خبر : المصالحةُ مُعلّقة بانتظار إعلانٍ آخر.!!..د. أحمد يوسف

الإثنين 26 مارس 2012 02:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحةُ مُعلّقة بانتظار إعلانٍ آخر.!!..د. أحمد يوسف



تقديمما الذي ينتظره الفلسطينيون وقد طال عليهم الأمد لمصالحة أضحى الوصول إليها دونه خرط القتاد.. كم من اتفاقٍ تمَّ الإعلان عنه في صنعاء والقاهرة والدوحة غمرتنا معه الفرحة ثم سرعان ما انتكس الحال وانطفأ الوهج، وأخذ كلٌّ منّا - بعد أيامٍ أو ساعات - يقلب كفيّه حسرةً على ما تمَّ بذله من مساعٍ وجهود، وما رسمناه من آمالٍ ووعود، ذهبت كلها – للأسف - أدراج الرياح والرعود. لا شك أن لدينا بعض القيادات السياسية التي أقل ما يقال عنها أنها عاجزة ومحدودة النظر، وانشغالاتها لا تعدو مسعى الطير" تغدو خماصاً وتعود بطاناً"، أما الوطن ومستقبل الأجيال فلا يُشقيها استشرافه والتفكير فيه. لذلك، فهي لا ترى في مخططات الاحتلال لابتلاع الأرض وطمس الهوية الوطنية خطراً داهماً أو فجيعة مهلكة، فالوطن بخير طالما أنها تتمتع بكرسي "صاحب المعالي".!! قد تسمع على ألسنة أحدهم من يقول إنه زاهدٌ بالسلطة أو أنه لا يرغب بالترشح في أية انتخابات قادمة، ولكن كل ما نشاهده – في واقع الأمر - هو تكريس للمواقع وزيادة مساحات التشبث بها.. ولذلك، نجد أن مسار الرؤية والموقف تجاه المصالحة تحدده - في الحقيقة - المصالح وليس المبادئ، وهذه مسألة تنطبق – للأسف - على الأمير وكل من بيده سلطة تقرير المصير، المهم أن المكانة لا تهتز، لأنها - بالنسبة لهؤلاء وأولئك – هي دوحة العرش وهيبة الألقاب وعنفوان الصفة التي تسمو فوق كل اعتبار. لقد أوجد الانقسام واقعاً تعاظمت فيه امتيازات البعض، وارتبطت به مصالح البعض الآخر وألقابه، فغدا مجرد التفكير في تغييره كارثة وطنية.!! من هنا نجد أن كلَّ حالة توافق وطني، ومباشرة الاقتراب من وضع لمسات "إنهاء الانقسام"، هي بمثابة خط أحمر لدى هؤلاء المتنفذين، إذ سرعان ما يبادرون إلى وضع العتلات في دولاب المصالحة، ويفتعلون الأزمات لإجهاض كل عملٍ تمَّ التوصل إليه، عبر قائمة لا تنتهي من المطالب والاشتراطات، وأشكالٍ لا تتوقف من مظاهر الاستفزاز والمناكفات؛ سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. تساؤلات غاضبة مع كل انتكاسة تعقب مساعي وجولات تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام تثور الأسئلة الساخطة في الشارع الفلسطيني، بحثاً عن إجابات تُفسر واقع الحال والمآل، ولكن - للأسف - تبقى التساؤلات المحيرة هي الحاضر المشهود في عناوينه الغاضبة، والتي يمكن تلخيصها  في جملة من الأسئلة وعلامات الاستفهام التالية: كم إعلانٍ داخل الوطن وخارجه نحتاج إليه كي نضع قاطرة المصالحة على طريقها الصحيح ونمضى؟! وكم جهة فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية مطلوبٌ وساطتها، حتى تتوافر القناعة لطرفيّ الأزمة في فتح وحماس بأنه لا بدَّ من إنجاز