خبر : هل عصفت خلافات "حماس" باتفاق الدوحة ؟ .. بقلم: مهند عبد الحميد

الثلاثاء 20 مارس 2012 11:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل عصفت خلافات "حماس" باتفاق الدوحة ؟ .. بقلم: مهند عبد الحميد



منذ إبرام اتفاق الدوحة لم تكن نسبة المتفائلين بإتمام المصالحة عالية، وذلك بعد سلسلة من الإحباطات التي أحدثت نوعاً من "التعلّم الشرطي". فالاتفاق والتوقيع على الاتفاق وتشكيل اللجان يعني بقاء الوضع على حاله. قبل اتفاق الدوحة كان المسؤول عن الإخفاق هو العامل الخارجي. وبعد اتفاق الدوحة أصبح المسؤول عن التعثر والإخفاق هو العامل الداخلي. صحيح أن حكومة نتنياهو سارعت إلى التهديد والوعيد بعد ساعات قليلة من التوقيع على الاتفاق، لكنها آثرت الصمت وإرجاء التدخل بعد الإعلان عن استياء ورفض اتجاه من حماس للاتفاق أو وضع شروط إضافية عليه. خلافاً للمألوف، خرجت حماس للعلن بأكثر من موقف، بل وبمواقف متناقضة، إعلان الدوحة فجّر الخلاف بين اتجاهين داخل الحركة، يتمركز الاتجاه الرافض المتشدد في قطاع غزة ويمثل الثقل الأكبر للحركة كما يقول د. الزهار، ويتمركز الاتجاه المعتدل في الخارج، وله امتدادات في الداخل كأكثرية كتلة حماس النيابية في الضفة، وقائد الجناح العسكري كتائب القسام أحمد الجعبري في غزة. الخلاف داخل حماس غير مقطوع الصلة بالعلاقة مع إيران. فقد أحدثت زيارة هنية لطهران وتصريحات الزهار التي تحدثت عن إمكانية دخول الحرب إذا ما تعرضت إيران لعدوان إسرائيلي، بعداً إقليمياً للخلاف، البعض ربط الخلاف الحمساوي الداخلي حول إعلان الدوحة بمستوى من النفوذ والتأثير الإيراني داخل حماس. وبعملية الاستقطاب في المنطقة، وباستعداد الإخوان المسلمين الذين صعدوا عبر الانتخابات في أكثر من بلد عربي لإبرام الصفقة مع النظام الدولي. الاتجاه الذي يمثله مشعل في حركة حماس بدأ يستجيب لإستراتيجية الإسلام السياسي الصاعد إلى الحكم، وبدأ يخرج تدريجياً من شبكة العلاقات القديمة. فقد ابتعد فعلاً عن سورية وإيران واقترب أكثر من الدوحة ومن الإخوان المسلمين في مصر، وأبدى مرونة إزاء المفاوضات، وبدأ يقترب من إستراتيجية المقاومة الشعبية السلمية، ومن دولة فلسطينية في حدود الأراضي المحتلة منذ العام 1967. ومضى في تعزيز علاقاته مع الرئيس عباس. مشعل يعتقد أنه بات قريباً من السلطة والمنظمة انسجاماً مع التحولات التي جاءت بالإسلام السياسي في كل البلدان التي اندلعت فيها الثورات العربية. وأن الطريق إلى ذلك هو طريق الاعتدال والتفاهم، وهذا ما لم تستوعبه أكثرية في قيادة حماس وبخاصة في قطاع غزة، التي ما زالت تلتزم شعارات المقاومة، ولم تتوقف عند معنى صعود الإسلام السياسي ووصوله إلى الحكم. وقد أوضح الزهار ذلك عندما قال: "إن إعلان الدوحة يشكل خطراً كبيراً على مشروع الحركة الإسلامية لأنه اعتراف صريح ببرنامج المفاوضات والاعتراف بإسرائيل والتنسيق الأمني معها، إنه الإقرار ببرنامج فتح، يحدث ذلك في الوقت الذي يفتح فيه العالم الإسلامي والعربي الأبواب لحركة حماس اعترافاً بنجاح مشروعها المقاوم". غير أن هذا الكلام يتعارض مع وجود هدنة تلتزم بها حماس في قطاع غزة وتلزم بها الفصائل الأخرى. ويتعارض مع التفاهمات الأميركية مع حركة الإخوان المسلمين، واتفاق الحركة مع المجلس العسكري على السياسة