خبر : عن المصالحة.. أيضاً .. بقلم: عبد الله عواد

الجمعة 30 مارس 2012 10:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن المصالحة.. أيضاً ..  بقلم: عبد الله عواد



هناك إصرار على إطعامنا الجوز الفارغ منذ سنوات، وهم يتحدثون عن المصالحة والاتفاق وإنهاء الانقسام الذي هدّنا كشعب، وكان اتفاق الدوحة الذروة، لنغرق من جديد في ظلام الانقسام، كما غرقت غزة في الظلام، وليكتشف الأبرياء أنهم مضللون، وأن المصالحة هي الحلم الجميل الذي يطارده الناس دون فائدة، لأن شياطين الكراسي والمصالح، أقوى من ملائكة الوطن. يقولون بالزهد في الكراسي والمناصب، وأنهم أصحاب مبادئ، وهم كذّابون؛ لأنهم يطحنون الشعب، ويضيعون الأرض، ويقتلون المستقبل... . أي مبادئ هذه يا ناس، نحن ضحايا الانقسام، نُقتل، نُعذب، نموت، صرنا نحلم بلقمة الخبز، وضوء شمعة، وحبة دواء، ويوم جديد سيئ مثل اليوم، وليس أسوأ منه كما حالنا منذ سنوات، وكيف تكون المصالحة؟. حين تسقط الوطنية على مقصلة الفصائلية، وتسقط الفصائلية على مقصلة القبلية الملتصقة بالجغرافيا، وتسقط القبلية على مقصلة الأشخاص، يصبح الوطن مزرعةً للصوص بكل أنواعهم، وتضيع القضية ومعها الأرض، والشعب، ونفقد أولوية واقع الاحتلال الذي يدمرنا ويقتلنا، ولنغرق في أولوياتنا الذاتية من إنهاء الانقسام إلى ضوء شمعة، وما بينهما من سلطة تتآكل وسريعاً في الضفة وفي القطاع إلى بؤس المقاومة والمفاوضة. لم يكن الذي جرى انقساماً فحسب، بل كان دموياً حمل معه الإجرام وأفرز نظاماً أمنياً شمولياً، ينفي الآخر، وانقساماً جغرافياً، الاحتلال قرّب بينهما ثقافياً وعلاقات شمولية، بعد أن عاشا افتراقاً طويلاً أفرز واقعين، كل واقع يحمل خصوصيات محددة، وجاء الانقسام ليعود من جديد نحو ما كان، ويتعمّق بفعل ولادة طبقة بكل ما في المصطلح من معنى، مرتبطة مصلحتها بهذا الواقع المأساوي الجديد والذي يتعمق. وكلما طال الوقت يحمل معه انقسامات جديدة، تفرزها الوقائع الجديدة الناتجة عن الانقسام، وهي انقسام داخل فتح وداخل حماس وما تبقى من فصائل، وداخل النقابات والمؤسسات، وعندها لا تنفع كل القرارات والاتفاقات العليا، كما قال وبوضوح اتفاق الدوحة الذي مات وخلّف وراءه معطيات جديدة بالضد من المصالحة، ومن الوحدة ومن المستقبل. ليس سهلاً على قيادات الانقسام تسليم مفاتيحه والمغادرة إلى البيوت، لأننا لم نصل إلى هذه الثقافة بعد، لهذا فإن كل الاتفاقات والتفاهمات لم تخرج عن منطق إدارة الانقسام، ولا تحتاج النصوص لأي اجتهاد، لأنه ـ الانقسام ـ طال وأفرز قواه الجديدة معه، وهي تدافع عنه، وبالدم إن احتاج الأمر، وأيضاً أفرز اقتصاده، وإعلامه، وصار حالة، لا قيمة لأي قصيدة عاطفية أمامها، ولا لبكاء الفقراء، وأنات المرضى. صارت القضية عند حكومة غزة وحركة حماس حكومة رام الله وحكومة فتح والعكس، والاحتلال في إجازة مفتوحة، يصادر، يقتل، يعتقل... وحركات المقاومة والجهاد والثورة أيضاً