المصالحة، وأنه لا مفرَّ عن إنهاء الانقسام؟! كم من المخاطر نحتاج إلى إدراكها كي نعي حجم التآكل المجتمعي والكارثة الناشئة عن استمرار حالة التشظي السياسي لجغرافيا الوطن وكيمياء السياسة؟! وكم ضربة متتابعة تحت الحزام يمكن أن توجهها إسرائيل لشعبنا وقضيتنا ونظل بعدها قادرين على الصمود ومقاومة الترنح والسقوط؟! كم جولة أخرى من "التكاذب" والمراوغة مطلوب إجراؤها بين طرفيّ الأزمة قبل أن يصحو الشارع الفلسطيني بثورته الهادرة: "الشعب يريد ..." ؟! في حملة شعبية احتجاجية على غياب المصالحة واستمرار الانقسام. وكم من الوقت تحتاج قياداتنا السياسية للتيقن بأن حبال الصبر قد تقطعت، وأن الاحتقان بلغ مداه، ومرجل التذمر من الانقسام يغلي ويوشك على الانفجار.؟ كم، وكم، وكم.؟...أسئلةٌ لا تنتهي، ولكنها - في الحقيقة – ملحّة، ودواعيها واضحة ودوافعها مفهومة. لقد كانت الإنتكاسة التي أعقبت "إعلان الدوحة" مؤشراً لغياب منطق الصراحة والوضوح في السياسة الفلسطينية، فالرئيس (أبو مازن) - كما يرى البعض – لا يبدو جاداً، وهو من وجهة نظر البعض الآخر كالساحر الذي يلعب بالبيضة والحجر وبيده أربعة ملفات، وهي أشبه بفصول الطقس العاصف يراوح بينها، ويقلب صفحاتها أو يطويها حسب الحاجة، وهي كالتالي:1-  ملف المفاوضات مع إسرائيل2-  ملف المصالحة مع حماس3-  ملف عملية التسوية مع اللجنة الرباعية4-  ملف طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع الإمم المتحدة فالمتابع لتحركات الرئيس (أبو مازن) يمكنه رصد تنقلاته حول تلك الملفات أو الفصول الأربعة، والمسألة صارت أشبه بلعبة الشطرنج، حيث يتم نقل البيادق من خانة لأخرى لأجل الدفع خطوة للأمام أو تحسين واقع المكان، ثم الانتظار والتفكير قبل الرد على تحركات الخصم.. ثمَّ لحظة صمتٍ أخرى، نمضي بعدها، وهكذا دواليك. إن الإشكالية التي لا يدركها الممسكون بزمام المبادرة وولاة الأمور أن شعبنا ملَّ مراقبة اللعبة، وأن الفرجة لم يعد فيها إمتاع وتسلية، وقد ضاق الشارع الفلسطيني ذرعاً بالمشهد كله. في مارس 2008، أجرينا توقيعاً للمصالحة في العاصمة صنعاء، وقبل أن يجف الحبر الذي وقّعت به فتح وحماس خرجت علينا أصوات من رام الله تندد بالاتفاق.!! كان هذا خطأ، بغض النظر عن كل ما قدمته فتح من تعليلات وأسباب!! في أكتوبر 2009، كنّا قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على "وثيقة إنهاء الانقسام" برعاية جمهورية مصر العربية، حيث سبقت حركة فتح وبادرت بالتوقيع وتخلفت حماس آنذاك..  كان هذا - أيضاً - خطأ، بغض النظر عن كل ما قدمته حماس من تفسيرات وأسباب!! وفي  مايو 2011، عدنا للقاهرة مجدداً ووقعنا على الاتفاق القديم، بعد أن ألحقنا به بعض التفاهمات، التي أنتجتها لقاءات دمشق بين السيد عزام الأحمد ود. موسى أبو مرزوق.تأخرنا في التطبيق، وتخلفنا – حتى اللحظة - عن وضع إي لمساتٍ وحقائق لإنهاء الانقسام على الأرض..  