قبل عشر سنين بالضبط، بعد العملية التفجيرية الفظيعة في فندق "بارك" في نتانيا، تمت عملية "السور الواقي". ويجدر بنا ان نذكر ثلاثة دروس ايجابية من هذه العملية.يتعلق الاول بالاستعداد للعملية، فقد بدأ قبل ذلك بخمس سنين حينما كانت مسيرة اوسلو ما تزال تبدو مضمونة ومستقرة. لم يؤيد أحد الجنرالات في ذلك الوقت الموارد الكثيرة التي خُصصت للاستعداد وقال: "هل يعتقد أحد ما ان حكومة ما ذات مسؤولية ستعطينا في وقت ما أمرا عسكريا باحتلال نابلس وجنين من جديد؟". وتبين ان نعم وكان من الجيد ان الجيش كان مدربا كما ينبغي لهذا السيناريو. من الواضح ان الجيش لا يستطيع ان يكون مستعدا دائما لكل سيناريو بنفس الدرجة، لكن لا يجوز في الشرق الاوسط الاعتماد على ان يمنع واقع اليوم الحاجة الى عملية عسكرية غدا.ويتعلق الدرس الثاني بالحوار بين المستوى السياسي والمستوى العسكري. كان آذار 2002 شهرا فظيعا، ففي هذا الشهر وحده قتل 135 اسرائيليا في 17 عملية ارهابية. وهددت العمليات المتوالية باشلال الدولة فقد خاف الناس ركوب الحافلات أو دخول المقاهي أو زيارة المجمعات التجارية. وكانت ذروة ذلك العملية التفجيرية في فندق "بارك" التي قُتل فيها 30 شخصا.جمع وزير الدفاع آنذاك، بنيامين بن اليعيزر، قيادة الجيش على عجل وبدأ النقاش فقال: "ينبغي ان نضرب حماس بكامل القوة". وزعم رئيس هيئة الاركان، شاؤول موفاز، ونائبه موشيه يعلون، أننا استنفدنا كل ما يمكن فعله في مواجهة حماس بعملية "من بعيد" وان السبيل الوحيدة لخفض مستوى الارهاب تقتضي سيطرة من جديد على مدن الضفة كلها. وكان واضحا ان هذه العملية ستفضي الى صدام مباشر مع السلطة الفلسطينية وكان هناك من قدروا ان النتيجة ستكون انهيار السلطة الفلسطينية. وزعم رئيس الاركان ونائبه ايضا ان شرط النجاح هو ان يُعطى الجيش مهلة شهر لانهاء العملية وشهر آخر للاستمرار في السيطرة على الارض.في حين لم يكن رئيس الحكومة اريئيل شارون ينوي ان يذرف دمعة واحدة اذا انهارت السلطة الفلسطينية، صعب على وزراء حزب العمل الموافقة على عملية ذات تأثيرات بعيدة المدى كثيرا في "المسيرة السياسية". وكانت هناك ايضا صعوبة ضمان حرية العمل مدة شهرين لأن الامريكيين أوضحوا منذ اللحظة الاولى أنهم لن يوافقوا على بقاء طويل للجيش الاسرائيلي في الارض الفلسطينية. وفي نهاية الامر استقر رأي المجلس الوزاري المصغر على الموافقة على عملية واسعة وأن يُضمن للجيش الاسرائيلي مدة شهرين. وكان ذلك قرارا صحيحا لا بمنظار الوقت وحده بل لأنه كان نتيجة لنقاش مناسب بين المستوى السياسي والمستوى العسكري حُددت فيه جيدا الأهداف، وتم بيان ما الذي يمكن احرازه وبأية شروط.ويتناول الدرس الثالث انهاء العملية. في آخر ايام العملية أُبلغ في وسائل الاعلام العربية وعلى لسان مندوب رسمي للامم المتحدة ايضا أن اسرائيل نفذت مجزرة في مخيم اللاجئين جنين وقُتل 500 بريء. وعيّن الامين العام للامم المتحدة بتنسيق مع الولايات المتحدة لجنة دولية تحقق في "المجزرة في جنين". وفشلت جهود اسرائيل لمنع هذا التحقيق وبقي لشارون ورقة لعب واحدة هي محاصرة المقاطعة في رام الله. وخشي الامريكيون ان تؤدي العملية الى موت عرفات، لكن طلباتهم الى شارون ان يكف عن الحصار لم تُستجب الى ان عُرض عليهم ما يشبه صفقة عامة بأن تُزيل اسرائيل الحصار ولا تؤيد الولايات المتحدة مقابل ذلك لجنة التحقيق، وهذا ما حدث.يجدر ان نتذكر زيادة على هذه الدروس الايجابية أي استنتاج ينبغي ألا يُستنتج. جابهت اسرائيل الولايات المتحدة وأحرزت أهدافها بفضل شيئين اثنين: فقد كان الحديث عن شأن أمني واضح تعلق بمصالحنا الحيوية لا بمصالح الامريكيين. ويتغير الاستعداد الامريكي لأخذ وجهة نظرنا بالحسبان حينما يتغير واحد على الأقل من الأمرين: اذا كان الحديث عن مصلحة اسرائيلية يرونها سياسية لا أمنية (كالمستوطنات)، وفي المقابل اذا كان الحديث عن حادثة تتعلق مباشرة بمصالح الولايات المتحدة (مثل عملية عسكرية في ايران).