العامة، وبهذا المعنى فإن كلام الزهار ينتمي إلى مرحلة سابقة ولم يعد ملائماً أو منسجماً مع سياسة المركز الإسلامي الذي يشكل مرجعية لحركة حماس. لقد أتقنت حماس في المرحلة السابقة الجمع بين موقفين، الأول: التحالف مع إيران وتلقي الدعم المالي والأسلحة مقابل أن يكون لإيران موطئ قدم في فلسطين وحصة ما في القرار. والثاني: موقف الالتزام بمرجعية الإخوان المسلمين والمركز الإسلامي. بعد سقوط رأسي النظام المصري والتونسي وصعود الإسلام السياسي ونجاحه المدوي في الانتخابات، اختلف الأمر، وبدأنا نشهد مرحلة إعادة ترتيب الأوراق. لم تعد إيران مهمة لحماس، ولا تستطيع حماس الخروج عن التوجه العام للإسلام السياسي الذي يبرم التفاهمات والصفقات مع الولايات المتحدة والغرب لقاء الاعتراف به في الحكم. إن بقاء حماس على شعاراتها ومواقفها السابقة لا يستقيم مع التزامها بمرجعية الإسلام السياسي في الحكم. إيران بدورها نقلت مركز دعمها المالي والتسليحي خلال العام الماضي إلى حركة الجهاد الإسلامي وخففت من دعمها لحركة حماس، تقول التقارير الإسرائيلية إن مخزون حركة الجهاد من (الأسلحة) يعادل مخزون حماس الآن. ذلك أن إيران تتوخى استخدام الورقة الفلسطينية في البحث عن حصتها الإقليمية. موقف حماس المرجح هو الالتزام بالمرجعية، والاستثناء هو تمرد الاتجاه المتشدد والذهاب بعيداً مع إيران. إذا نظرنا للمصالحة باعتبارها عملية ديمقراطية نابعة من المصلحة الوطنية ومن حاجة الشعب للحرية. وليست فعلاً إقليمياً يتعامل مع قضية الشعب الفلسطيني كورقة تكتيكية. المصالحة الحقيقية هي المصالحة التي تأتي تتويجاً لمراجعة جادة تتوقف عند كل أشكال انتهاك الديمقراطية، وتتوقف عند إخفاق المفاوضات وظواهر الفساد الإداري والمالي الظاهر والمستتر، والهدنة أو التهدئة والمغامرات غير المدروسة في مجال المقاومة، وأشكال بناء المؤسسة الأمنية ودورها بما في ذلك التنسيق الأمني، وواقع المؤسسة المدنية، والسياسة الاقتصادية، والأثرياء الجدد. ثمة فرق جوهري بين مصالحة تأتي في إطار المراجعة والإصلاح والتصويب وصولاً إلى الاحتكام للشعب، وبين مصالحة من فوق ومن خلال تدخلات إقليمية. المصالحة ضمن المنظور الوطني الديمقراطي غير مطروحة للعمل والمبادرة والفعل. باستثناء المبادرات الشبابية التي انطلقت منذ عام وهمدت، وباستثناء الوساطة النخبوية التوفيقية البيروقراطية لبعض الشخصيات. التنظيمات اليسارية والاتحادات والمجتمع المدني والنخب الثقافية والإعلامية تعيش حالة من الترقب والتذمر بانتظار وصول "فتح" و"حماس" إلى التفاهم "العتيد". "إن اتفاق الدوحة يحتاج إلى معجزة لتنفيذه". قال أحد المراقبين، وكان متنبئاً جيداً. غير أن المعجزة هي في غياب المبادرات والتدخلات للإصلاح وإعادة البناء وتصويب الاختلالات أو البحث في استقطاب جديد. أكثرية الشعب لها مصلحة في توطيد وحدة وطنية وفي إعادة الاعتبار للديمقراطية، لكن هذه الأكثرية لا تعمل ويصلح إطلاق وصف الأكثرية الصامتة عليها. مقابل ذلك هناك قوى قديمة وجديدة وشرائح من الأثرياء الجدد في غزة وفي الضفة، وأوساط أمنية ومليشياوية، ونخب حزبية، هؤلاء ليس من مصلحتهم الانتقال من الأوضاع الشاذة إلى الأوضاع الصحية، لذا فإنهم يقاومون استعادة النظام والقانون ويرفضون العودة للشعب. Mohanned_t@yahoo.com