كان هذا - أيضاً - خطأ، بغض النظر عن كل ما أورده طرفا الأزمة من دواعي وأسباب!! بعدما أطلّ علينا الربيع العربي، اعتقد الشارع الفلسطيني أن كل الذرائع السابقة - والتي حالت دون المضي قدماً في إنجاز ما تمَّ من اتفاقات - قد انزاحت، وأزيلت عن الطريق كل العقبات.. وفجأة؛ عادت الأمور للتعقد والتراجع من جديد.. ذهبنا للقاهرة في جولة مارثونية أخرى، فتحت فيها مصر كلَّ أبوابها لندخل منها أمنيين، وهيأت لنا الأجواء المريحة للنجاح، وقامت بالوساطة البعيدة عن أيٍّ من مظاهر التحيّز، وكانت وقفتها نزيهة خالصة لصالح الشعب والقضية، ولكن نحن من جهتنا انطبق علينا المثل القائل: "عادت حليمة لعادتها القديمة".. للأسف، عدنا لأساليب المماطلة والمناكفة، وخذلنا مصر وأمتنا العربية والإسلامية، وأصبنا شعبنا بحالة قاتلة من الإحباط وخيبة الأمل. كان هذا - أيضاً - خطأ، بغض النظر عن كل ما أوردناه من دواعي وأسباب!! وفجأة؛ وبعيداً عن مصر، وعن القاهرة التي كانت تتجه نحوها الأنظار وتترقب لتشكيل الحكومة، جاء "إعلان الدوحة".! استبشرنا خيراً، وقلنا: أخيراً - والحمد لله - انحلّت عقدة رئيس الوزراء، وتمَّ كلُّ شيءٍ – كما تهكم البعض بالقول - "قضاء وقطر"..!! ماشي الحال؛ تحملنا وسلمنّا بهذا "القضاء والقدر".   بعد أسبوعين، بدأت الاستعدادات للقاء موسع في القاهرة من جديد، باعتبار أنها ستكون حاضنة "العرس الكبير"، الذي سيتم فيه الإعلان عن الحكومة الانتقالية التي سيترأسها رأس هرم السلطة الوطنية الرئيس (أبو مازن)، ونرد - بذلك – بعض الجميل لمصر، التي وقفت معنا برغم أوضاعها الداخلية المتوترة، وحالة عدم الاستقرار التي تشهدها مرافقها السياسية والأمنية. وفي يوم 22 فبراير 2012، تقاطرت قيادات العمل الوطني والإسلامي للقاهرة، جاء الكلُّ متفائلاً، باعتبار أن الرئيس (أبو مازن) سيعرض عليهم حكومة التوافق الوطني، والتي سيتم اعتمادها ومباركتها بحضورهم الميمون. حقيقة، كانت وجوه الوافدين - لحظة وصولهم للقاهرة - منفرجة الأسارير وتعلوها نبرة من التفاؤل والأمل، ولكن بعد العودة من لقاء الرئيس (أبو مازن) بفندق قصر الأندلس، شعرنا وكأن الجميع على رؤوسهم الطير، وقد كست تجاعيد الخيبة وجوههم. لاشك، أن جهة الرعاية المصرية - هي الأخرى - قد أصابها من الإحباط ما أصابنا جميعاً داخل الشارع الفلسطيني.. ولكن - برغم كل ذلك - ما يزال الجميع يراهن على صحوة هذا الشعب، وقدراته في التأثير والتحريك، لتصحيح المسار وضبط البوصلة لبلوغ الهدف النبيل بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام. يا سيادة الرئيس: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لقد قيل الكثير حول صعوبة تحمّل الرئيس (أبو مازن) تبعات رئاسة الحكومة الانتقالية، في ظل وقوفه على صدارة عددٍ من الملفات الثقيلة، مثل: ملف منظمة التحرير؛ باعتبار أنه رئيس اللجنة التنفيذية، وكذلك ملف زعامة حركة فتح، والتي تنخر عظامها الخلافات وتفتقد لغياب الرؤية ووحدة الصف، وملف