نقاش عميق حول كيفية التعامل مع الملف السوري، وظلت الهيمنة القطرية في ظل الانشغال المصري الداخلي هي سيدة الموقف. بالطبع لو كان حلف (الناتو) يريد أن يحرر شعوباً محتلة فإن الشعب الفلسطيني محتل منذ العام 1917 على الأقل بل مسلوبة أرضه ومقدراته وبمساعدة (الناتو) ودولته المدللة. لكن ليس هذا باب القصيد، إذ إن حصر النقاش بين موقفين يقول أولهما بوجوب التدخل العنيف لإزاحة النظام وبالتالي استخدام أصول عسكرية غير عربية في ذلك فيما يقول الثاني إن ترك الأمر بيد الشعب السوري لتنتصر ثورته أفضل وسيجلب نتائج أكثر استقراراً وإن كان تحقيقها سيستغرق وقتاً أطول، قصر النقاش في هذين الموقفين هو تحلل من المسؤولية القومية عربياً والمسؤولية الأخلاقية عالمياً. لأن الأمر يستوجب البحث عن طرق وحلول خلاقة تستجيب للوضع السوري ولا تضع سورية في دائرة الاستهداف الخارجي بما يحقق إزاحة الطغمة الحاكمة في دمشق وإرجاع القرار السوري إلى الشعب السوري صاحب الحق في ذلك. المعارضة السورية قصة كبيرة وتشكّل جزءاً كبيراً من سلة الأسباب التي تدفع بالتعثر الثوري السوري وبعسر الولادة. فهي معارضة تمثيلية بمعنى أنها أجسام تمثل فكرة المعارضة ولا تمارسها بالشكل الحقيقي. وكما فهمت من بعض المدونين السوريين خلال مؤتمر عقد قبل فترة في إسطنبول حول ذلك فإن أحد أهم أسباب تأخر الميلاد السوري أن الثورة السورية في الداخل لم تنتج قيادات تمثلها وتمارس القيادة الميدانية من داخل المدن والريف السوريين بل إن الوجوه التي تعبر في الإعلام عن هموم الثورة ليست بثائرة في الأساس. فالمجلس الوطني تم تشكيله وفق توافق سياسي بين أطياف قوس قزح السياسي والجغرافي السوري. بمعنى هذه "المعارضات" السورية ليست نتاجاً طبيعياً لحالة الثورة في الشارع. لم يخرج أحد في بابا عمرو ويقود الناس ليلتفوا حوله ويندفع من مكان لآخر مشكلاً نقطة جذب لتبلور هوية للثورة. بل إن الدول والقوى الخارجية سمحت لنفسها أن تقوم مثلاً بهذا الدور، وهذا، أيضاً، ما أثر على شرعية وتمثيلية المجلس الوطني. كان يمكن لقيادات التنسيقيات أن تقوم بذلك، لكن ثمة تركيزاً على التمثيل الخارجي لحدث ومعارك تدور رحاها في الداخل. بكلمة أخرى، فإن التدخل الخارجي في شؤون الثورة السورية سيكون كما أثبتت الأيام أحد أهم مكامن ضعفها والمؤثر الأساس في تعثرها. ومن شأن تركيز الانتفاضة الشعبية على سبل تطوير نفسها وفضح ممارسات النظام وخلق مناطق محررة تكون قاعدة الفعل الثوري، أن يدفع بحالات نجاح صارت الثورة السورية بأمس الحاجة إليها أمام ردة فعل النظام القاسية وغير الأخلاقية.