في إجازة مفتوحة، مشغولة بالكراسي والامتيازات، أما الشعب أما نحن فلا قيمة لنا، نحن مجرد أرقام نجوع، نموت، يقتلنا الاحتلال، لا قيمة لكل ذلك إلاّ بما يخدم الانقسام واستمراره، فقط حين يهتز الكرسي قليلاً يتحرك الانقساميون خوفاً على أنفسهم لا خوفاً علينا. الوطن عند الانقساميين بخير، والشعب يعيش في ظل الانقسام ضاحكاً ضحكاً متواصلاً من النعيم، والأرض رائعة وجميلة، ولا ينقصه سوى المزيد من بركات الانقسام، كي تنقطع الكهرباء بالكامل، وينقطع الدواء، وينقطع نصف الراتب، ويمضي الاستيطان سريعاً في التهام الأرض أو ما تبقى منها، نحن رائعون عند الانقساميين في فقرنا وموتنا وقتلنا وجوعنا ومرضنا وغرقنا في مياه المجاري، وفي إذلالنا أمام الدوائر الحكومية لإنجاز أي معاملة تافهة. مسموح لنا البكاء على أنفسنا طوال الليل، ألماً وقلقاً وخوفاً على مستقبلنا، وحين ينتهي الليل ويجيء النهار علينا أن نبتسم ونضحك بصوت عال، ونشكر حكومتينا على النعيم الذي نعيش فيه، وعلى سهرها ورعايتها لنا طوال الليل، ومن يخرج عابساً وباكياً هو متآمر وخائن وعميل ومصيره الاعتقال والسجن وربما الموت لأنه لم يضحك بصوت عال كي يُثبت أن الانقسام جميل ورائع. الوطن يضيع، والشعب يموت، والانقساميون يجوبون دولتي فلسطين ودول الجوار وهم يرفعون راية إنهاء الانقسام، وفي داخلهم يضحكون، اللهم دوام الانقسام، ودوام الحال وتعميقه...، عن أية مصالحة يتحدثون؟. حكومة غزة وأقطاب حماس فيها كانت واضحة في موقفها من اتفاق الدوحة وبعده، لا اعتراف بسلطة ولا قيادة سياسية لحماس في الخارج، وباختصار "نحن قيادة الشعب ولا قيادة غيرنا، هكذا قالت جولات هنية والزهار الخارجية وتقول، أي نحن مستقلون وعلى العالم أن يتعامل معنا فقط عن طريقنا "ومهمة حكومة رام الله فقط التمويل أي جمعية خيرية تابعة لحركة حماس في القطاع، وإذا قصّرت فإنها عميلة. الذين وجدوا في فتح وظهروا كإفراز للانقسام، وأظهروا بطولات دونكوشتية، يصابون بمرض الهلوسة كلما سمعوا كلمة مصالحة لأنهم يتحسسون على كراسيهم خوفاً عليها من الفقدان، لأن الانقسام حمل معه ظاهرة جديدة لها بطولاتها، وإذا انتهى الانقسام فلا يوجد أي عمل لها، أليس لكل مرحلة رجالاتها وزلمها وليست فتح استثناء من ذلك. نحن هنا الضحايا للانقسام نعيش الألم اليومي على حالنا الذي أوصلتمونا إليه بانقسامكم وسياساتكم أيها القوامون علينا رغم إرادتنا بعد أن سلبتمونا حقنا في حريتنا، حرية اختيارنا أن نكون في وضع آخر نموت ونتألم ونتعذب من أجل تحرير الأرض والإنسان، وليس بسبب انقسامكم وخلافاتكم على من يحكمنا رغم أنكم تعرفون جيداً أننا لا نريد حُكماً يقودنا نحو الكارثة نحو اليأس والإحباط وإنما نحو الأمل والمستقبل. أصبنا باليأس وليس عندنا أي أمل بالمصالحة في عهدكم، فأنتم تأخذوننا نحو الآخرة، وهي لكم، لأننا باقون وأنتم زائلون كما ذهب كثير من الذين يعاندون التاريخ والشعب. awad-abdla@live.com