رئاسة السلطة الوطنية وما تحتاجه من متابعات يومية مع الاحتلال والمجتمع الدولي، ومواقع رئاسية أخرى تنوء بحملها الجبال، وتجعل من الصعب على أي "سوبرمان" فلسطيني النهوض بأعبائها الهائلة، والوفاء بما تتطلبه من التزامات. كان الشارع الفلسطيني يترقب – مثلاً – أن يتكرم الرئيس (أبو مازن) بالتخلي عن  بعض مواقع "رئاسياته" المتعددة، للتفرغ لمهماته الكبيرة مع أمريكا وإسرائيل والمجتمع الدولي، وإعطاء الانطباع داخل شارعنا الفلسطيني بأنه - فعلاً – يهيئ الساحة السياسية لمن سيخلفه؛ سواء في قيادة حركة فتح أو رئاسة منظمة التحرير، خاصة وأنه أكد في أكثر من مناسبة بأنه لن يترشح للإنتخابات القادمة، وهذا معناه – إذا تحقق - إحداث فراغ هائل في قائمة "الرئاسيات" التي يتربع على صدارتها، قبل الاتفاق على ملامح رجل الظل أو الشخصيات البديلة التي يمكن أن تملأ شواغر هذه الرئاسيات..!! إذا استمر هذا الحال القائم على حاله، فإن هذا معناه أننا نسير نحو المجهول، ونخطو بعيون معصوبة ووجدان كليل وكيان سياسي عليل..!! وشوشات الفجر الكاذب إن أمامنا الآن فرصة للاتفاق على حكومة تكنوقراط لمدة عامٍ أو عامين أو حتى لثلاثة أعوام إذا تطلب التوافق الداخلي ذلك، تكون مهمتها الأولى هي الإعلان الرسمي عن نهاية الانقسام والتفرغ لترتيب أوضاعنا المعيشية، مع منح الأولوية لجهود إعادة الإعمار ورفع الحصار والمصالحة المجتمعية، والعمل على توفير مقومات الحياة الأساسية ومتطلبات فرص العمل للطاقات الشبابية، حيث هناك أكثر من 70 ألف خريج عاطل عن العمل، والدفع باتجاه بث الحيوية في المشاريع التنموية، وتشجيع الاستثمار والانفتاح الاقتصادي في اتجاه عمقنا العربي والإسلامي، على أن يُترك ملف التفاوض والتواصل مع المجتمع الدولي مع الرئيس (أبو مازن) ضمن تفاهمات متفق عليها مع فصائل العمل الوطني والإسلامي؛ لا تخرج عن ثوابت ما تمّ الاتفاق عليه في (وثيقة الوفاق الوطني) التي اعتمدناها - وطنياً - علم 2006. يمكن للرئيس (أبو مازن) أن يبدأ العمل على رأس هذه الحكومة الانتقالية لتدشين الإعلان الرسمي لإنهاء حالة الانقسام واستعادة وحدتنا الوطنية والكيانيّة، ثم يقوم بعد ستة شهور بإجراء تعديل يُعفي فيه نفسه من رئاستها، ويختار شخصية وطنية توافقية تأخذ مكانه إلى أن تنضج الظروف ويحدث التوافق حول موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، بشرط عدم تعطيل جهود إعادة هيكلة منظمة التحرير وإصلاحها بالشكل الذي تمَّ التوافق عليه في القاهرة. لاشك أن ما أنجزته حكومة غزة في سياق استتباب الأمن وحفظ النظام جدير باعتماده والبناء عليه، إذ أن ذلك هو - في الحقيقة - حجر الزاوية و"مركز الثقل" لطمأنة حماس بأن أي حكومة قادمة سوف تسعى لتأسيس أركان الشراكة السياسية وتأكيدها، ولن تكون معول هدم مهمته العمل على إقصاء حماس وتهميشها. لقد أظهرت حركة حماس رغبتها في التغيير، وقدمت الكثير من التنازلات، ولكنّ يبدو أن "المثبطات" أمامها كثيرة، وهي تفقدنا الحيوية والحماس – أحياناً – بأن ما نتطلع إليه ما يزال بعيد المنال، وأن الطرف الآخر لا تظهر عليه الجدية بالشكل الذي يدفعنا للقيام بخطوات أخرى. فالرئيس (أبو مازن) بعدما قمنا بتذليل آخر عقبة في طريقه؛ وهي رئاسة الوزراء، عاد للتململ والبحث عن ذرائع جديدة لشراء الوقت، ومنع إحداث التغيير بالشكل السريع المطلوب. لقد رأينا أن حركة فتح أخذت - من جانبها - تُشيع بأن حركة حماس وضعت عدة اشتراطات لاعتماد "إعلان الدوحة" بعد لقاء مكتبها السياسي الأخير في القاهرة، وهي لن تقبل ذلك.. ثم عادت لتقول بأن الرئيس (أبو مازن) لن يأتي بتشكيل حكومته الانتقالية إلا بعد السماح للجنة الانتخابات بمباشرة عملها في قطاع غزة..!! وبالرغم من أن هذه القضية هي في جوهرها مسألة "فنيّة" بالدرجة الأولى، إلا أن إصرار الطرفين كلٌّ على موقفه يعكس أن هناك من يُبيّت سوء النيّة تجاه سؤال المصالحة. فالسلطة في رام الله تتخذ من عدم فتح الباب لعمل لجنة الانتخابات في قطاع غزة ذريعة لتجميد أي حراك تجاه تشكيل الحكومة، وحركة حماس - أيضاً - تتعذر من جانبها بأن هذا العمل يتوجب أن يأتي متزامناً مع تشكيل الحكومة وكتعبير عن التوافق وتحقيق المصالحة.. الحقيقة، إن موقف الطرفين جانبه الصواب، لأن عمل اللجنة سيكون تحصيل حاصل مع تشكيل الحكومة هذا من جانب، وأن ما تقوم به اللجنة هو – في الواقع - عمل فنّي، هذا من جانب آخر. من هنا، فإن ما يتشدق به البعض بأن إرجاء تشكيل الحكومة مرجعة – في الأصل – هو غياب عمل لجنة الانتخابات في القطاع، فهذا لا يتعدى سياق المماحكات الإعلامية،  كما أن منطق التعطيل هو الآخر "حقٌ يُراد به باطل"، وهو عذرٌ غير مقبول.. إن كل ما تقدمه أطراف الأزمة لا يخرج عما يقول به الكثيرون داخل الساحة الفلسطينية من أن طرفيّ الأزمة يمارسان حالة من "التكاذب" بهدف شراء الوقت، حيث تبدو الظروف الحالية أنها لا تعمل لصالحِ أيٍّ منهما.. من هنا، يحاول كلُّ طرفٍ الظهور بمظهر من يبذل أقصى الجهد من أجل تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، لكنّ الطرف الآخر هو المعيق والعقبة الكأداء..!! إن هذا الواقع الفلسطيني - الرسمي - يذكرني بالمثل الليبي الذي يحاول رسم مشهد تهكمي لمن يتصبب عرقاً ويتوجع من الانهاك، وهو في حقيقته يضحك على نفسه ويخادع من حوله، لأن محصلة عمله لا تتجاوز عبث المراوحة في المكان ليس إلاّ.. يقول المثل الليبي: "اللي تلقيه يلهد على خشبة قوله حصانك جرّاي"..!! هذا حالنا، فلقاءات أحصنتنا لا تنقطع، والنتيجة أنها بعد كل لقاء تتفق - فقط - على التواصل لترتيب موعد اللقاء القادم..!! يا حسرتاه على العباد.!! إن من حق الشارع الفلسطيني أن يفكر في خيارات وبدائل أخرى إذ ما استمرت عملية المماطلة والاستخفاف بقدر هذا الشعب العظيم ومصيره، كما أن من حق النخبة الفكرية والنشطاء السياسيين وفرسان الحراك الشبابي أن يبحثوا عن مخارج وحلول إبداعية للواقع الفلسطيني المأزوم والمتعثر.. إن من حقنا جميعاً أن نخلق حراكاً يحجب عين الشمس، ويصدع بقوة الحق مطالباً بإنهاء الانقسام.إن من حقنا أن نقول: كفى عبثاً واستهتاراً بدماء الشهداء والمقاومين، وأوجاع الأسرى والمعتقلين، وآلام الجرحى والمعاقين. كفى استغفالاً بتضحيات شعب فلسطين العظيم، كفى مقامرة وفعل شيطانٍ رجيم..!! كفى مناورة، لقد اشتد الأذى وبلغ الحزام الطبين، وغدت وجهة الشعب واحدةً من بين خيارات أربع، قد تأتي مجتمعة أو متفرقة، لكنها لابدَّ آتية، وهي:1- الثورة في وجه الرئيس2- الثورة في وجه حماس3- الثورة في وجه فتح وحماس4- الانتفاضة الشعبية العارمة في وجه الاحتلال وبالرغم من أن ربيع الثورة العربية قد حرّك كل الأنوف المزكومة، إلا أن الكثير من القيادات السياسية الفلسطينية في ساحة العمل الوطني والإسلامي أشبه بحالة "غايب فيله"، لا يدري بأن "الشعب يريد.."، وأن صمته مرجلٌ يغلي، وكما فاجأتنا ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وأذهلتنا بطاقات فعلها، فإن المفاجأة - إذا استمر الصمت البليد - ستحط في رحالنا، ولن ينفع أحدٌ – حينئذ- ولآتَ حين مندم. وأخيراً: الحكم بانتظار المداولة في الأسبوع قبل الماضي عقد مركز مسارات بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية (CMI) ورشة عمل بالقاهرة، شارك فيها أكثر من 40 شخصية فلسطينية تنتمي لمعظم فصائل العمل الوطني والإسلامي، إضافة إلى بعض الأكاديميين وعددٍ من نشطاء مؤسسات المجتمع المدني، كما استضافت الورشة كُلاً من النائب عزام الأحمد والدكتور موسى أبو مرزوق باعتبار تمثيلهما لملف المصالحة الوطنية عن حركتي فتح وحماس. وقد تحدث الطرفان عن رؤية كل منهما لمستقبل لمصالحة، حيث أوردا طرحاً أصابنا جميعاً بالإحباط والغثيان، وأفسد علينا حيوية ملتقانا، وتأكد للحضور - بعد مداخلة كلٍّ منهما - أن فتح وحماس هما في الحقيقة جزءٌ من الأزمة، وليس لدى أيٍّ منهما القدرة على إيجاد مخرجٍ وإبداع حلٍّ، حيث تعقدت أوضاع الحركتين، وأصبحت هناك – كما يرى البعض - مراكز قوى وأصحاب امتيازات لها مصالح في استمرار حالة التشظي والانقسام. إن الحالة التي عليها الوطن ليست كما يحاول أن يوهمنا بعض أصحاب المعالي: "سما قمره والربيع ذراع".!! بل هي أشبه بوضعية القاطرة التي تنحدر بسرعة باتجاه الوادي دون مكابح، وليس أمامنا إلا محاولة الإلقاء بأنفسنا من النافذة على أمل النجاة من الهلاك. نصيحتي للرئيس (أبو مازن) والأخ خالد مشعل بالعمل سريعاً على استنقاذ الحالة الفلسطينية؛ إما بالعودة للبحث عن خيار آخر لرئيس الوزراء أو المضي قُدماً بما تمَّ التوافق عليه في الدوحة، مع الأخذ - إرضاءً للشريك الآخر - ببعض "الاستدراكات". يا أصحاب المعالي وصُنّاع القرار.. لقد صعقتنا الحالة التي نحن عليها داخل هذا الوطن السليب، ولقد سمعت من يجأر ويصرخ قهراً: ارحمونا؛ ارحمونا.."مش باقي إلاّ آخد قبر أبويا وارحل"!!ودمتم؛ تسمعوا أمثال.